“المادة 57”.. شبح التعديل يبث الرعب بين الأمهات في العراق

تعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية في العراق، هو أحد التعديلات المقترحة من بعض الأحزاب السياسية الشيعية في البرلمان العراقي المتعلق بالفقرة المرتبطة بالحضانة، ضمن القانون النافذ عدد 188 لعام 1959.

تسببت التعديلات في موجة غضبٍ نسائيةٍ ونسوية اجتاحت الشوارع وصفحات التواصل الاجتماعي مؤخرًا، لما تحويه من انتهاكٍ لحقوق النساء والفتيات. في حين قوبلت احتجاجات النساء بالشيطنة والعنف والهجوم الجسدي والاعتداء من رجال دين ورجال أمن.

يعتبر نزع حضانة الأطفال/الطفلات من الأم المطلقة، وعدم أحقيتها في النفقة، من أبرز ما تم طرحه ضمن التعديلات. هذا بالإضافة إلى تزويج القاصرات، والسماح بإبرام العقود الشرعية لهذا “الزواج” خارج المحكمة، وحرمان النساء من الإرث. وكانت أكثر المواد جدلًا هي تلك المختصة بسلب الحضانة من الأم الطليقة بعد عمر السابعة.

تأثير تعديل المادة 57 على الأمهات 

تسبب الرقم 57 في رعبٍ للأمهات العراقيات. حيث اعتاد بعض أعضاء البرلمان إعادة المقترح على طاولة الجلسات البرلمانية بين الحين والآخر. إلا أنه خلال الأسابيع الماضية تمت القراءة الأولى عمليًّا ورفعه ضمن جدول البرلمان، ما خلق سجالًا واسعًا بين الرفض والقبول.

مها، (35 عامًا) من بغداد، تعمل في صنع الحلويات والكبب العراقية. تغلّفها في أوانٍ بلاستيكية وتبيعها للمحال التجارية في سوق المنظمة بمنطقة العامرية من جانب الكرخ. تقول وهي تغلف طبق البسبوسة: “استلمت رسالة من طليقي على جهازي النقال. وحين قرأتها، شعرتُ أن قلبي تحرك من مكانه ليكون في الأرض”.

تفتح مها الموبايل الذي بالكاد يعمل، فشاشته الأمامية مكسورة وقد انطفأ لمراتٍ عدة. ربطته على جهاز الشحن لتقرأ محتوى الرسالة باللهجة العراقية البغدادية. “عيني تره أطفالي راح يرجعون إليه، وبالقانون”. 

تكمل حديثها بعد أن تنتهي من ترتيب أطباق البسبوسة، وتبدأ بخلط عجينة الكعكة. “لا أريد شيئًا من هذه الدنيا سوى تربية أطفالي، وأن أستطيع تعليم ابنتي البالغة من العمر 14 عامًا. أسعى لها لمستقبلٍ أفضل من مستقبلي. أنا تزوجت بعمر صغير لا أذكره. كان زواجي بعد أن آتاني الحيض للمرة الثانية في حياتي. وطلقني زوجي، لأنه تعرّف على أخرى وتزوجها”.

تتابع مها حديثها بعد أن تضع الكعك في الفرن وتتفرغ للحديث عن مأساتها. تسحب كرسيًّا وتجلس واضعةً راحة يدها على خدها الأيسر. “ثلاثة أطفال أنا مَن أعيلهن/م، وتنازلت عن حقوقي كاملة في المحكمة، والسبب أن طليقي ساومني. إن لم أتنازل، سوف يزوّج ابنتي إلى أحد أبناء عمومتها”.

يعتاد الرجال في العراق مساومة الأمهات وابتزازهن بالطفلات/الأطفال. فطليق مها ليس الرجل الوحيد الذي هددّ الأم بتزويج ابنتها القاصرة كيديًّا، بهدف سحب حضانة الابنة ونقلها إلى رجلٍ آخر ليغتصبها باسم الزواج. تساهم النزعة العشائرية في تغذية في هذا الاتجاه الانتقامي لدى الرجال. ففي أغلب المجتمعات العراقية، هناك قبول وتطبيع مع استحقاق الأب “تزويج” ابنته القاصرة، خصوصًا لو من أقاربه.

تضيف مها :”أهلي لا يرغبون في سماع أخباري. لا يهم عائلتي إلا ارتدائي الحجاب والالتزام بالحشمة. أما المحكمة، فقد تخلّت عن حمايتي وحماية أطفالي. في كل مرة يذهبن/ون لحضور المشاهدة [الرؤية]، يعودن/ون وعلى أجسادهن/م آثار تعذيبٍ أو تعرضن/وا إلى إهاناتٍ متكررة. لكن في القانون تثبت الدعوى فقط في حالة وجود عاهةٍ مستديمة”.

تختتم حديثها وهي تذرف الدموع وتقول :”والله وبالله وبكل المقدسات، الموت يزورني مع كل خبر اتلقاه من مواقع التواصل أو من أفواه النساء عن سلب الحضانة مني. مجرد الأخبار أضعفتني، كيف لو تحقق الامر؟ حتمًا سوف أموت”.

جمع توقيعات حملة التعديل بالحيلة والمساومة

أثارت التعديلات المطروحة في مجلس النواب سجالًا واسعًا وغضبًا عارمًا اجتاح البلاد. على إثره، نظّمت المنظمات المجتمعية حملاتٍ واسعةٍ ومظاهراتٍ تنسيقية في جميع المحافظات. هذا في الوقت الذي انقسم فيه البرلمانيون\ات بين رفض التعديل وقبوله.

وفي هذا الجانب، بتصريح خاص لـ”شريكة ولكن”، قالت النائبة فاطمة العيساوي إن “البرلمان في شأن تغيير قانون الأحوال الشخصية انقسم إلى شقين، مؤيدٍ ومعارض. وقد جمع الأعضاء الذين انضموا مع التعديل تواقيع فاقت أعدادنا. لذلك، قررتُ مع عدد من البرلمانيات جمع توقيعات لرفع دعوى ضد رئيسة “لجنة المرأة والأسرة والطفل” لإقالتها. فهي من ضمن المساهمين/ات لإقرار هذا القانون المجحف ضد النساء والأطفال/ الطفلات”.

كما كشفت النائبة نور نافع ما جرى في جلسة البرلمان لإدراج تعديل قانون الأحوال الشخصية للقراءة الأولى. “تم الاعتراض على الإدراج بسب عدم اكتمال النصاب، وتغيّب عددٌ من النواب/النائبات عن الجلسة”. وأشارت أن هناك أسباب أخرى استوجبت تقديم دعوة قضائية للمحكمة الاتحادية للطعن بشكلية الجلسة.

وأوضحت النائبة نور نافع المخالفات الواضحة في جلسة تعديل القانون، منها جمع التوقيعات التي قدمت للإدراج. حيث أن غالبية التوقيعات مكررة، بالإضافة إلى توقيعات لنوابٍ/نائباتٍ دون علمهم/ن.

وتابعت نافع مؤكدةً وجود ضغط من قبل الأحزاب السياسية الشيعية التي تهدف لإجراء التعديل على أعضاء البرلمان من الطائفة السنيّة ومساومتهم/ن. فيما ارتكزت المساومات على “قانون العفو العام” الذي ترغب الأحزاب السنية بتحقيقه. شملت المساومات، أو بالأحرى “الصفقة المحتملة”، منصب رئاسة مجلس النواب.

نقلت نور نافع حديث الأحزاب السياسية الشيعية تجاه الأحزاب السنيّة باللهجة العراقية العامية. “إذا ما تمشّون تعديل قانون الأحوال الشخصية، تحلمون برئاسة مجلس النواب”.

تعتبر الكتل السياسية السنية قانون العفو العام تحديًا كبيرًا من أجل إثبات جديتها وقوّتها أمام الشارع السني.

ويُعد قانون العفو العام أحد أبرز مطالب الكتلة السنية التي اشترطت إقراره أثناء مفاوضات تشكيل إدارة الدولة. “إذ ضمّت المفاوضات الإطار التنسيقي الشيعي، والكتل الكردية، والسنية”.

واختتمت نافع وأوضحت موقفها المناهض للتعديل، وقالت: “موقفنا واحد وثابت”.

رفض نسوي صارم يؤجل تعديل قانون الأحوال الشخصية

صراع تعديل قانون الأحوال الشخصية ليس جديدًا على الساحة العراقية. حيث تمتد جذوره إلى عام 2004، بحسب المدافعة عن حقوق النساء ونائبة رئيسة “رابطة المرأة العراقية” ونائبة رئيسة “شبكة النساء العراقيات” سهيلة الأعسم.

تقول: “بدأت مسيرة نضالنا قبل عشرين عامًا، واستمر هذا الكفاح إلى اليوم. أبدى ’حزب الفضيلة’ رغبته في تشريع القانون الجعفري. وهو قانون مجحف بالنسبة للنساء، ويعود بنا بأحكامه إلى زمن الجاهلية. تصدّينا له وتم تسميته من قبلنا بـ ’الكتاب الأسود’”.

استمرت هذه المعاناة حتى عام 2021، وهي مقترح تعديل قانون 57 لسلب الحضانة من الأم. فتمّت قراءته قراءه أولى في البرلمان، وبسبب الحملات والمظاهرات، تم إيقاف القراءة الثانية. حتى وصلنا إلى مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي يظلم النساء بشكلٍ خاصٍ. فهو يحرمهن من الإرث، ويسمح بتزويج القاصرات بعمر التسع سنوات.

بين الحضانة واغتصاب القاصرات باسم الزواج

أعاد مقترح تعديل مادة الأحوال الشخصية، الذي يتضمن تزويج القاصرات، الألم على القاصرات والنساء اللواتي عانين من تزويجهن تحت السن القانوني.

أثناء تنفيذ المشاهدة [حق الرؤية]، تم تزويج الطفلة إسراء، مواليد 2009، بعدما اختطفها الأب من أحضان أمها المطلقة حيث كانت تعيش الطفلة بكنفها وتحت حضانتها.

مستعينًا بولايته الجبرية على الطفلة، زوّجها الأب إلى شخصٍ من أقاربه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021. في ذلك الوقت، ناشدت أم الطفلة منظماتٍ دولية، ونشرت مقطعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، مستغيثة لإنقاذ طفلتها وإعادتها إلى أحضانها.

استجابت حكومة الكاظمي إلى مناشدة الأم بعد إلحاح من منظمات المجتمع المدني ودعم نسوي إعلامي. وتمت إعادة الطفلة إلى أحضان والدتها.

في متابعةٍ لمجريات القضية، قالت والدة الطفلة إسراء: “منذ 3 أعوام وأنا أراجع المحاكم في قضية ابنتي. فقد تأثرت نفسيتها وتدمرت ولا تستطيع مواصلة حياتها، بفعل الأحداث المأساوية التي مرّت بها طوال الفترة السابقة”.

وتابعت: “سبب مراجعتي للمحاكم هو رغبتي في الحصول على طلاق ابنتي التي تم التصديق على عقد “زواجها” خارج إطار المحكمة، بعدما اتفق والدها مع رجل الدين. العقد كان باطلًا، وابنتي تم اغتصابها. أوراقها الرسمية، البطاقة وجواز السفر، كانوا بحوزتي”.

وتستكمل: “تزويج القاصرات حطّم أحلامي أنا شخصيًا. فقد تزوجت بعمر الثانية عشر وحُرمت من التعليم. عاشت ابنتي تفاصيل صغيرة من حياتي وأنا أحارب اليوم من أجل تعليمها”.

“ماما، اذا رحت لبابا.. شلون أرجعلج؟!”

تحدث الطفلة البالغة من العمر 11 عامًا بصوتٍ مرتعش من هاتف والدتها على برنامج الواتساب. “في آخر مشاهدة، أبلغني أبي  أن حضانتي ستعود له بالقانون، وأنه أحضر لي العريس المناسب وهو شقيق زوجته. هل سيزوّجني أبي؟”.

تصمت قليلاً وتعود للحديث: “لا أريد أن أترك حضن والدتي. يوم الجمعة من الأيام التي أكرهها لأنه يوم المشاهدة. يتعمّد أبي التحدث عن أمي بسوء”. ثم تجهش بالبكاء، وتتحدث والدتها بالنيابة عنها: “هذا حالنا منذ أيام. تحلم ابنتي كل يوم أن والدها خطفها”.

وتضيف: “حالتي النفسية محطمة. كل يوم قبل تجهيز إبريق الشاي، أفتح الهاتف وأترقب مواقع التواصل الاجتماعي، ثم أنتقل إلى مجموعات الواتساب المناهضة للتعديل لأتابع التطورات. وهذا ليس وضعي فقط، بل وضع عشرات الأمهات”.

تطلب الأم الانتظار، لتربطني في اتصال مع أمٍ أخرى تتحدث عن معاناتها ومعاناة ابنتها البالغة من العمر 8 أعوام. وبعد إجابتها على المكالمة تقول: “ابنتي حائرة مثلي، وتفكر طوال الوقت لو تم سلب الحضانة منّي ماذا ستفعل. وفي إحدى المرات، كانت تفكر بطريقةٍ تنتحر بها”.

وبالتواصل مع الأمهات ضحايا الحرب النفسية، تقول شيماء، لديها ابنة (13 عامًا) وابن (9 أعوام): “في ظل هذه القوانين المجحفة وإن تم إقرار القانون، أفكر بالهرب بأطفالي خارج العراق، أو أختفي تمامًا، أو ننتحر جميعًا”.

وتضيف شيماء :”أنا من ضحايا هذه المواد التي تنطبق جميعها عليّ. في بداية حياتي، والدي طلّق والدتي. وبغطاءٍ من نظامنا العشائري في النجف، سلبني من أمي بحجة أنني فتاة وأنني ’شرفه’”.

كان عمري 7 أعوام، عِشت مع زوجة أبي وسكن مشترك مع أعمامي، كنت أشعر بالتفرقة والخوف طوال الوقت. وبعمر الـ15، تم تزويجي من ابن عمي وحرماني من المدرسة. وبعد سنوات، تزوج زوجي بشابةٍ عرفها في الجامعة. الآن، أعيش في بيت عمتي الراقدة في الفراش مع أطفالي، وأحلم بتربيتهما بعيدًا عن المشاكل. والدهم يترصّد لي ويُدبّر المكائد حتى لا أحصل على نفقة شهرية قدرها 350 ألف دينار عراقي، ما يعادل 233$”.

حملات ضد تعديل قانون الأحوال الشخصية

نظّمت مدافعات/ون عن حقوق الإنسان، ونسويات ومنظمات المجتمع المدني حملاتٍ ووقفات احتجاجية ضد تعديل المادة 57. وانضمت إليهن/م مجموعة من الأمهات لرفض تعديل قانون الأحوال الشخصية.

ومن أبرز هذه التنظيمات “تحالف 188″، الذي ضم القانونيات/ين والمؤثرات/ين، وهدفهن/م هو عدم تمرير قانون الأحوال الشخصية. وبحسب زهراء العيداني، إحدى عضوات التحالف: “تعرّضنا إلى حملاتٍ وهجومٍ واتهامات. لكننا سنواصل الضغط الحقوقي والنسوي والإعلامي حتى لا يتم قراءة (تصويت) البرلمان على القانون في جلسته الثانية”.

وقد شهدت المحافظات العراقية منذ مطلع تموز/يوليو الماضي احتجاجات وأصوات نسوية ضد تعديل المادة. فيما واجهت نساء النجف المتظاهرات ضد تعديل القانون حملات شرسة، واعتداء بالأيدي والألسن من رجال دين وشيوخ العشائر أثناء المظاهرة.


في هذا الشأن، أفادت التربوية والناشطة المدنية من محافظة النجف إخلاص جبرين، بحسب اطلاعها ومتابعتها حقيقة الاعتداءات وتواصلها مع النساء المتظاهرات، “كان الاعتداء مأجورًا من أحزاب سياسية دينية متطرفة تريد تسليم الرجال مصائر النساء وسلب حقوقهن”.

وأضافت، “هذا الاعتداء هو انتهاكٌ صريح لحقوق النساء المتظاهرات اللواتي تم الاعتداء عليهن لفظيًا وجسديًا وتمزيق عباياتهن”. وشدّدت جبرين على ضرورة محاسبة المعتدين على المظاهرات التي نظمها “تحالف 188”.

من جانبها، استنكرت الدكتورة بشرى العبيدي، أستاذة القانون، الاعتداءات على المتظاهرات. وأوضحت أن مظاهراتهن واعتراضاتهن يكفلها القانون. كما عبّرت عن خطورة تعديلات مواد الأحوال الشخصية التي تحرم النساء من الحضانة والإرث.

في وقت نسعى لتفعيل قوانين تحمي النساء من ازدياد حالات العنف، يفاجئنا البرلمان بتعديلاتٍ تسلب حقوقهن في الحضانة والنفقة بعد الطلاق، وتشرعن اغتصاب القاصرات باسم الزواج. تبقى النساء في العراق رهينة لعبة سياسية وسلطة ذكورية يتحكم بها الشرع مرة، والعادات والتقاليد مرة، وازدياد وتيرة حالات العنف بسب ضعف القانون مراتٍ ومراتٍ.

كتابة: بنين إلياس

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد