التجنيد الإلزامي للفتيات.. جريمة قسد المسكوت عنها

لم توفّر وسائل الإعلام الغربية فرصة للاحتفاء بصور المقاتلات المنضمّات تحت لواء “قسد”، عقب إعلانها الإدارة الذاتية بعد انتصارها على داعش.

وأصبحت “قسد” في أعين العالم القائم خارج حدود المناطق الشرقية في سوريا، هي نقيض “داعش”. الأمر الذي لا يعتبر تبسيطًا مجحفًا للوضع المعقّد فحسب، بل هو تدليس وتستّر على الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها قسد بحق الفتيات والنساء، والأطفال.

التجنيد الإلزامي للفتيات.. جريمة قسد المسكوت عنها

عقب انسحاب “داعش” من مناطق شمالي وشرقي سوريا، سيطرت قوات سوريا الديموقراطية المعروفة باسم “قسد” على المنطقة معلنةً إنشاء “حكم ذاتي” مهمته محاربة الإرهاب.

وهي الذريعة ذاتها التي تسلّح بها نظام الأسد أمام العالم لإبادة شعبه، والتنكيل بمختلف الأنواع الجندرية والفئات العمرية، فكانت المأساة كما في كل الحروب، للنساء والفتيات النصيب الأكبر من الانتهاكات والجرائم.

في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2017 فرضت “الإدارة الذاتية” قانون التجنيد الإجباري أو ما أطلقت عليه اسم “واجب الدفاع على الشباب فتيانًا وفتيات في مناطق سيطرتها.

وفي ظل خلو القانون الدولي من تعريفٍ واضحٍ للكيانات أو السلطات التي تتشكل نتيجة حروب أهلية أو ثورات، تنبه حزب الاتحاد الديمقراطي الذي كان له الدور الأبرز في تأسيس الإدارة الذاتية وقوات سورية الديمقراطية “قسد”، بالترويج لتجربة الإدارة كنموذج حضاري نهضوي للحوكمة في ظل نظام علماني يستند إلى قيم التسامح والتعددية، ويلتزم بالإعلان العالمي لحقوق الإنسانن، الذي تتصدره قيمة المساواة، والحقوق الكاملة للنساء.

وهو ما يركز عليه الحزب مستفيداً من تراجع واقع المرأة في المنطقة عموماً، ومن تحرر بعض الأوساط الاجتماعية الكردية لتصوير المناطق الخاضعة لسيطرته بأنها واحة المساواة والمناصفة، لدرجة أن النساء لهنّ دور في كل شيء، وحتى العسكرة.

على مدار سنوات الحرب، وفي مقابل النموذج الأفغاني الطالباني للمرأة المغطاة بالكامل والمخفاة عن الأنظار الذي طبقته الجماعات الإسلامية المتطرفة، ومشاهد أسر النساء الأزيديّات وبيعهنّ كسبايا التي صدّرها تنظيم “داعش”، وصور اضطهاد المرأة السوريّة وحرمانها من المشاركة السياسية والمجتمعية في عددٍ من المناطق الخاضعة أو التي خضعت لسيطرة المعارضة المسلحة، كانت صور المقاتلات الكرديّات وكأنها أيقونة للتحرر في مواجهة الظلامية. وهو ما اتضح أنه استثمار ثمين للحزب لصرفه في الاعتراف الدولي بمشروع الإدارة.

في الوقت ذاته شكلت صور المقاتلات مادة خام للإعلام الغربي ليخلق قصةً إعلاميّة واجتماعيّة تتماشى مع سوق الاستهلاك الإعلاميّ اليومي، وتُحاكي العقل الغربيّ المعاصر المسكون بالمخاوف من “الإرهاب”.

وبذلك، تصدرت صور النساء الكرديّات المقاتلات مواقع التواصل الاجتماعيّ، والمواقع الإلكترونيّة الإخباريّة الغربية، عند الحديث عن المنطقة الشرقية في سوريا.

الترغيب والترهيب للإيقاع بالقاصرات

تعمل “الشبيبة الثورية” وهي مجموعة تتألف من شابات وشبّان أغلبهن/م قصّر ينتمين/ون لحزب العمال الكردستاني، على استقطاب الفتيات الصغيرات للتجنيد باتباع أسلوب الترغيب معهنّ، والترهيب مع أسرهنّ.

وقد سجّلت عدّة منظمات دولية معنية بحقوق الطفلات/ الأطفال، انتهاكات قسد المتمثّلة بالتجنيد الإلزامي عبر استهداف الطفلات والأطفال اللواتي/ الذين يعانين/ون مع أسرهنّ/م.

فتبدأ العملية بإيهام المستهدفات بأن ما سيقمن به “عمل بطولي” سخلصهنّ مما يعانين منه مع أسرهنّ. بالإضافة إلى تقديم وعود فارغة بالتعليم والعمل.

ويتم اقتيادهنّ إلى معسكرات تدريبية، حيث يمنعن من التواصل مع عائلاتهن ويتم عزلهن عن الحياة والعالم الخارجي.

وفيما يعتبر هذا التلاعب اختطافًا لكونه يستهدف قاصرات، إلا أن الاختطاف الفعلي الذي يتطلب التربّص وانتقاء اللحظة المناسبة هو الأسلوب الأكثر شيوعًا لدى قسد.

وكان اختطاف الطفلة فداء عبد الجليل (17 عامًا) السبب المباشر لتسليط الضوء على هذه الجرائم الممنهجة، إذ سبق وأن قالت والدة الفتاة في شهادتها أن ابنتها “ذهبت إلى المدرسة كأي يوم عادي، ولكنها لم تعد” وتلقّت لاحقًا اتصالًا من شخص مجهول يقول فيه “فداء صارت معنا، رح تتجنّد، انسوها”.

ورغم الضجة الكبيرة التي أثارها هذا الاختطاف إلا أن مصير فداء، والعديد من الفتيات لاحقًا ما يزال مجهولًا. ومن بين اللواتي تأكد اختطافهن وسيل شيخو نهاية آذار/ مارس الماضي من أمام مدرسة الشهيد قهرمان التي تدرس فيها في حي الأشرفية بمدينة حلب، والذي يخضع لسيطرة قوات “قسد”.

وأبلغت عمتها مابينت تيريزا شيخو موقع “آرك نيوز” أن روسيل خطفت مع اثنتين من صديقاتها، ولا يزال مصيرها مجهولاً. وناشدت الجهات المعنية ومكتب حقوق الطفل في “الإدارة الذاتية” إطلاقها، خصوصاً أنها الطفلة الوحيدة لذويها، وتبلغ 14 من العمر، وحتى الآن لم يعرف مكان وجودها.

بالإضافة إلى الطفلة سيماف محمد زكي مصطفى البالغة 14 من العمر التي لاقت المصير نفسه بعدما خطفت من أمام مدرستها في بلدة معبدة بريف محافظة الحسكة الشمالي الشرقي.

أما الطفلة غزالة محمد محمود (14 عامًا) فقد اختطفتها قوات قسد من أمام باب مدرستها، فصرّح خالها إلى العربي الجديد قائلًا “لا تمنح القوانين الدولية والأعراف والقيم والتقاليد حرية اتخاذ فتاة قاصر في الـ14 من العمر قرار التخلي عن دراستها والالتحاق بجهات عسكرية، كما أنها أمل أمها الوحيد في الحياة، فهي أرملة، وفقدت كل عائلتها”.

ويضيف: “حرصت شقيقتي على إلحاق ابنتها بمعهد تعليم قريب من منزلها في الحي السياحي بمدينة القامشلي، وكانت ترافقها وتنتظر انتهاء الدروس للعودة معاً إلى المنزل، لكن في 6 يونيو/ حزيران الماضي، لم تفعل ذلك بسبب مرضها، فتم خطف ابنتها من أمام المعهد، وتلقت بعد أقل من ساعتين مكالمة قصيرة قالت فيها الابنة إنها لن تستطيع الاتصال بأمها مجدداً، وإنها أصبحت لدى “جوانن شورشكر” التي ستأخذ الهاتف الخليوي منها”.

قسد تحاول التنصّل من جرائمها بالخداع

أصدرت قسد في أيلول/ سبتمبر 2023 قراراً بمنع تجنيد الأطفال في صفوف قواتها، بعدما أورد تقرير أصدرته منظمة حقوق الإنسان أن “وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة ضالعة في تجنيد الأطفال، وبينهم فتيات”.

ونقل عن القائمة بأعمال مديرة قسم الطوارئ في المنظمة، بريانكا موتابارثي، قولها إن “وحدات حماية الشعب تجند الطفلات وتخضعهن لتدريبات عسكرية في الأراضي التي تسيطر عليها، رغم أنها تعهدت بالتوقف عن استخدام الجنود الطفلات/ الأطفال. وأضافت: “ما يزيد الأمر فظاعة تجنيد طفلات وأطفال من عائلات مستضعفة بلا علم أهلهم، أو إخبارهم بمكانهم”.

ورغم أن الأمم المتحدة أعلنت في تموز 2023 عن توصّلها لاتفاق مع “قسد” بشأن إلغاء التجنيد الإلزامي للطفلات/ الأطفال، إلا أن الواقع ما يزال على ما هو عليه.

فوفق تصريحات أهالي المناطق الشرقية، العائلات ما تزال تضطر لاتخاذ إجراءات وقائية مجحفة بحق الفتيات كمنعهنّ من الذهاب إلى المدرسة، أو مغادرة المنزل دون مرافق/ة.

ويالها من مفارقة عجيبة أن يخلص الواقع الذي تقدّمه “الإدارة الذاتية الديموقراطية” إلى ذات الماضي الذي فرضته “داعش“، الفتيات والنساء حبيسات المنازل التي لا يستطعن مغادرتها بمفردهنّ.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد