سحب جائزة الشجاعة من الصحافية الفلسطينية مها الحسيني.. جبن وتواطؤ مع الاحتلال

لإسكات الأصوات الفلسطينية الشجاعة وحصار الشعب الفلسطيني إعلاميًا، يعمل الكيان الصهيوني وحلفاؤه بكل جهد. فبالإضافة إلى الاستهداف الجسدي المباشر وقصف وقتل الصحافيات/ين بشكل مستمر، يقوم الاستعمار عبر شبكات دعم عالمية بجهود واسعة وممنهجة لترهيب وإسكات الصحافيات/ين الفلسطينيات/ين.

وذلك من خلال تقويض فرصهن/م في العمل، والتحريض المستمر ضدهن/م وسحب الجوائز والمنح ومنعهن/م من السفر. خصوصاً في ظل العمل البطولي الذي تقوم به الصحافة الفلسطينية في غزة، من كشف لجرائم الإبادة، ومواجهة آلة الدعاية الصهيونية، والتصدي للحصار الإعلامي العالمي الذي يحاول تبرير الإبادة.

في هذا الصدد، تعرضت الصحافية الفلسطينية مها الحسيني لهجمات واسعة من الصهاينة وحلفائهم/ن. وهذه الهجمات كانت السبب في سحب جائزة دولية حصلت عليها في شهر حزيران/يونيو الجاري. تعتبر الجائزة نتيجة لشجاعتها في تغطية الحرب الاستعمارية الأخيرة على قطاع غزة.

وكانت مها الحسيني، قد حصلت على جائزة (الشجاعة في الصحافة) من المؤسسة الإعلامية الدولية للنساء (IWMF). وهي الجائزة التي تُمنح للصحافيات اللواتي يواجهن المخاطر ويقمن بتغطية الحروب. إلاّ أن المؤسسة سحبت الجائزة يوم 20 حزيران/يونيو الجاري.

التحريض ضد الأصوات الشجاعة

أعلنت “المؤسسة الإعلامية الدولية للنساء” حصول مها الحسيني على جائزة الشجاعة. وذلك اعترافًا بجهدها العظيم في توثيق الإبادة الحاصلة في غزة والتقارير الميدانية المهمة التي أعدتها. بعد أيامٍ قليلة، انطلقت حملة تشهير صهيونية على وسائل التواصل الاجتماعي، مطالبة بإلغاء الجائزة. إذ تم التحريض ضد مها ونعتتها بـ “الإرهابية”.
في غضون 24 ساعة، امتثلت المؤسسة وألغت الجائزة، وأزالت ملف مها الشخصي من موقعها على الإنترنت. ثم خفضت عدد الفائزات من أربع إلى ثلاث صحافيات.

أوضحت مها الحسيني في لقاء مع الجزيرة مباشر أن: “سحب الجائزة جاء تحديدًا بسبب رسم كاريكاتيري يتضمن صورة تتعلق باختباء إسرائيل وراء جريمة “الهولوكوست”، لترتكب مزيدًا من الانتهاكات ضد الفلسطينيين/ات. في حين أن العالم منشغل ويتناسى الانتهاكات بحقهن/م”.
وحول الحملة التحريضية قالت: “اتُهمت من الحملة المناهضة لحصولي على الجائزة بمعاداة السامية ودعم الإرهاب. وغيرها من الاتهامات التي لم تُثبت. والمؤسسة لم تخبرني عن سحب الجائزة إلا بعد إصدارها بياناً بذلك”.
وأكدت مها الحسيني في لقائها، أنها: “عرفت بالأمر من احتفاء ناشطي/ات الحملة المناهضة على مواقع التواصل الاجتماعي”. مشيرة إلى أنها ليست المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك.

المؤسسة “الشجاعة” في خدمة الهيمنة الاستعمارية على النساء

وفي إطار كشف النفاق المؤسساتي المتواطئ مع الكيان قالت مها: “أخبرت المؤسسة أن الكاريكاتير لا يستدعي سحب الجائزة. ولا يمثل انتهاكاً لأي من معاييرها، تحديدًا وأن هناك انتهاكات حقيقية تجري على الأرض. والفلسطينيون/ات لا يحصلن/ون على التغطية الإعلامية المناسبة لمعاناتهن/م”.
وقد ظهر التناقض بين المبادئ التي تُعرِّف بها المؤسسة نفسها وبين سحبها للجائزة في بيانها المقتضب حول القضية. حيث تقول دون الخوض في التفاصيل: “علمت المؤسسة بالتعليقات التي أدلت بها مها الحسيني في السنوات الماضية والتي تتعارض مع قيم مؤسستنا”.
وتتابع المؤسسة: “ونتيجة لذلك، قمنا بإلغاء جائزة الشجاعة الصحفية التي كانت قد مُنحت لها سابقًا. تعتمد كل من جوائز الشجاعة ومهمة IWMF على النزاهة ومعارضة التعصب. نحن لا ولن نتغاضى أو ندعم الآراء أو التصريحات التي لا تلتزم بهذه المبادئ”.

تدّعي المؤسسة في تعريف الجائزة بأنها “تُظهر جوائز الشجاعة في الصحافة للناس أن الصحافيات لن يتنحين جانبًا، ولا يمكن إسكاتهن، ويستحقن الاعتراف بقوتهن في مواجهة الشدائد. إن الجائزة تكرم الصحافيات الشجاعات اللواتي يكتبن عن مواضيع محظورة، ويعملن في بيئات معادية للمرأة، ويشاركن الحقائق الصعبة”.

لكنها رغم ذلك، لم تجد من الصعوبة أن تلغي جائزة مها وتعلن، بكل بساطة، أنها مرهونة في يد كيان استعماري يريد أن يبيد ملايين الأشخاص دون ضجيج أو اعتراض.

وهو ما يذكرنا بحالة منتشرة من الاتجار بالقضايا والقيم والمبادئ المصيرية للعدالة والحرية. حيث يتم استخدامها في تثبيت نظم الاستعمار والهيمنة الاستعمارية، بل والتعامل مع نساء الجنوب العالمي وكأنهن أدوات لتحقيق هذه الهيمنة. فمادام أنهن يتحدثن فقط عن النظام الأبوي المحلي في سياقاتهن دون مناهضة الاستعمار، يمكن لهن الحصول على الجوائز العالمية والثناء على شجاعتهن. لكن لن يُحتفى بهن أو يكافئن من هذه المؤسسات على شجاعتهن في نقل ومناهضة جرائم الإبادة الاستعمارية على شعوبهن رغم تعرضهن للخطر.

المؤسسات الدولية في خدمة الاستعمار

كشفت الحرب الاستعمارية على غزة تورط الكثير من المؤسسات الدولية التي ترفع شعارات حقوق الإنسان والنساء وحرية التعبير والصحافة، في الدعم والارتهان المباشر للسياسات الاستعمارية والخضوع لإملاءات الصهيونية ومؤيديها.
بل أصبح من الواضح أن أصوات الصحافيات/ين والنسويات والحقوقيات/ين من الجنوب العالمي، لن تُقبل إلا إذا كانت تتعامى عن الاستعمار والإبادة والعنف الذي تتعرض له شعوبها، وتصمت أمام جرائم الكيان الصهيوني.

في هذا السياق، تعرضت المنظمات والأصوات النسوية والصحافية التي وقفت ضد الإبادة الاستعمارية في غزة، في المنطقة الجنوب العالمي وحتى في الشمال، إلى ترهيب وعقاب وسحب للتمويل والجوائز، وحتى الحرمان من دخول دول في الاتحاد الأوروبي.

بينما كانت الضريبة الأكبر تقع على الصحافيات/ين في غزة. فما بين فقد العائلة والأحباب، والتعرض المباشر للقتل والخطر، ساهمت هذه المؤسسات في وضع قيود صارمة على أصواتهن/م. ذلك في تواطؤ مباشر مع الكيان الصهيوني ومحاولة مستميتة لطمس جرائمه في غزة.

في هذا الصدد ،تقول مها الحسيني في مقالها على موقع Middle East Eye، “لم أكن لأفوز بهذه الجائزة لولا وجودي على الأرض لفضح الانتهاكات الصهيونية الصارخة، وفي ظل ظروف محفوفة بالمخاطر، وتعرضي لهجوم ممنهج من قبل أنصار مرتكبي الجرائم”.

وشددت الحسيني على أن عملها الذي كان محط تقدير وأدى لحصولها على الجائزة مر في ظروف مأساوية من النزوح والإبادة. “خلال هذه الفترة، تعرضت للتهجير القسري ثلاث مرات، حيث كنت أتنقل من ملجأ إلى آخر نتيجة لقصف منزلي. وتحملت شهورًا من المجاعة وانقطاع التيار الكهربائي والقصف المستمر. في بعض الأحيان، اضطررت إلى استخدام القلم والورقة لإرسال تقاريري عبر الرسائل النصية، بعد أن قطع الاحتلال إمدادات الوقود والكهرباء وقصفت البنية التحتية لشركات الاتصالات الرئيسية في غزة”.

الشجاعة لا تكتسب بالجوائز

كل ما مرت به مها الحسيني ومرت به جميع الصحافيات/ين في غزة لا يمكن لعقل أن يتصوره. ولا أن يتصور حجم الألم واستجماع الشجاعة والمعنويات لتغطية المجازر اليومية والمعاناة التي يعيشها أهل غزة جراء حرب سادية ووحشية لا حدود لشرها، ولا كلمات تصف ما يحصل أمام الكاميرات.

فكل صحافية/ي تخاطر بنفسها، لنقل صور وتقارير عن الأشلاء والمجازر الجماعية وعائلات بأكملها تمحى من وجه الأرض، وأشخاص عالقون تحت الركام، ومستشفيات تتعرض لهجوم وحشي وتدمير ممنهج، وتجويع يسعى لقنص مزيد من الضحايا.

وهو ما تصفه مها في مقالها: “إن الفوز بجائزة “الشجاعة” يعني التعرض للهجمات واختيار مواصلة عملك بغض النظر. ومن المؤسف أن المنظمة ذاتها التي أدركت هذه الظروف المحفوفة بالمخاطر ومنحتني الجائزة اختارت أن تكون غير شجاعة”.

وعن مرارة الخذلان تقول: “مع ذلك، أنا سعيدة لأن فوزي بالجائزة وانسحابي منها قد أظهرا بشكل صارخ الاعتداءات الجسدية والمعنوية الممنهجة التي تتعرض لها الصحافيات/ين الفلسطينيات/ين طوال حياتهن/م المهنية”.

وتضيف، “كما يوضح كيف يمكن اعتبار وسائل الإعلام العالمية والمنظمات الدولية متواطئة في إسكات الصحافيات/ين الفلسطينيات/ين. وتشجع التهديدات والاغتيالات المعنوية لشخصياتهن/م، والتي تهدف إلى طمس أصواتهن/م وإدامة التحيز طويل الأمد في وسائل الإعلام العالمية.”

الصحافة في غزة ليست مهنة.. بل وسيلة نجاة

توضح مها أن الصحافة في غزة ليست مهنة يمكن لمن تزاولها أن تعمل في جو من الأمان تضمن به تحقيق مسيرة مهنية جيدة. فهي لم تختر الصحافة كمهنة، بل أصبحت صحافية كما تقول بعد أن “أدركت مدى تغاضي العالم عن معاناة الشعب الفلسطيني واختياره للرضوخ مع الضغوط الصهيونية، خصوصًا في الوقت الذي تمنع فيه إسرائيل الصحافيات/ين الدوليات/ين من دخول قطاع غزة لتقديم تقارير موضوعية عن الحرب”.

وتشير إلى أنه، وبدلاً من الاعتراف بالتهديدات التي يواجهها الصحافيات/ين الفلسطينيات/ين والمساهمة في حمايتهن/م، “فإن سحب الجوائز من الصحافيات الفلسطينيات في غزة، حيث قُتل/ت ما يفوق ال 150 صحافية/ي بالفعل على يد قوات الاحتلال، يخاطر بجعلهن/م أهدافاً أكبر للقتل والخطر”.

لا ندم على النضال

وعن شعورها تجاه القرار، تقول مها: “حقيقة لم أحزن أو أتأثر. فليست هذه الجائزة التي تمنحني فرصة إكمال عملي الصحفي. ولم أعمل يوماً لأتلقى جوائز ولم أرشح نفسي، ولم أسعَ للحصول على الجوائز لاستمرار عملي الصحفي الذي هو واجب في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية”.
وتضيف، “لا أشعر بأي ندم على أي منشورات أو تعليقات سابقة أدت إلى إلغاء جائزتي. ولن أتوقف عن التعبير عن آرائي. قبل أن أصبح صحافية، كنت فلسطينية أعيش تحت الاحتلال العسكري والحصار الخانق. واليوم، أعاني من إبادة جماعية معترف بها دوليًا في غزة. لقد طُرد أجدادي من القدس عند إنشاء الكيان الصهيوني، واليوم طردت أنا من منزلي في غزة خلال هذه الإبادة الجماعية”.

وتشدد مها، “إذا كان الفوز بجائزة يتطلب تحمل جرائم الحرب ومشاهدتها مع التزام الصمت، فلا يشرفني الحصول على أي جوائز. سأظل دائمًا موضوعية في تقاريري، لكن لا يمكنني أبدًا أن أكون محايدة. سأشير دائمًا إلى الجناة وأتضامن مع الضحايا. هذا هو ما تعنيه الصحافة حقًا”.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد