في اليوم العالمي لحماية التعليم من الهجمات: الحروب تدمر مستقبلنا

يخلد التاسع من أيلول/سبتمبر يومًا عالميًا لحماية التعليم من الهجمات. وفي سياق عالمي يعرف تصاعداً في الحروب والنزاعات المسلحة، أصبح التعليم يشهد استهدافًا ممنهجًا للحد من قدرة أجيال بأكملها على الدراسة والتعلم.

سنة كارثية على التعليم

بدأ الدخول المدرسي للسنة الجديدة في أنحاء العالم، معلنًا بداية عام دراسي جديد. لكن ليس كل أطفال/طفلات العالم قادرات/ين على التمتع بأبسط الحقوق الإنسانية مثل التعليم.

إذ خيمت الإبادة الاستعمارية والحروب على مستقبل الملايين من الطالبات/الطلاب في الجنوب العالمي، مخلفة بذلك دماراً ماديًا ورمزيًا هائلاً سينعكس بلا شك على حاضر ومستقبل هذه الأجيال.

في هذا السياق، بيّن تقرير أصدره “التحالف العالمي لحماية التعليم من الهجمات” بعنوان: “الاعتداءات على التعليم 2024″، أن “نحو 6 آلاف اعتداء قد وقع على التعليم بين 2022 و2023، في عدة بلدان تشهد حروبًا. وهي زيادة بواقع نحو 20 بالمئة مقارنة بالعدد في العامين السابقين على التاريخ المذكور”.

وأضاف التقرير أن “هناك أكثر من 10 آلاف طالب/طالبة ومعلم/معلمة وأكاديمي/أكاديمية تعرضن/وا إما لأضرار أو إصابات أو للقتل في هذه الهجمات. وهي الاعتداءات التي وقعت في نزاعات مسلحة في جميع أنحاء العالم”.

وسجّل باحثو/ات التحالف العالمي أن “المئات من المدارس تعرضت إما للتهديد أو النهب أو الحرق أو الاستهداف بأجهزة متفجرة، أو دمرت في أعمال قصف أو غارات جوية”. وقد “زاد عدد الهجمات في بلاد منها فلسطين والسودان وسوريا، وجمهورية الكونغو الديموقراطية”.

سجّل الباحثون/ات في التحالف أن “أكثر من 475 هجوماً على المدارس في فلسطين، خلال عام 2023، كانت عبر غارات جوية وقصف برّي بأسلحة متفجرة”.

كما أظهرن/وا أن “للأسلحة المتفجرة – التي ظهرت في نحو ثلث تقارير الهجمات على التعليم على مستوى العالم في 2022 و2023 – آثاراً مدمرة كبرى. إذ قتلت وأصابت أعداداً لا تُحصى من الطلاب/الطالبات والمعلمين/المعلمات، وأضرّت بمئات المدارس والجامعات”.

وأعطين/وا مثالاً على ذلك ” ما تسببت به الشظايا المتطايرة جراء هجوم على مسكن للطالبات بجامعة الجنينة، في غرب دارفور بالسودان، في إصابة امرأة بالعمى في عين من عينيها، في يونيو/حزيران 2023″.

وأظهر التقرير أن القوات التي تقود الهجمات في هذه الدول، بما فيها الاحتلال الصهيوني، قد “قامت بقصف وإحراق المدارس والجامعات. وقتلت وأصابت واغتصبت واختطفت واعتقلت تعسفاً وجنّدت الطلاب/الطالبات والمعلمين/المعلمات في المؤسسات التعليمية وبالقرب منها”.

كما بين التقرير أنه “إضافة إلى الوفيات والإصابات، فقد أضرّت الهجمات على التعليم بمئات المرافق التعليمية أو دمرتها بالكامل. وأدت إلى إغلاقها المؤقت أو الدائم لأسابيع وشهور، ما أدى لحرمان الطلاب/الطالبات من التعليم”.

وسلط التقرير الضوء على الأضرار غير المرئية التي غالبًا ما يُغفل ذكرها مثل “تعرض بعض الطلاب/الطالبات للأذى النفسي بسبب الهجمات، وخوف البعض منهن/م من العودة إلى المدرسة”.

تشهد هذه السياقات أيضًا جوانب تُفاقم العنف القائم على النوع الاجتماعي والتمييز القدراتي. حيث “تضررت الفتيات والطالبات/الطلاب من ذوات/ذوي الإعاقات بصورة خاصة بسبب الاعتداءات على التعليم. وكابدت الفئتان صعوبات أكبر في استئناف عملية التعلم، بعد تعرُّض المرافق التعليمية للهجمات”.

وأظهر التقرير أنه “في بعض الحالات، هوجمت مدارس الفتيات والطالبات أنفسهن في محاولات لإبقاء الفتيات بعيداً عن التعليم والمشاركة فيه”.

الاحتلال يدمر أجيال غزة

في ظل الهجوم الممنهج على شعوب الجنوب العالمي من قبل قوى الاستعمار، تظل غزة المثال الأكبر على هذا الاستهداف ووحشيته.

حيث ركن الاحتلال إلى ثلاثية القتل، التهجير، والتدمير، والتي سجَّل من خلالها إبادة متكاملة الأركان استهدفت البشر والبنى الأساسية للحياة، بما فيها المستشفيات والمدارس والجامعات.

وقد سجلت وزارة التعليم الفلسطينية أنه منذ حرب الإبادة الاستعمارية على غزة في السابع من أكتوبر الماضي، قتل الاحتلال الصهيوني مايقارب 10.000 طالبة/طالب، و400 معلم/معلمة. إضافة إلى 65 طالبة/ة من الضفة الغربية.

كما حرم 625 ألف طالب وطالبة مواصلة تعليمهن/م في غزة بعد تدمير الاحتلال لـ 85% من المدارس، والتدمير الكامل لجامعات القطاع الاثنا عشر. بالإضافة إلى تحويل ما تبقى من مدارس الأونروا إلى مراكز نزوح.

والأخيرة لم تسلم من تحويلها لبركة دم. حيث سُجل مقتل 563 نازح/ة وجرح 1790 في استهداف الاحتلال لهذه المدارس.

أوطان جريحة وأجيال تحت الخطر

إن تتبع واقع التعليم في المنطقة الناطقة بالعربية يدفع إلى تسليط الضوء على مجموعة من القضايا منها السياسات النيوليبرالية التي تفرضها ديون البنك الدولي، والتي بدورها تتوجه نحو التحكم في سياسات التعليم والصحة بشكل أساسي.

هذا التوجه ينطلق غالبًا نحو استهداف مجانية التعليم وجودته. حيث تفرض هذه السياسات تقليص رعاية الدولة لقطاع التعليم وخفض الميزانيات الموجهة له. وهو ما ينعكس سلبًا على نوعية الخدمات المقدمة في هذا القطاع وحقوق الطلاب/الطالبات، والعاملات/العاملين فيه.

لكن في ظل السياقات الحالية التي تعرف تصاعداً في العنف الاستعماري والصراعات المسلحة في هذه المنطقة، يصبح حق التعليم نفسه معرضًا للخطر. حيث تُدمر المنشآت التعليمية ويُقتل الطلبة/الطالبات وتُحرم أجيال كاملة من التعلم.

في السودان مثلاً، أصبح نحو 19 مليون طفلة/طفل في خارج المدارس، منذ إعلان الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع للحرب على الشعب السوداني. في ظل ذلك، فقد حوالي 6.5 ملايين طفلة/طفلة إمكانية الوصول إلى المدرسة جراء تزايد العنف وانعدام الأمن في البلاد. وأُغلقت 10 آلاف و400 مدرسة على الأقل في المناطق المتضررة من النزاع.

وشهدت سوريا 100 اعتداء على المدارس والطلبة والكوادر التعليمية، حدثت أغلبها في الشمال السوري. بالإضافة إلى الاستيلاء على المدارس لأغراض عسكرية من قبل جيش النظام والجماعات المسلحة.

وقد سجلت الأمم المتحدة أن حوالي 2.4 مليون طفل/طفلة محرومات/ون من الدراسة في سوريا، بالإضافة إلى 1.6 مليون طالبة/طالب مهددات/ون بخطر الحرمان من التعليم. وفي عام 2023، وثّق “التحالف العالمي لحماية التعليم من الهجمات” ما لا يقل عن 83 هجومًا على المدارس، في الشمال الغربي لسوريا. وتضررت 29 مدرسة خلال الغارات الجوية والقصف والاشتباكات المسلحة، وأغلقت 31 مدرسة.

وفي اليمن، وفق ذات المصدر، وقع ما لا يقل عن 55 هجومًا على المدارس ومرافق التعليم العالي خلال الفترة 2022-2023. وشمل العديد منها استخدام الأسلحة المتفجرة، بما في ذلك الغارات الجوية والقصف وزرع العبوات الناسفة. كما تم استخدام حوالي 100 منشأة تعليمية للأغراض العسكرية.

بالإضافة إلى ذلك، نشر “التحالف العالمي لحماية التعليم من الهجمات”، تقارير عن تجنيد الأطفال والعنف الجنسي في المؤسسات التعليمية أو في الطريق إليها أو منها.

وقد أثّر النزاع المسلح في اليمن بشكل كبير على التعليم. حيث سُجل، خلال الفترة 2022-2023، أن حوالي 2.7 مليون طفل/طفلة أصبحن/وا خارج المدرسة في عامي 2022 و2023. نصفهن/م تقريبًا من الفتيات.

حروب على المستقبل

إن هذه الأرقام المروعة تكشف عن وجود خطر حقيقي يهدد مستقبل بلداننا. فالإبادات والحروب تلقي بثقلها على البنى الديموغرافية والاجتماعية والتعليمية والثقافية لشعوبنا.

كما أن استهداف المدارس والجامعات والمستشفيات والمنازل بالعنف والإرهاب والقصف، الذي يقوده الاحتلال الصهيوني وقوى الاستعمار العالمية والأنظمة السياسية والجماعات المسلحة التي تخدم هذه القوى، هو استهداف لأي محاولة لبناء مستقبل أفضل لشعوبنا.

لم يعد الحديث عن حماية التعليم من الهجمات ممكنًا، إلا بإيقاف مشاريع الاستعمار، والنزعة العسكرية ومشاريع النيوليبرالية وسياسات النهب في الجنوب العالمي.

اليوم، نحزن على ضياع مستقبل أجيال كاملة من شعوبنا، على مَن فارقونا بسبب إرهاب الاستعمار الاستبدادي من طالبات/طلبة وكوادر تعليمية، على مَن سيُحرمن/ون من حق التعلم وحق المعرفة.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد