في اليوم العالمي لسلامة المرضى/ات.. نتذكر غزة
حدد السابع عشر من أيلول/سبتمبر يوم عالمي لسلامة المرضى/المريضات. وذلك بهدف زيادة الوعي العام حول المصاعب التي تواجه المصابين/ات بالأمراض المزمنة، والأشخاص اللواتي يتعالجن/وا في القطاع الصحي، وتوجيه الجهود لهذا القطاع وحث مقدمي/ات الصحية وصناع/صانعات السياسات للعمل على سلامة المرضى/ات، والحرص على توفير الرعاية الصحية اللازمة للجميع.
لا يمكن تجاهل الاستعمار
في معظم ثيمات النقاش في اليوم العالمي لسلامة المرضى/المريضات، تركز منظمة الصحة العالمية على حث صناع القرار على اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان مشاركة المريضات/المرضى في صياغة السياسات، وتمثيلهن/م في هياكل الإدارة، ومشاركتهن/م في تصميم استراتيجيات السلامة والرعاية الصحية.
وترى أن تحقيق ذلك لا يمكن إلا من خلال توفير المنصات والفرص لمختلف المريضات/المرضى والأسر والمجتمعات التي ينتمين/ون إليها لرفع أصواتهن/م ومخاوفهن/م وتوقعاتهن/م لتعزيز السلامة والتركيز والثقة والإنصاف.
لكن لا يتم الحديث بشكل مباشر عن أن سلامة المرضى/ات تتعلق أيضًا يالانتهاكات التي يتعرض لها المرضى/المريضات في أثناء الحروب والاستعمارات، وانعكاس النهب الرأسمالي وخصخصة الصحة في بلدان الجنوب العالمي على القطاع الطبي وحقوق الإنسان.
وعادة ما تربط سلامة المريضات/المرضى بمدى التزام القطاع الصحي بالقواعد المهنية للرعاية والعلاج والتأهيل داخل المنشآت الصحية. لكن في سياقات تعرف الإبادة والحرب، فإن المستعمر يدمر البنية الصحية بأكملها بهدف جعل المصابات/ين بالأمراض، وضحايا الحرب يعانون/ين أكثر ويفتقدن/ون للسلامة والأمان.
ظهر ذلك بشكل واضح في حرب الإبادة الاستعمارية على غزة. حيث استخدم كيان الإرهاب الصهيوني مختلف وسائل العنف بقصد إلحاق الضرر بالمجتمع وتحديداً فئاتها الأضعف مثل المرضى/ات والأطفال/الطفلات. إذ لم يكتفِ بالقصف فقط، بل دمر كل البنيات الأساسية ووضعها في خانة العجز والنقص مثل الغذاء والكهرباء والوقود.
أي سلامة تحت الإبادة؟
منذ بداية الحرب، استهدف الاحتلال المستشفيات في قطاع غزة، قبل أن يقتحمها. وبقوم بإخراجها عن الخدمة نهائياً، بعد قصف وتدمير وتخريب وإجبار الأطباء/ات والمرضى/ات والنازحين/ات على مغادرتها. وهو ما ترك هؤلاء في مهب الريح، من دون مستشفيات، ومن دون أطباء/ات، ومن دون أدوية.
وإثر المداهمات المتواصلة من جيش الاحتلال والقصف، دمرت جميع مستشفيات مدينة غزة وأخرجت عن الخدمة أو دمرت قدراتها الأساسية. حيث لم يتبقَ من مستشفيات القطاع الـ33 سوى 17 مستشفى. ناهيك عن النقص الحاد في الكوادر الطبية.
يأتي ذلك بعد أن استخدم الاحتلال أداة التصفية في حق أطباء/ات غزة. فقد أعلنت أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، في أيار/مايو الماضي، أن حصيلة شهداء/شهيدات المنظومة الصحية في قطاع غزة وصلت إلى 496 منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إضافة إلى إلى 1500 جريح/ة، و 309 أسير/ة.
كما أجبرت العديد من الكوادر الطبية على مغادرة المستشفيات، تحديداً ضمن حملة التهجير القسري لشمال قطاع غزة.
دق سكان القطاع ناقوس الخطر بسبب النقص الحاد في الطبيبات/الأطباء، وفي الدواء والرعاية الصحية.
في إطار ذلك، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن الاحتلال تسبب بقطع كامل لأدوية مايقارب 350 ألف مصابة/مصاب بالأمراض المزمنة، ويمنع 10.000 مريض/ة بالسرطان و1500 مريض/ة بالكلى من الحصول على الحصص العلاجية اللازمة. بينما يعاني 45 ألف شخص مرضى/ات بأمراض القلب والأوعية الدموية، وأكثر من 60 ألف مريض/ة بالسكري من عدم الحصول على الأدوية.
جدير بالذكر أن هذه الأزمة الصحية قد تفاقمت بفعل ارتفاع عدد الإصابات الناتجة عن حرب الإبادة. حيث ارتفع عدد الجرحى/الجريحات إلى 95 ألفا و125 منذ بدء الحرب.
وفقًا لتحليل أجرته منظمة الصحة العالمية لأنواع الإصابات الناجمة عن جرائم الاحتلال، فمن المقدر أن ما لا يقل عن ربع المصابات/ين في غزة أو 22500 مصاب/ة حتى 23 تموز/ يوليو يعانين/ون من إصابات تغير مجرى حياتهن/م وتتطلب خدمات إعادة التأهيل الآن ولسنوات مقبلة.
وقدّرت منظمة الصحة العالمية أن هناك ما بين 13 ألف و455 إلى 17 ألف و550 “إصابة خطرة في الأطراف”، قائلة إنها الدافع الرئيسي للحاجة إلى إعادة التأهيل.
في ذلك، قال ممثل منظمة الصحة العالمية في غزة ريك بيبركورن في بيان إن “الزيادة الهائلة في حاجات إعادة التأهيل تحدث فيما يتواصل تدمير النظام الصحي”.
وقالت مارغريت هاريس المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية” في وقت سابق أنه “في نهاية المطاف، سنرى عدداً أكبر من الناس يموتون بسبب الأمراض مقارنة بالقصف إذا لم نتمكن من إعادة بناء هذا النظام الصحي”.
هل هناك سلامة حقًا؟
لم تقتصر الانتهاكات على الإصابات المباشرة، بل أن حرب الإبادة نشرت أنواع مختلفة من الخطر الصامت والقاتل. حيث خيمت الاضطرابات النفسية على سكان القطاع بسبب الفقد والحزن والخوف الذي ألم بهن/م في هذه الحرب.
ناهيك عن انتشار أنواع مختلفة من الأمراض الفتاكة، الناتجة عن الأسلحة الكيميائية التي يستخدمها الاحتلال، وتحلل جثث تحت الأنقاض، وانتشار الروائح الكريهة، والأمراض الجلدية المعدية.
لذلك، فإن سلامة المريضات/المرضى لم تكن يومًا في غزة صراعًا مع المرض فقط. بل هي أيضًا صراع مع الاستعمار والإبادة ومع تواطؤ المنظمات الدولية، التي تحدد يومًا عالمًيا للسلامة من الأذى في القطاع الصحي، لكنها تعجز أن توقف الأذى في مدينة دمر قطاعها الصحي من الأساس.