المصرية يمنى عياد تُستبعد من الأولمبياد بسبب مقاييس تحيّزية

أعلنت اللجنة المنظمة لأولمبياد باريس، في 27 تموز/يوليو الجاري، عن استبعاد اللاعبة المصرية يُمنى عياد من منافسات الملاكمة النسائية التي كان من المفترض أن تلعب في نفس اليوم.

عُلل القرار بزيادة طفيفة في وزن اللاعبة. ثم أرفق ببيانٍ أخير يقول أن الاستبعاد جاء بسبب مرور يُمنى بفترة الحيض.

وتعتبر يُمنى عياد أول ملاكمة مصرية تتأهل إلى دورة الألعاب الأولمبية، وذلك بعد وصولها إلى نهائي بطولة إفريقيا في السنغال، عقب الفوز على بطلة الجزائر.

مقاييس غير إنسانية وتهميش أبوي

أتى استبعاد يُمنى عياد بسبب عدم تجاوزها الفحص والميزان قبل نزال الملاكمة أمام لاعبة أوزبكستان نيجينا أوكتاموفا، بعد زيادة طفيفة بلغت 700 غرام عن الوزن المحدد.

نتيجة لذلك قامت اللجنة الأولمبية باتخاذ قرار باستبعاد يُمنى، وفتح تحقيق خاص معها بسبب هذه الزيادة.

هذه المقاييس تكشف عن الخروقات والعقبات الكبيرة التي تضعها اللجان والمؤسسات الرياضية على الرياضيات/ين. معايير يتم أساسها تهميش مساهمة التغيرات الفيزيولوجية والنفسية واحتباس السوائل في الجسم في زيادة مؤقتة للوزن.

كما أنها تضع الرياضيات/ين تحت مقياس لا إنساني يتعامل مع الجسد مثل الآلة ولا يراعي كل هذه التغيرات والعوامل وتأثيرها في الجسم.

كما أن هذه المقاييس تضرب عميقًا في سياسات وتمثلات النظام الأبوي الذي وضع شروطًا ومقاييس لا إنسانية للجسد، ساهمت في مظالم تاريخية عانت منها النساء بشكلٍ أساسي.

فها نحن بعد عقود من انتزاع النساء أخيرًا حق المشاركة في المنافسات الرياضية، نشهد استخدام أساليب وخطاب نفس النظام الذي اضطهدهن وحرمهن من المشاركة.

فالمعايير الذكورية لم تهمّش يمنى فقط، بل عرّتضها أيضًا لهجوم كبير بعد الإعلان عن استبعادها بسبب الوزن. فتمّ تعييرها من خلال وصمة السمنة التي تنزع الإنسانية عن البشر، وتتعامل مع النساء بشكلٍ خاص وكأنهن مجرد جسد يجب أن يلائم المعايير المطلوبة أو يتعرض للهجوم والنبذ.

وبدل الاعتراف بعدم عدالة مقاييس الوزن في هذه المنافسات الرياضية، اتخدت اللجنة الأولمبية المصرية الطريق السهل لتبرير إقصاء النساء من خلال ارجاع الموضوع لمرور اللاعبة بفترة الحيض، وتهميش آثار ذلك على فرص النساء في تحقيق أهدافهن الرياضية.

وصمة الحيض واقصاء النساء

لا يمكن أن يقرأ بيان اللجنة الأولمبية حول قرار استبعاد يمنى عياد، سوى بتفكيكه على ضوء التحليل النسوي. حيث يقدم البيان معضلات سياسية وتاريخية لا زالت تعرقل مقدرة النساء على الحصول على فرص عادلة.

أكد البيان أن اللجان والمؤسسات الرياضية لا زالت ترفض الاعتراف بوجود النساء وقضاياهن. يظهر ذلك من خلال تفضيل اقصائهن عن البطولات والمنافسات بدل اعطاء فرصة جادة لفهم أن الحيض جزء من حياة النساء/الأشخاص اللواتي/ الذين يحضن/يحيضون، ولا يمكن التعامل مع هذا الواقع بالاستبعاد والإنكار.

كما أظهر البيان تجذر وصمة الحيض في هذه المؤسسات وانصياعها لسياسات النظام الأبوي دون مراعاة لنفسية اللاعبات واحتياجاتهن، وحرمانهن من فرص اللعب والمنافسة لا لشيء سوى لأنهن نساء.

وتعد وصمة الحيض مساهمًا أساسيًا في الاضطهاد والحرمان الأبوي للنساء من الحياة. ما يجعل السيرورة فيزيولوجية ذريعةً أبوية إضافية لعزلهن عن الحياة التي يطمحن لها.

أطلق البيان كذلك هجومًا جديدًا اتجه نحو مساءلة قدرة النساء على التنافس ما دام أنهن يحضن. خطابٌ يحاول تطبيع إقصاء النساء عن جميع الفرص، لكنه لا يمانع من أن يقمن بالعمل المنزلي والرعاية المجندرة، كما لا يمنحهن الإجازة المهنية أثناء فترة الحيض.

لا آنسات ولا سيدات فقط نساء

من ناحيةٍ أخرى، لم يفشل البيان في كشف حقيقة أن النظام الأبوي هو من يحرّك المؤسسات الرسمية لا الكفاءة.

فالخطاب نزع صفة المهنية عن يمنى عياد وتعامل معها وفق التصور الأبوي المعتاد الذي لا يرى النساء إلا ضمن التمثلات الأبوية والأدوار الجندرية.

يمكن ملاحظة هذا التحيز الأبوي من خلال مخاطبة بيان اللجنة الأولمبية المصرية للاعبات والمحترفات بأنهن “سيدات وآنسات” دون ذكر صفتهن المهنية التي تعد الركيزة الأساسية في الموضوع.

لم تستطع المؤسسات الرسمية رغم كل الجهود المبذولة من النساء لإثبات أنفسهن أن تتعامل معهن خارج السردية الأبوية.

فالنساء في هذا الخطاب الأبوي هن دائمًا ملكية لرجل ما. إما آنسات ما زلن تحت وصاية رجال العائلة (أب، أخ، عم، خال..) أو سيدات أصبحت تحت وصاية الزوج.

رغم ذلك يستمر النضال النسوي الذي يهدف لإلغاء طابع الملكية عن النساء، وكسر حلقة التبعية التي تصنّفهن وفق علاقتهن بالرجال وحالتهن الاجتماعية، وليس وفق استحقاقهن وكفاءتهن.

في الختام، يمكن أن يكون قرار استبعاد يُمنى عياد توافقي بينها وبين اللجنة، ويمكن أن يكون العكس. وتعيد هذه اللجنة نفس المظالم التاريخية التي كانت تمنع النساء من المشاركة في الألعاب الأولمبية فقط لأنهن نساء.

الثابت أن مصر خسرت تمثيل رياضية صاعدة حققت نجاحات مبهرة. والسبب هو عدم كفاءة اللجان والاتحادات الرياضية، وارتهانها لمقاييس لا إنسانية تنظر للوزن والتغيرات الفيزيولوجية أكثر من الموهبة والكفاءة.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد