النضال النسوي يحقق انتصارًا.. تشريعات جديدة للعنف الجنسي بالجزائر
في تشرين الأول/أكتوبر 2020، اكتُشفت جثة شابة تسمى شيماء سعدو (19 عامًا)، متفحمة في محطة وقود مهجورة على مدخل مدينة الثنية بومرداس في الجزائر.
تعرضت شيماء لجريمة اغتصاب وقتل بشكلٍ وحشي من قبل متهم سابق محكوم عليه بالسجن بسبب محاولة اغتصابها في عام 2016. المؤلم أنها قد تقدمت بشكوى ضد الجاني، لكنه انتقم منها بعد خروجه من السجن وأنهى حياتها قبل أن يحرق جثتها.
بعد 4 سنوات، أدخلت الجزائر تعديلات هامة على قانون العقوبات، تشمل تشديد العقوبات على جرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسي.
تعديل النصوص المتعلقة بهذه الجرائم، حسب المحامي عبد الغني بادي، يرجع إلى “إعادة النظر في النصوص التي تبين أنها لم تحقق غرضها ولم تعد صالحة. كما يرجع أيضًا إلى الوسائل والوسائط التكنولوجية الحديثة التي صارت أدوات مستحدثة للقيام بهكذا أفعال، ما سهّل تفشيها وانتشارها”.
يتضمن القانون الجديد أيضًا تدابير “الإبعاد”. حيث يمكن للقاضي منع المتهم من الاتصال بالضحية أو الاقتراب من مكان تواجدها. وتنص المادة 5 من القانون: “يمكن للجهة القضائية تلقائيًا، أو بطلب من الضحية في حالة الإدانة في جرائم التحرش أو الاعتداء أو الاستغلال الجنسي أو سوء المعاملة و العنف، منع المحكوم عليه من الاتصال بالضحية أو الاقتراب من مكان تواجدها للمسافة التي يحددها القاضي أو التواصل معها بأي طريقة”.
ما يطرح مجموعة من الأسئلة: ماذا لو كانت هذه التعديلات قبل 2020؟ ماذا لو استفادت شيماء من التعديلات وهي اليوم حية ترزق بين أهلها؟ لماذا ننتظر حتى تزهق الأرواح لكي نضع قوانين تحمي الضحايا؟
View this post on Instagram
تعديلات إيجابية ولكن..
تشمل النصوص التشريعية الأخيرة حالات الاعتداء والاستغلال الجنسي، وسوء المعاملة والعنف. وتم تشديد عقوبات الاغتصاب والاعتداءات الجنسية. هذا بالإضافة إلى إلغاء بند إسقاط المتابعات القضائية ضد المعتدي في حالة زواجه من الضحية المختطفة القاصرة. كما تم رفع سن بلوغ ضحايا الاعتداءات الجنسية من 16 إلى 18 سنة مع تشديد العقوبات.
ألغت التعديلات الجديدة البند التالي: “وإذا تزوجت القاصرة المخطوفة أو المبعدة من خاطفها، فلا تتخذ إجراءات المتابعة الجزائية ضد الأخير إلا بناء على شكوى الأشخاص الذين لهم صفة في طلب إبطال الزواج. ولا يجوز الحكم عليه إلا بعد القضاء بإبطاله”. كذلك تم إدراج تدابير الإبعاد وحماية الشهود، وتجريم ممارسة الضغط على الضحايا من أجل العفو.
التعديلات التي صدرت في الجريدة الرسمية بتاريخ 30 نيسان/أبريل الماضي تُعد خطوة مهمة وكبيرة جدًا قامت بها الجزائر في عام 2024، وفقًا لما صرحت به الناشطة النسوية الجزائرية أمال حجاج لـ “شريكة ولكن”.
ومع ذلك، هناك نقاط يجب تحسينها، مثل الإصرار على مبدأ “الصفح على الجاني” الذي يسقط المتابعات القضائية. وعلى الرغم من أن التعديلات الأخيرة جرمت أي ضغط قد يمارس على الضحية، إلا أن هناك حاجة ماسة إلى إلغاء هذا البند تمامًا، بناءً على ما أضافته حجاج.
كمناضلة، ترى أمال أن التقدم يحدث بخطوات. ولكن الأمر الطارئ هو إشراك الجمعيات النسوية والمجتمع المدني في صياغة القوانين والمشاركة في جميع النقاشات المتعلقة بالتشريعات.
تشاطر مينة شبالة، ناشطة نسوية، الرأي مع أمال حيث ترى أن “التعديلات الأخيرة خطوة هامة، لأن السياسات العامة هي التي تؤدي إلى توعية المجتمع. ومع ذلك، ما تزال هناك تحديات مستمرة تعوق حماية النساء بفعالية، مثل تقليل مدة معالجة الشكوى، إصدار أمر الابتعاد عن الضحية، توفير مراكز إيواء مناسبة، والاعتراف بجرائم القتل بسبب الجنس”.
الاغتصاب في القانون الجزائري….جريمة دون تعريف
شدد المشرع الجزائري عقوبة الاغتصاب في التعديلات الأخيرة بإضافة 5 سنوات على العقوبة الأصلية. “كل من ارتكب جناية الاغتصاب، يعاقب بالسجن المؤقت من 10 إلى 15 سنة”. وعلقت منظمة “الجريدة النسوية” حول القرار قائلة: “رغم هذا التغيير الإيجابي، يظل للأسف الاغتصاب غير معرف في القانون الجزائري”.
تعرّف منظمة الصحة العالمية الاغتصاب بأنه: ” الاختراق الجنسي بالقوة أو بشكل آخر من أشكال الإكراه، وإن كان طفيفًا، للمھبل أو الشرج باستعمال العضو الذكري للجاني أو جزء آخر من الجسم أو أي أداة أخرى”.
أما القانون الجزائري تأرجحت التعدیلات فيه بین استعمال عبارتي “ھتك العرض” و “اغتصاب القاصرة” دون تعريف واضح للاغتصاب. حيث ذكر المشرع الجزائري عقوبة مرتكب جريمة الاغتصاب، دون أن یعرفھا أو یحدد أركانھا.
حتمًا سيساعد تشديد عقوبة الاغتصاب في عملية الردع. لكن لا يمكن اعتباره حماية كافية، إلا بالتعريف الدقيق لجريمة الاغتصاب من الناحية القانونية. إذ يجب أن يتطرق نص المادة إلى عدم رضا الناجية/ الضحية، ما يقودنا للحديث عن الاغتصاب الزوجي الذي لا يعترف به القانون الجزائري.
View this post on Instagram
وتعتبر المحاكم الجزائرية كل فعل جنسي يتضمن استخدام العنف البدني ضد أنثى سواء أكان بدنيًّا أو معنويًّا بوصفه يشكِّل جريمة اغتصاب. وهذا التعريف القانوني لا يستثني الحالة التي تُفرض فيها العلاقات الجنسية من جانب رجل على زوجته، حسب تقرير للجزائر للجنة المعنية بحقوق الانسان سنة 2007.
“جريمة الاغتصاب منتشرة بكثرة بين الأزواج. للأسف، قليلات يملكن الجرأة للتحدث في هذا الموضوع، ورفع شكوى ضد أزواجهن. يعاقب القانون الجزائري بشدة أي شخص يرتكب جريمة الاغتصاب، حسب مواد قانون العقوبات. لكن ما زالت أغلبية النساء لا يفصحن عمّا يتعرضن إليه جرّاء الاغتصاب، سواء من الزوج أو أي فرد من العائلة. بالنسبة للمتزوجات، يفضلن دعوى طلاق (خلع)، و الهروب بأقل ضرر”، تقول المحامية حليمة بن عبد الرحمن.
لا تفصح النساء غالبًا عن جرائم الاغتصاب الزوجي، بسبب صعوبة إثباته، والخوف من الوصم الاجتماعي والاتهام بأنها تسببت في فضيحة ستلاحق أطفالها/طفلاتها للأبد.
ونادت منظمة “العفو الدولية” الجزائر من أجل تعديل المادة. وذلك لتعكس المعايير الدولية بتقديم تعريف شامل للاغتصاب، يشمل جميع الضحايا والناجيات/ين، دون تمييز على أساس الجنس ويغطي مختلف أشكال الإكراه.
ترى فريال خليل، محامية وعضوة شبكة “وسيلة”، جمعية للدفاع عن حقوق النساء والأطفال/الطفلات في الجزائر، أنه يجب “على المشرّع التركيز على نقطة عدم الرضا في تعريفه للاغتصاب. كما أنه هناك أفعال غير مصاغة من طرف القانون، كالاغتصاب الشرجي. لذلك وجب صياغة فعل الاغتصاب بطريقة دقيقة من أجل حماية كل الضحايا”.
يؤدي عدم تعريف الاغتصاب بطريقة دقيقة إلى صعوبة في تطبيق القانون، وبالتالي إفلات الجناة من العقوبة. رغم ذلك، يعتبر هذا التعديل مكسب حسب فريال خليل. “حقوق النساء تتطور بطريقة بطيئة في بلادنا، لكننا نرحب بالتعديلات التي تجعلنا نمشي خطوة للأمام. يجب إرفاق التعديلات بالتطبيق الفعلي لإجراءات الابعاد”.
إلغاء المادة 326 ….حماية للقاصرات وتعزيز لحقوق الضحايا
ضمن التعديلات الأخيرة على قانون العقوبات إلغاء المادة 326. وكانت المادة تسمح للجاني بالإفلات من العقاب في حالة زواجه من الضحية المختطفة القاصر. وتعتبر المادة خطيرة جدًا، لأنها تسمح بالزواج بقاصرات بطريقة قانونية.
وترى المحامية فريال خليل أنه من الأسباب التي أدت إلى التخلص من هذا النص القانوني هو نضال الجمعيات النسوية والحقوقيات. حيث ينتقدن نص المادة على أساس أنه مخالف لأهداف قانون العقوبات. ويهدف الأخير أساسًا معاقبة الجاني من جهة، وحماية حقوق الطرف المدني أو الضحية، من جهة أخرى.
هذا الإلغاء يجعل حق القاصرات ثابتًا، مهما كانت حيثيات القضية. الإلغاء هو رد الاعتبار للضحية التي لا يمكن أن تكون في كفة ميزان الجاني مع تمكينه من الإفلات من العقوبة. هذه المادة تحطم الضحية نفسيًا، والإلغاء يجعلها تتعافى من الناحية السيكولوجية. كما أن إبعادها عن الجاني ضرورة حتمية انتبه إليها المشرع أخيرًا.
ومن بين التعديلات، حماية الشهود وتجريم ممارسة الضغط على الضحايا من أجل العفو. كما أدرجت إجراءات العلاج النفسي للمعتدين، لكنها أغفلت العلاج النفسي للضحايا.
الصفح.. النقطة المظلمة وأمل الإلغاء
تواصل الجمعيات النسوية في الجزائر انتقاد بند الصفح عن الجاني، والذي يوقف المتابعة الجزائية. إذ لم تتضمنه التعديلات الأخيرة.
تبذل عدة جهود لإلغاء هذا البند، مثل العمل الذي تقوم به مؤسسة “سيداف” من أجل المساواة تحت إشراف المحامية نادية آيت زاي. حيث وجهت عدة رسائل ومناشدات لإلغاء هذه المادة. بالإضافة إلى ذلك، أصدرت مجموعة “نساء جزائريات من أجل التغيير نحو المساواة” رسالة مفتوحة في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020. ووقّعت عليها أكثر من 22 جمعية ومنظمة نسوية من مختلف أنحاء الوطن، مطالبة بإلغاء هذه الفقرة.
بعد مرور 10 سنوات من دخوله حيز التنفيذ، يظل بند الصفح مصدرًا للضغوطات على الضحية من جميع الجوانب. يشمل ذلك التهديدات بالعنف الزوجي والضغوط في مراكز الشرطة أو الدرك. يعرض رجال الأمن بنود الصفح مباشرة على الضحية لحل المشكلة، دون أخذ في الاعتبار خطورة الوضع. هذا ما يحرض المعتدين على تكرار جرائمهم بحق النساء ويزيد من خطورتها.
تطالب الحقوقية فريال خليل بإلغاء هذا البند من النص القانوني، وإعادة الاعتبار للضحية. وتشدد على أنه في حالة الصفح عن الزوج، يجب عدم سقوط المتابعة القانونية، بل يجب أن يتم الاعتراف أنها ضحية تستحق التعويض”. فمثلًا في قضايا الاغتصاب الزوجي، القانون لا يجرمه بطريقة صريحة. لكن يعاقبه بنفس مواد الاغتصاب، إن تم إثباته بتقارير طبية. تستطيع الزوجات مقاضاة أزواجهن. لكن الإشكالية تكمن في أن النساء لا يجرأن على رفع قضية أو استكمال الإجراءات، خوفًا من عنفٍ مضاعفٍ ذو وصمٍ اجتماعيٍ.
في النهاية، تجسد التعديلات الجديدة على قانون العقوبات في الجزائر لعام 2024 خطوة هامة نحو تعزيز حماية النساء والفتيات من العنف والاعتداءات الجنسية. وتعتبر انتصارًا للنضال الطويل الذي تخوضه الجمعيات النسوية والحقوقية في البلاد.
ومع ذلك، ما تزال هناك تحديات كبيرة تتطلب عملًا دؤوبًا، منها ضرورة تعريف الاغتصاب بدقة في القانون الجزائري، وضمان تطبيق الإجراءات الجديدة بفعالية. كما يجب إشراك المجتمع المدني والجمعيات النسوية في صياغة القوانين. حيث لم يتم دعوتها للمشاركة في صياغة التعديلات الأخيرة للقانون. وترى الجمعيات والناشطات النسويات أن تحقيق أي تقدم في حقوق النساء في البلاد، لا يتم إلا بالتنسيق والتشاور مع جميع الأطراف المعنية.
كما تظل الحاجة ماسة إلى توفير دعم شامل للضحايا، بما في ذلك الدعم النفسي، وضمان تنفيذ أوامر الإبعاد، وتحقيق العدالة الفعلية لهم.
القضية التي أثارتها مأساة شيماء سعدو وغيرها من النساء ضحايا القتل والعنف، تبقى ذكرى مؤلمة تذكرنا بأن العمل لم ينتهِ بعد، بل وجب أن يستمر لتحقيق العدالة بكافة مستوياتها.
كتابة: ماجدة زوين