الهجوم الإرهابي على لبنان…الاحتلال وتقنية الشر
في فاجعة تعد الأعنف منذ تفجير مرفأ بيروت، شهدت مناطق متفرقة من البلاد خسائر كبيرة وهلعًا غير مسبوق. جراء الهجوم الإرهابي الذي نفذه الكيان الصهيوني ضد أجهزة البايجر التي تستخدم بشكل كبير من عناصر تابعة “لحزب الله” وكذلك من أطر المستشفيات والمؤسسات والمدنيين/ات. هذا الهجوم الذي يعد أفظع هجوم سيبراني إرهابي في التاريخ، خلف 11 شهيد/ة الشهيدات/الشهداء وآلاف الجرحى/ات.
فماذا حصل؟
حرب سيبرانية وإرهاب استعماري
خلف الهجوم الإرهابي حالة من الهلع غير مسبوقة، إذ أصبحت معظم مدن البلاد عبارة عن ساحة حرب مليئة بالجرحى/ات والموت يحاصر سكانها.
وفي تفاصيل الخسائر البشرية صرح وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض، بأن الحصيلة الأولية وصلت إلى 2750 جريح/ة، بالإضافة إلى 11 شهيد/ة بينهن/م الطفلة فاطمة جعفر والطفل محمد كنج، موضحاً أن هذه الإحصائيات ليست نهائية حتى الآن.
وأوضح الوزير اللبناني خلال مؤتمر صحفي، أن أغلب الحالات “خطيرة”، مشيراً إلى أنها تعددت بين إصابات في الوجه واليد ومنطقة البطن، والعيون، ومضيفاً أن أكثر من 100 مستشفى في لبنان في حالة استنفار وتقوم باستقبال الحالات.
وسادت حالة من الهلع في لبنان والمنطقة جراء استخدام الاحتلال لأدوات إرهاب جديدة، منها استهداف الأجهزة الإلكترونية مثل جهاز البايجر.
وجهاز البايجر هو جهاز إلكتروني لاسلكي يستخدم لإرسال إشارات أو رسائل قصيرة إلى مستلم محدد. وقد طورت فكرته خلال تسعينيات القرن الماضي، وكان يستخدم بشكل واسع في المجالين الطبي والعسكري، لكن سرعان ما أصبح يستخدم في مجالات عديدة.
وتشير العديد من التقارير أن حزب الله ومنذ اندلاع معركة “طوفان الأقصى”، بدأ مقاتلوه باستخدام الرموز في الرسائل، وخطوط الهواتف الأرضية، وأجهزة البيجر؛ لمحاولة التهرب من تكنولوجيا المراقبة الصهيونية.
حيث تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً مهمًا في التنسيق مع الاحتلال ومراقبة المحتوى والتواصل بهدف التجسس والاختراق.
ولا تزال التحقيقات والتحريات جارية عن كيفية تنفيذ هذا الهجوم الإرهابي، وكيف تمكن الكيان من الوصول إلى هذا الحد من العنف من خلال عمليات سيبرانية خطيرة.
في ذلك نشرت مؤسسة “سمكس” المعنية بالحقوق الرقمية ثلاث تحليلات مقترحة لأسباب الهجوم هي:
الاحتمال الأوّل: عبوات فُجّرت عن بُعد
من المحتمل أن تكون هذه الأجهزة جزءاً من شحنة جرى استلامها وتشغيلها بعد أن تمّ العبث بها خلال عملية الشحن، فزُرعت فيها عبوات متفجّرة صغيرة (على سبيل المثال لا الحصر)، ليتمّ تفجيرها عن بُعد أو بواسطة جهاز توقيت.
الاحتمال الثاني: تفجير البطاريات
لم تتعرّض الأجهزة لأيّ تعديل، إلّا أنّ الاستخبارات الإسرائيليّة كانت على دراية بطبيعة هذه الأجهزة، فطوّرت طريقة لبثّ ثغرة يمكن استغلالها فيها. ويُحتمل أن تكون الثغرة قد تسبّبت برفع حرارة الأجهزة، ممّا أدّى إلى انفجار بطارياتها.
الاحتمال الثالث: تفجير عبر موجات الراديو
يمكن أن يكون قد جرى التلاعب بأجهزة النداء التي انفجرت، خلال عملية الشحن (هجمات سلاسل التوريد- supply chain attack) ليتمّ تفعيلها لاحقاً عن طريق موجات راديو تُطلق من محطةٍ أرضية أو جهازٍ استخباراتيّ (نظام الإنذار المبكر والتحكّم-AWACS على سبيل المثال) لتفجير الأجهزة.
وفي وقت مبكر من صباح اليوم كشفت صحيفة النيويورك تايمز عن معلومات جديدة حول الهجوم الإرهابي، تتجه نحو تأكيد فرضية التفخيخ.
ونقل موقع الجزيرة عن الصحيفة أنها نشرت تصريحات عن مسؤولين مطلعين، تفيد بأن الكيان الصهيوني أخفى متفجرات داخل دفعة من أجهزة اتصال (بيجر) تايوانية تم استيرادها إلى لبنان.
وقال المسؤولون إن حزب الله طلب من شركة “غولد أبولو” التايوانية أكثر من 3 آلاف جهاز اتصال، وأضافوا أنه تم زرع مادة متفجرة صغيرة الحجم بجانب بطارية كل جهاز.
وأوضح المسؤولون أنه “تم التلاعب بأجهزة الاتصال التي طلبها حزب الله قبل وصولها إلى لبنان.
وهذه فرضية أكدتها عدة صحف منها، صحيفة المونيتور، التي نقلت عن مصادر استخباراتية أن آلاف الأجهزة التي حصل عليها حزب الله فخختها إسرائيل قبل تسليمها للحزب.
كما نقلت مجلة وول ستريت جورنال عن شركة “لوبك إنترناشونال الأمنية” أن سبب الانفجار هو برمجيات رفعت حرارة البطاريات، مما أدى إلى انفجارها أو وضع شحنة فُجرت عن بعد.
وفي التغطية الإخبارية العالمية للهجوم الجبان، نقل أكثر من مصدر بما فيهم شبكة “سي إن إن” الإخبارية أن الهجوم كان بتنسيق من جيش الاحتلال والموساد، ونفذ بهدف تدمير قاعدة المقاومة في لبنان واستهداف قيادين في حزب الله.
لا أمن واسرائيل موجودة
مهما تعددت الفرضيات فإن الثابت هو أن الكيان الصهيوني بدعم عسكري وتقني غير مشروط من أمريكا، استطاع بسط نفوذه على مجالات كثيرة منها مجالات تصنيع التقنية.
فإذا أخذنا بالاعتبار ماصدر من تأكيدات بأن الهجوم كان موجهًا منذ البداية من خلال تفخيخ الشحنة قبل تصديرها، فنحن أمام ساحة حرب جديدة يتقوى فيها الكيان بترسانة تقنية متطورة، كما أنه يهيمن على مجالات التصنيع التي عادة ما تكون في دول غير صديقة وخاضعة مثل تايوان.
كما أن الهجوم الإرهابي يسلط الضوء على علاقة الكيان بالرأسمالية العالمية وشركات التكنولوجيا المتقدمة، التي ترهن سلامة وأمن الشعوب بيد كيان إرهابي يمكن أن ينفذ هجومًا بهذه الخطورة بكبسة زر.
ويعيد هذا الهجوم للأذهان مايحدث من استخدام الذكاء الصناعي في الإبادة الجماعية بغزة، حيث كشفت التقارير عن تطويع هذه التقنية في تحديد الأهداف بشكل دقيق ووحشي.
كما أن الحرب على غزة كشفت تواطؤ منصات التواصل الاجتماعي مقل واتساب وفيسبوك في تحديد أهداف القصف من خلال إتاحة الفرصة لجيش الاحتلال بالتجسس على المستخدمين، وتتبع الكلمات المفتاحية لاستهداف الأشخاص.
إن مقاومة الاستعمار الصهيوني وحليفه الأمريكي، لم تعد مجرد وسيلة للنجاة، بل هي واجب أخلاقي تجاه البشرية والكوكب. فإما محو لهذا الإرهاب وإنقاذ ماتبقى من شعوبنا وإنسانيتنا، أو التسليم لواقع أن الهدف النهائي لهذا الإرهاب هو محو شعوبنا بشكل كامل واستبدالنا بالبنية الاستيطانية، والسيطرة على أراضينا ومواردنا.