الطبقة والعنف الجنسي.. امرأة تقفز من “توكتوك” في مصر
يخفت تأثير الطبقة الاجتماعية عندما يتعلق الأمر بالعنف الجنسي ضد النساء. إذ قفزت امرأة من “توكتوك” في منطقة مصر القديمة بعد تعرضها للتحرش من السائق. إذ تعرضت لكسور في أنحاء متفرقة من جسدها على إثر القفز، وألقت الشرطة القبض على السائق.
تُذكرنا الواقعة بحادث وفاة حبيبة الشماع التي قفزت من سيارة أجرة تابعة لشركة أوبر، بعدما حاول السائق خطفها للاعتداء عليها جنسيًا.
تعتبر الطبقة الاجتماعية من العوامل التي يتم تصويرها على أنها سبب لتعرّض النساء للعنف. وغالبًا ما تُحاق السرديات الرسمية حول انتشار العنف ضد النساء في الطبقات المفقرة فحسب. لكننا أمام واقعتين تختلف فيهما الطبقة الاجتماعية وتتشابه فيهما ظروف العنف.
الطبقة والسردية الرسمية
يعتبر استخدام عامل الطبقة في الإشارة إلى انتشار العنف الجنسي في المجتمعات المهمشة إحدى وسائل الدولة للتغطية على اتساع رقعة العنف ضد النساء والذي يتجاوز حدود الطبقة الاجتماعية. فكما يحدث العنف القائم على النوع في الطبقات المفقرة، يحدث كذلك في الطبقات المُمكّنة اقتصاديًا – أو الطبقات العُليا مجازًا.
تستفيد الدولة من هذه السردية التي تبرر عنفها وتهميشها للطبقات المهمشة، بينما يستمر تمكينها الاقتصادي للطبقات الأعلى. في هذه المفارقة، تُهمّش النساء والفتيات ويتعرضن للعنف في هذه الطبقات. بينما تستخدم الدولة والإعلام والمؤسسات الرسمية معاناتهن لإيقاع تهميش مضاعف على الطبقات التي ينتمين إليها.
على مدار عقودٍ طويلة، ساهمت هذه السردية الطبقية في تأصيل العنف ضد الرجال المنتمين إلى طبقات مفقرة. كما زادت من استهدافهم أمنيًا في الأماكن العامة بذريعة “ممارسة عنف محتمل ضد النساء”.
تلك السردية ساهمت أيضًا في إنكار تعرض النساء من الطبقات الأعلى إلى العنف المبني على النوع الاجتماعي. هذا كما لو أن انتمائهن لطبقة معينة يجنبهن التعرض للعنف أكثر من غيرهن. وهو ما ساهم في إخراس العديدات منهن وقمع معاناتهن وتكذيب تعرضهن للعنف. وبالتالي، إنكار حقهن في العدالة، سواء كانت رسمية أو مجتمعية.
الطبقة لا تحمي من العنف الجنسي
في الواقعتين محل النقاش هنا، قفزت حبيبة الشماع من سيارة نقل ذكي، وأدى ذلك إلى وفاتها لاحقًا. وبما أن الضحية من طبقة اجتماعية تسمح باستخدام تطبيقات النقل الذكي ودفع أجر سيارة خاصة للانتقال، فكان هناك افتراض ضمني أنها “محمية” من التعرض للعنف. ذلك وفقًا للسردية الرسمية الرابطة بين العنف ضد النساء وبين الطبقات المفقرة.
في الواقعة الثانية، قفزت امرأة من “توكتوك”، وهو وسيلة نقل خاصة أيضًا، لكنها مرتبطة بالطبقات المفقرة، وأسعارها زهيدة مقارنة بتطبيقات النقل الذكي. وبالتالي، فتعرضها للعنف الجنسي كان من ضمن الاحتمالات الواردة لتواجدها في الشارع.
لم تعفِ طبقة حبيبة الشماع ولا طبقة المرأة الأخرى من العنف الجنسي. فالاثنتان تعرضتا إلى عنفٍ جنسي بناء على النوع الاجتماعي، أي لأنهن نساء. ونستنتج أن الطبقة لم تحمِ أيهما من العنف الجنسي. وكذلك، لم تُزد من احتمالية تعرض إحداهن للعنف الجنسي مقارنةً بالأخرى.
هنا وجب التدليل على اختفاء حدود الطبقة عندما يتعلق الأمر بالعنف الجنسي. وهو ما يخالف السردية الرسمية التي تربط العنف بـ”الفقر” – أي الإفقار.
تتقاطع حدود الطبقة الاجتماعية مع العنف الجنسي بالطبع، لكنها لا تمثل زيادة ملحوظة في معدلات الحماية من العنف أو في معدلات التعرض له.
العنف الجنسي يقتل
بسبب تعرض النساء للعنف الجنسي في الفضاء العام، يضطررن إلى المخاطرة بحيواتهن للإفلات منه.
يُشير ذلك إلى أن تبعات العنف الجنسي وأحداثه نفسها، لا تقل خطرًا عن “التعرض للموت” في نظر النساء. فالانتهاك الجسدي الذي تشهده الناجيات/الضحايا يدفعهن إلى القفز من المركبات السائرة، ما قد يتسبب في موتهن كما حدث مع حبيبة الشماع.
لكن العنف الجنسي لا يتوقف على الواقعة نفسها. إذ يتجاوزها لتبعات التعرض لهذا النوع الوحشي من العنف. نتذكر انتشار ثقافة الاغتصاب التي تُبرر العنف الجنسي ضد النساء وتكذّب رواياتهن. هذا بجانب ثقافة لوم الضحية وجعل النساء مسؤولات عن منع العنف الجنسي. يحدث ذلك مثلًا بالتساؤل حول سبب تواجدهن في أماكن الاعتداء، وعلاقتهن بالجناة، أو التشكيك فيهن بدافع بحثهن عن “الشهرة”.
يضاف إلى هذه العوامل آليات العدالة الرسمية غير الحساسة للنوع الاجتماعي، مثل طول إجراءات التقاضي، وإلقاء عبء الإثبات على النساء، مع وجود ثغرات قانونية تسمح بإفلات الجناة من العقاب القانوني. والأخيرة تتضمن الضغط على الناجية/الضحية وتهديدها أو ابتزازها للتنازل ومحاولة تشويه سمعتها.