القاصرات في السودان بين جحيم الاغتصاب ومأساة الحمل
في السودان، لا يمكن قياس المآسي التي يعيشها الشعب نتيجة للحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع. كما لا يمكن تخيل تأثيراتها المباشرة على حيوات فئات المجتمع الأكثر هشاشة، مثل النساء والأطفال/الطفلات والقُصر/القاصرات.
ولعل أكثر هذه المآسي تصاعداً والتي تترك آثاراً نفسية يصعب جبرها، هي تلك الناتجة عن الانتهاكات والاعتداءات الجنسية التي أصبحت سمة بارزة للحرب في السودان. حيث تعرضت مئات النساء والقُصر/القاصرات للاغتصابات الجماعية، والاستعباد الجنسي، والاختطاف.
وفي حين انصب الاهتمام على رصد هذه الانتهاكات ومشاركة الاحصائيات حولها، بقيت آثار مابعد الاعتداء غائبة.
فرغم الجهود الكبيرة التي تبذلها المنظمات النسوية مثل منظمة “صيحة” و”وحدة مكافحة العنف ضد المرأة” وغيرها، لا تزال أهوال تركها العنف الممنهج المرتكب من مليشيات الدعم السريع تتوارى عميقًا خلف قضبان النظام الأبوي والوصم الاجتماعي، وغياب العدالة والدعم المادي والمعنوي للضحايا/الناجيات.
منظمات تقاتل وحيدة في صراعٍ دامٍ
في هذا الإطار، تصارع المنظمات النسوية على عدة جبهات، دون أن تجد سنداً حقيقي يتعامل مع مئات الجرائم التي تتعرض لها النساء والأطفال/الطفلات، والنقص الرهيب في المساعدات الإغاثية وبرتوكولات الاعتداء الجنسي والمواكبة النفسية.
هذا الصراع الدامي خلف آلاف الضحايا من الشعب السوداني بين قتلى وجرحى. كما دمر كل منشآت البلاد التي يمكن أن تساعد في نجاة ملايين الأشخاص الذين/اللاتي تركوا/ن لجحيم الموت والعنف والتجويع.
بالإضافة إلى أن حالة النزوح القسري التي خلفتها الحرب، وضعت جهود الإجلاء والإنقاذ، والتعامل مع الأزمات الناتجة عن الاعتداء الجنسي مسؤولية المنظمات النسوية والإغاثية المحلية وحدها. وذلك دون أن تحظى بالدعم العاجل الذي يساعدها في تحقيق هذه المهمة.
لذلك يتم رصد الانتهاكات الجنسية في ظل ظروف يتربص بها الخطر. وهذا الرصد لا يشمل معظم المناطق التي تشهد تطويقًا عسكرياً واشتباكات دموية بين الجيش وقوات الدعم السريع.
يجعل هذا مهمة التوثيق مستحيلة، بالإضافة إلى الانقطاع الكلي لخدمات الاتصال والإنترنت في المناطق التي عرفت اعتداءات جنسية كبيرة مثل ولاية الجزيرة.
السودان.. مئات الاعتداءات ومئات المواجع
في هذا الصدد تحدثت رانيا العوني عضوة حملة “معًا ضد الاغتصاب في السودان”، في مقابلة مع قناة “الجزيرة مباشر”. وصرحت أن الحملة شهدت أعدادًا مهولة من حالات الاعتداء الجنسي. فيما رصدت حالات مروعة للاعتداء الجنسي ضد الأطفال/الطفلات.
حيث وثقت الحملة منذ 15 أبريل 2023 وحتى 30 أبريل 2024، 377 حالة اغتصاب وتعنيف. من بين هذه الحالات 131 اعتداء جنسي على الأطفال/الطفلات، و75 من النساء والأطفال/الطفلات. كما تم توثيق 07 حالات اغتصاب للرجال.
وهذه الحالات حسب رانيا العوني تعد محدودة ولا تعبر عما يحصل في الواقع. وذلك بسبب صعوبة الوصول إلى الخدمات وطلب المساعدة.
بالإضافة إلى حالات الاعتداء الجنسي التي لم يتم التبليغ عنها. وذلك لعدة أسباب، منها انقطاع الإنترنت لكي تستطيع الناس مشاركة هذه الانتهاكات أو توثقها. كما أن هناك أماكن لا يمكن الوصول إليها بسبب الاشتباكات، حتى وإن وجد من يعمل على توثيقها في الميدان.
وأشارت رانيا أنه “تم تسجيل أعلى عدد من حالات الاغتصاب في ولاية شمال دارفور. إذ تم توثيق 99 حالة، تليها ولاية الجزيرة بـ 89 حالة. بينما تتوزع بقية الحالات على ولايات ومناطق أخرى”.
قاصرات ضحايا للاغتصاب والحمل الناتج عنه
كما كشف عن حالات الاعتداء الجنسي التي نتج عنها حمل. فتقول رانيا العوني أنه من بين 377 حالة اغتصاب، تعرضت 14 ضحية قاصرة للحمل الناتج عن الاغتصاب. ليكون بذلك، حسب تعبيرها، طفلاتُُ أنجبن أطفالاً/طفلات.
بعض هذه الحالات وضعت حملها في القاهرة بمعية الحملة. وكان من بين الآثار المدمرة لهذا الوضع هو أن الأطفال/الطفلات المولودين/ات نتيجة للاغتصاب يتم تسجيلهن/م على آباء الضحايا. فيصبح الطفل قانونيًا، وفقًا لرانيا، “شقيق/ة أمه/ا”.
وهنا يصبح الوضع القانوني مجالاً آخرًا لمفاقمة هذه الجريمة. فمن جهة، ليس مهيأً للتعامل مع هذه القضايا دون الوقوع في تكريس الوصم الاجتماعي تجاه الأطفال/الطفلات والأمهات. ومن جهة أخرى، يغلب عليه الطابع الأبوي الذي يضاعف من حدة العنف.
في السودان.. وصمة اجتماعية وطفولة غائبة
هذه الآثار المأساوية للاعتداء الجنسي في سياقات الحروب والنزاع، والذي يعد سلاحًا لا يقل فتكًا عن أشكال الإبادة والتدمير، تصبح أكثر تعقيداً عندما يكون الضحايا أطفال/طفلات.
فالصدمات والألم والمعاناة التي يخلفها الاعتداء الجنسي تتضاعف إذا ما نتج عنها حملًا. فتجد القاصر نفسها أمام وضعٍ يصعب عليها فهمه أو تفسيره واستيعابه.
تنتزع من حياتها الفتية لتصبح أمًا لرضيعٍ سيواجه، بلا شكٍ مثلها، ويلات الوصم الاجتماعي. أما النظام الأبوي، فقد ساهم في مأساتهما من البداية وأنتج أدوات مثل الاغتصاب.
في هذا الصدد، فإن ثقافة الاغتصاب ولوم الضحية تشكل عامل انتهاك آخر في حياة الضحايا/الناجيات. ولا يكون المجتمع الذي عاش معهن ويلات الحرب مهيأً لفهم تأثيرات هذه التجارب القاسية عليهن.
بالإضافة إلى أن الوصم الاجتماعي الذي يلاحق الأطفال المولودين/ات نتيجة عوامل كالاغتصاب، يشكل عثرة أمام التعامل الإنساني معهن/م بوصفهن/م ضحايا أيضًا.
بينما تظل الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ترتبط بتقاطعات اضطهاد لا منتهية. من هذه التقاطعات النزوح، والحرب، والعنف. ومنها سلب حقوق الطفولة وانعدام الأمن والضمان الاجتماعي والاقتصادي للقصر ضحايا الحروب. كل ذلك في عالم تتحكم فيه أنظمة تمول الحروب وترعاها بدلًا من إيقافها.