“تقاطعات” تفكك الرعاية الطبية للنساء على ضوء النظرية النسوية

تشكل الحقوق والعدالة الإنجابية والجنسانية جانبًا أساسيًا من النضال النسوي، وإنتاج المعرفة النسوية التي تقوم بها المجموعات والمنصات النسوية الناطقة بالعربية. من هذا المنطلق قامت مجموعة تقاطعات النسوية بإنتاج ورقة بحثية تحلل العلاقة الحاليّة القائمة بين “النساء وأطبّاء وطبيبات الأمراض النسائيّة في الأردن”، وتسعى الورقة إلى “توظيف مجموعة من التجارب والرؤى والمناقشات التي خاضها فريق البحث مع نساء بهدف إضاءة المسار نحو رعاية صحّيّة تضمن المساواة والكرامة والخيارات الآمنة”.

عينة البحث

أجريت مقابلات الورقة مع 96 شابة ذوات خلفيات متنوعة، وقسمت مجموعات النقاش لتسع مجموعات، في أربع محافظات في الأردن، واستهدفت العينة النساء المتزوجات وغير المتزوجات تترواح أعمارهن بين 18 و65 سنة، كما ركزت على التحديات الخاصة باللاجئات في المدن والمخيمات وذلك لفهم العوائق الإضافية التي تواجههن وتحول دون حصولهن على الرعاية الطبية اللازمة.

كما أجرت المجموعة مقابلات مع امرأتين من ذوات الإعاقة سمعية ومترجمة لغة إشارة، في إطار السعي لتوثيق تجاربهن ووجهات نظرهن الفريدة حول الوصول للرعاية الصحية النسائية، وطرائق التهميش التي يتعرضن لها والتي بدورها تعمق معاناتهن والتحديات التي تواجههن.

كما ضمت المقابلات لقاءات مع أخصائيات منخرطات في مجال الرعاية الصحية النسائية، بما فيهن ممرضة وثلاث قابلات قدمن وجهة نظرهن عن القطاع الطبي والتحديات النمطي التي يفرضها على النساء.


تشكل هذه الورقة البحثية خطوة هامة نحو تفكيك مجموعة من القضايا المتعلقة بالعدالة الإنجابية والجنسانية وتقاطعها مع الطبقة والجندر واللجوء والإعاقة، وربط هذه العوامل بالوضع البنيوي للقطاع الصحي الذي بدوره ينتج حلقات من الاضطهاد والتمييز في مجالات الصحة الإنجابية والجنسية للنساء، والتي تتفاقم كلما ارتبطت بحالة المواطنة والمعايير الجندرية والقدراتية والطبقية.

كما أنها تبين الترابط بين الرعاية الصحية والنسوية، من خلال استخدام المنظور النسوي لمعاينة قضايا الصحة الإنجابية والجنسانية، والخروج بحلول تمركز حقوق النساء وسيادتهن على أجسادهن.

نظام أبوي يهيمن على الأجساد

كما سلطت الورقة الضوء على إرتباط المنظومة الصحية بالمنظومة الثقافية والقيمية في المجتمع والتي بدورها تتأسس على قيم النظام الأبوي، حيث لوحظ أن هناك علاقة اضطراب بين النساء ومنظومة الصحة النسائية، مما أنتج مجموعة من التحديات التي تحول دون تحقيق التوازن المطلوب في الاستفادة من الخدمات الطبية المتعلقة بالفحص والمعاينة والتشخيص.

وكشفت نتائج البحث بأن “الأعراف الثقافية الراسخة والقوالب النمطية المتعلقة بالنوع الاجتماعي غالبًا ما تصد النساء عن طلب خدمات الصحة النسائية منا يعزز الصمت المجتمعي فيما يخص هذه القضايا ويؤخر التشخيص”.

كما أن قيم النظام الأبوي تساهم في تعزيز المعلومات المغلوطة والأفكار النمطية عن أجساد النساء وإنجابيتهن، مما يتركهن عرضة للتضليل وتداول أفكار خاطئة قد تكون لها عواقب سلبية على صحتهن ووعيهن بحقوقهن الشخصية.

منظومة صحية هشة ومتحيزة

وتوصلت الورقة من خلال المعاينة الميدانية عبر المقابلات والنقاشات حول قطاع الصحة النسائية في الأردن، إلى أن القطاع يواجه تحديات بنيوية كبيرة تتعلق بهشاشة البنى التحتية الصحية وقصورها عن تقديم الخدمات الطبية الضرورية للنساء دون تحيز أو تمييز.

حيث سجلت الورقة وجود ممارسات مؤذية بما في ذلك “المضاعفات والعمليات الجراحية غير الضرورية التي تقام للنساء غير النشيطات جنسيًا إنطلاقًا من المعتقد الخاطئ القائل بأن وجود إكليل المهبل يدل على ما يسمى “العذرية”.

بالإضافة إلى التحيزات النمطية بناءً على السن والحالة الاجتماعية مثل التحيزات ضد النساء الأكبر سنًا وغير المتزوجات التي تؤدي إلى تجاهل حاجتهن للرعاية الصحية، حيث تعطي المراكز الصحية العمومية الأولية للنساء المتزوجات والحوامل وتهمل بقية النساء بصفتهن أقل أهمية للإنتاج الاجتماعي.

كل هذا ساهم في “خلق بيئة غير مريحة وتضطر النساء إلى التعامل معها”، لأنهن لا يجدن بديلاً أفضل.

نتائج الورقة البحثية

توصلت الورقة إلى مجموعة من النتائج لتشكيل فهم شامل لطبيعة تجارب النساء مع الرعاية الطبية في الأردن، والغوص في أثر المنظومات الاقتصادية والاجتماعية والصحية على صحة وحقوق النساء، وهو ما مكن فريق البحث من تكوين معرفة وتوصيات يمكن أن تساعد في إصلاح وتطوير وصول النساء إلى الرعاية الصحية.

 

View this post on Instagram

 

A post shared by Takatoat تقاطعات (@takatoat)

من بين النتائج التي توصلت لها الورقة البحثية:

-أن الاعتبارات الثقافية والأعراف المجتمعية هي سبب في أن 20% من النساء يمتنعن عن الذهاب ببناتهن إلى أخصائيات وأخصائيي خدمات الصحة النسائية. وذلك يرتبط بالقيم الثقافية الأبوية المتعلقة بما يسمى “عذرية النساء” ومنظومة العار التي تحيط بأجساد النساء غير المتزوجات وتضعهن في مواجهة مباشرة مع الوصم إن حاولن السعي إلى الرعاية الطبية النسائية أو فهم أجسادهن. حيث تشكل حياة النساء والفتيات الجنسية عبء ومنظومة من المحرمات التي تحرص العائلة، بما فيها الأمهات اللواتي يشكلن حراسة اجتماعية على أجساد بناتهن ويحرصن أن يبقينها تحت السيطرة والاضطهاد، وحتى تحت رحمة التجهيل حول طبيعة الجسد.

ساهم ذلك في امتناع العديد من الأمهات عن اصطحاب بناتهن للحصول على الرعاية الصحية.

-هذا التجهيل ومنظومة الوصم المحيطة بأجساد النساء والفتيات، وحرمانهن من الوصول إلى منظومة الرعاية الصحية، ساهم في جعل 44.89% من النساء يشاركن معلوماتهن المتعلقة بالأمراض النسائية مع أفراد أسرهن من النساء والفتيات، بينما لم تشارك 11.22% أي شيء مع أسرهن.

-يمتد أثر الوصم الاجتماعي والتجهيل الممنهج حول أجساد النساء وصحتهن إلى جعلهن يمتنعن أن يشاركن تجاربهن ومخاوفهن مع مقدمات/مقدمي الرعاية الطبية، وذلك يعود للوصمة المجتمعية والصمت المخيم على الصحة الإنجابية والجنسية، حيث لن تناقش 78.57% من النساء الموضوعات الحساسة مع أطباء وطبيبات الأمراض النسائية، بسبب الخوف المخيم عليهن من أي شيء يتعلق بأجسادهن.

-لا يعود هذا الخوف للوصم الاجتماعي والخوف من ما يترتب عن كسر القواعد الأبوية حول ما يجب معرفته عن أجساد النساء فقط، بل أيضًا لإنعدام المهنية وخرق السرية التي يعانين منها مع القطاع الصحي، حيث أفادت 65.31% من النساء عن إنتهاك السرية والخصوصية في مرحلة ما من زيارتهن الطبية، بينما شعرت 31.63% بأن طبيبتهن أو طبيبهن إلتزموا السرية فيما يخص مراجعتهن، ويعزى ذلك إلى أن التجارب الإيجابية فيما يتعلق بالحفاظ على سرية المعلومات الشخصية والصحية للنساء كان دائما يحصل في العيادات الخاصة.

-كما توصلت الورقة إلى وجود فجوة معلومات بين النساء ومقدمات/مقدمي الرعاية الصحية المتخصصة بالأمراض النسائية، حيث لم يتم إطلاع 84.69% من النساء بشكل وافٍ عن الإجراءات الطبية والتشخيصات وخطط العلاج. هذا النقص في الشفافية والتواصل الواضح يؤدي إلى عدم فهم النساء لوضعهن الطبي، وتآكل الثقة بمقدمي ومقدمات الرعاية الطبية.

-كما توصلت الورقة من خلال مجموعات النقاش إلى أن هناك خوف كبير من النساء حول الطريقة التي توصف بها الأدوية، خاصة وسائل منع الحمل والأدوية الخاصة باضطرابات الدورة الشهرية، وعدم توضيح المتخصصين/ات للآثار الجانبية لهذه الأدوية وفوائدها ومخاطرها. كما لا تعطي أي أهمية للاختلافات والتنوعات الجسدية للنساء وبالتالي عدم إعطاء الوقت الكافي لفهم أنسب خطط العلاج.

-وقد أظهرت الورقة أن الإجهاض غير الآمن قد ساهم في معدلات وفيات الأمهات، حيث ساهم في وفيات 21% من وفيات الأمهات في الأردن، ويقيد التجريم القانوني للإجهاض حقوق النساء في الحصول على الخدمات الصحية اللازمة في حالات الحمل، مما يعرضهن لخطر الموت، ويسلب حقهن في السيادة على أجسادهن.

-من ناحية أخرى توصلت الورقة إلى انتشار التحيزات الجندرية والتحرش في المنظومة الصحية، حيث شاركت النساء في مجموعة النقاش تجاربهن عن التحرش الذي قاموا به أطباء أمراض نسائية، فقد تعرضت 40% من النساء اللواتي زرن أطباء النساء إلى نوع من أنواع التحرش حسب دراسة أجراها إتحاد المرأة الأردنية، وتعرضت 25% من طبيبات الأمراض النسائية إلى التحرش من زملائهن الرجال، حسب إحصائية للنقابة الطبية في الأردن.

-وفيما يخص التحديات الاقتصادية، فقد توصلت الورقة إلى أن 98.88% من النساء قد تأثرت فرصهن بزيارة طبيبة أو طبيب نساء بسبب التكلفة الاقتصادية، حيث تتحمل النساء عبئًا اقتصادياً ثقيلاً يؤدي إلى حرمانهن من حق العلاج والرعاية الصحية خصوصاً المتعلقة بصحتهن الإنجابية والجنسية. هذا التحدي الاقتصادي يعود إلى عدة عوامل منها هزالة الأجور التي تتلقاها النساء مقارنة بالرجال، وضعف فرص العمل المفتوحة أمامهن، مما يساهم في تفقير ممنهج للنساء وحرمانهن من أبسط الحقوق الأساسية مثل الصحة.

-كما سلطت الورقة الضوء على التحديات التي تواجهها اللاجئات في الأردن عندما يتعلق الأمر بالرعاية الصحية، حيث يعشن في هشاشة اقتصادية وسياسية واجتماعية تحول دون حصولهن على حق التطبيب، وقد عبرت 49.3% من اللاجئات اللواتي أجريت معهن المقابلات عن ترددهن في زيارة الأخصائيين الرجال لتجنب الازدراء والتواصل غير المهني وحتى الإيذاء الجسدي.

هذا بالإضافة إلى التحديات التي تواجهها النساء في المخيمات حيث تنعدم الخيارات المتاحة أمام الحصول على رعاية صحية، خصوصاً في القرى أين تنعدم المرافق الصحية وتوضع قيود إعجازية أمام السفر للمدينة لتلقي العلاج أو للكشف.

كما أن الوضع الاقتصادي الصعب في المخيمات وانعدام الموارد وغياب أي دعم من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين/ات مخصص للعلاج، يترك العديدات أمام معاناة لا تنتهي.

– وأظهرت الورقة أن هناك تحديات جمة تواجه النساء ذوات الإعاقة فيما يخص الرعاية الصحية المتخصصة بالأمراض النسائية، على رأسها أن مقدمي/مقدمات الرعاية ليس لديهن/م التأطير اللازم للتواصل مع ذوات الإعاقة السمعية أو النطقية، كما أن المنظومة بأكملها غير قابلة للوصول من طرف العديد من النساء ذوات إعاقات مختلفة. كما أن السيطرة التي ترافق النساء ذوات الإعاقة بدوافع عدة تجعل الأسرة حاضرة حتى في أثناء الكشف، مما يحد من قدرتهن على البوح ومناقشة المواضيع الحساسية.

من ناحية أخرى أظهرت الورقة أن النساء ذوات الإعاقة يعانين من انتهاكات كبيرة تسلب منهن حق السيادة على أجسادهن وتشارك فيها المنظومة الطبية، حيث يتم إجراء بين 64 و 70 عملية إزالة رحم سنويًا لأسباب غير علاجية للنساء ذوات الإعاقة وغالباً ما تجرى هذه العمليات دون موافقتهن ونظراً لهشاشة موقعهن ومصادرة حقهن في القرار.

كما تساهم المنظومة الصحية إلى جانب البنية الأبوية المتحيزة ضد القدرات غير النمطية، في سلب حق التطبيب من النساء ذوات الإعاقة، إذ بينت الورقة أن 42% فقط منهن تجرى لهن مسحة عنق الرحم، مما يخلق فجوة في الفحص الدوري عن السرطان ومصادرة حق المعرفة الصحية عن أجسادهن.

-توصلت الورقة أيضًا إلى أن هناك انتشار للوصم الذكوري تجاه النساء غير المتزوجات في المنظومة الطبية، والامتناع عن إجراء فحوصات طبية مهمة مثل مسحة عنق الرحم والفحوص الخاصة بالجهاز التناسلي، وأظهرت أيضًا انتشار عنف التوليد داخل غرف العمليات والتوليد.

توصيات

أوصى فريق البحث من خلال هذه الورقة البيضاء، بتمكين النساء والشابات من المعرفة الطبية اللازمة عن أجسادهن، وتسليط الضوء على المعايير الثقافية المتحيزة جندريًا وتعزيز التواصل الشفاف بين مقدمي/مقدمات الرعاية والمريضات.

كما أوصت الورقة بعمل مسح لمقدمي ومقدمات الرعاية الذين/اللواتي يحافظن على خصوصية وأمن النساء.

وكذا تقديم بروتوكولات واضحة لمقدمي ومقدمات الرعاية من أجل ضمان تقديم خدمات صحية متكاملة لجميع الفئات وتحديداً النساء ذوات الإعاقة واللاجئات والنساء غير المتزوجات.

كما أوصت الورقة بتعزيز قدرات المنظومة الصحية من حيث الموارد وتخليها من الثقافة الأبوية التي تنشر التحكم والتحيز ضد النساء، وضمان عدم وجود أية مخاطر على الصحة النفسية والجسدية للنساء والشابات أثناء المراجعة.

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد