في العراق.. الغضب النسوي ينجح في تأجيل تعديل قانون الأحوال الشخصية
أجّل البرلمان العراقي نقاش التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959. تعديلاتٌ تعد انتهاكًا خطيرًا لحقوق النساء والطفلات/الأطفال وتكريس للهيمنة الأبوية على مصير الأفراد وحرياتهن/م المدنية، وذلك من خلال وضع تنظيم الزواج والطلاق والميراث بيد المؤسسات الدينية وتشريع زواج القاصرات.
أتى ذلك بعد موجة غضب نسوية عمت وسائل التواصل الإجتماعي، وهددت بالتصعيد السياسي إذا ما تمت مناقشة هذه التعديلات.
مأسسة اضطهاد النساء
تعد التعديلات المقترحة خطوة نحو الوراء لرهن مصير النساء بيد المؤسسات الدينية، والإعلاء من قيم منظومة الزواج التي تتعامل مع النساء كملكيات خاصة.
في السياق، نشرت العديد من المؤسسات النسوية مثل “حرية المرأة في العراق”، تفاصيل التعديلات المقترحة. وتشمل “فرض إشراف المؤسسة الدينية على جميع الزيجات في العراق”، ما يحد من حرية الأفراد في اختيار نوع عقد الزواج الذي يتوافق مع تطلعاتهن/م الشخصية.
وينص التعديل على أنه “يجوز إبرام عقد الزواج لأتباع المذهبين (الشيعي والسني) كل وفق مذهبه، من قِبَل من يجيز فقهاء ذلك المذهب إبرامه للعقد”.
كما ينص على تكريس تعدد الزوجات وتهميش موافقة الزوجة، وذلك من خلال “المادة العاشرة من القانون النافذ، المختصة بمسألة السماح بزواج الأشخاص خارج المحاكم المدنية من دون أن تطول المتزوج أي عقوبة قانونية كان القانون النافذ يفرضها وغالباً ما تكون مالية”.
هذا التعديل “سيفضي إلى مشاكل لا حصر لها، خصوصًا بالنسبة إلى الذين يرغبون في الزواج مرة ثانية وثالثة من دون أن يضطروا إلى تقديم أي سند يثبت أهليتهم لذلك، في حين يفرض القانون النافذ موافقة الزوجة الأولى”.
كما يعطي التعديل الصلاحية التامة للزوج في التحكم في زوجته وحتى الامتناع عن إعطاء النفقة لها إذا لم تنصاع لرغباته.
هذه الخطوة تعتبر انقضاضًا أبويًّا ظالمًا على حقوق الأفراد وتكريس هيمنة المؤسسة الدينية التي تطلق العنان للقيم الأبوية التي تستهدف الفئات المستضعفة في المجتمع.
تشريع زواج القاصرات بالعراق
يشمل التعديل مواد خطيرة تنتهك الطفولة وتشرعن استغلال الطفلات، حيث يسمح التعديل بتزويج الفتيات دون السن القانوني.
وتعد هذه المرة الثانية التي يتم فيها إجراء تعديلات لأجل شرعنة زواج القاصرات، إذ قدم في سنة 2014 مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري الذي تقدم به وزير العدل آنذاك حسن الشمري والذي يجيز تزويج الطفلة تحت سن تسعة أعوام.
هذه التعديلات التي يقاتل رجال الدين بشكلٍ كبيرٍ لإقرارها تظهر حجم التربصات الأبوية بمصير الطفلات والفتيات، وانتشار ثقافة العنف والاعتداء والتزويج القسري للقاصرات.
منع النساء من الميراث
ينص التعديل الجديد لقانون الأحوال الشخصية على حرمان النساء من الميراث بشكل كامل حيث يحجب حصة البنت في الإرث وحرمانها من حقها في إرث العقارات.
هذا التعديل يهدف بشكلٍ واضح إلى تكريس كل الممارسات والقوانين الأبوية الوحشية التي تحرم النساء من جميع حقوقهن، ويضع مصيرهن رهن الاحتجاز الأبوي. كما يزيد من تكريس الهرميات الموجودة بالفعل، ما سيؤدي إلى رتفاع نسب العنف والقهر والاضطهاد.
تكريس الانقسام الطائفي
من ناحية أخرى، اعترضت القوى النسوية والمدنية على هذا التعديل كونه سيؤدي إلى قوننة الدولة الطائفية. ما يؤدي إلى التعامل مع المواطنين/ات وفق انتمائهن/م الديني والطائفي، وليس وفق المواثيق والدستور المدني الذي لا يقسم الأشخاص أو حقوقهن/م على أساس الدين أو العرق أو الجندر.
وتنص التعديلات على إدخال الوقفين السني والشيعي في قضايا الزواج والخلع والتفريق. وهو ما اعتبره الرافضون للقانون “ترسيخًا للطائفية في إدارة الدولة والقضاء، وابتعاداً عن الدستور الذي نص على مدنية الدولة العراقية”.
ولم يتطرق هذا التعديل إلى الديانات والمذاهب الأخرى بالعراق وكيف سيتم التعامل مع متبعيها.
في هذا الإطار، أوضح “المرصد العراقي لحقوق الإنسان” أن “التعديل يستند إلى التشريع الإسلامي بمذهبيه الشيعي الجعفري والسني بشكلٍ عام دون تحديد أحد مذاهبه الأربعة. ما يثير مخاوف جدية بشأن تقييد الحريات الأساسية للمواطنين/ات العراقيين/ات”.
واعتبر أن “التعديل قد يؤدي إلى انتهاك الحقوق الدستورية والقانونية للطوائف المتعددة التي تتبع الدين الإسلامي في العراق”.
وأكد أن المادة 41 من الدستور العراقي تنص: أن “العراقيون/يات أحرار في الالتزام بأحوالهن/م الشخصية حسب دياناتهن/م، أو مذاهبهن/م، أو معتقداتهن/م، أو اختياراتهن/م”.
وفي حين نجحت القوى النسوية في وقف نقاش هذا القانون، ما زالت المؤسسات الدينية الأبوية تتربص بحقوق النساء وتهدف لانتهاك الطفولة. ناهيك عن استخدام الهيمنة الدينية في تكريس الطائفية والعنف والقيم والسياسات الأبوية.