المفوضية الأوروبية تطالب تونس بالتحقيق في وقائع اغتصاب عناصر أمن للمهاجرات
طالبت المفوضية الأوروبية حكومة تونس بالتحقيق في اتهامات باغتصاب وممارسة انتهاكات جنسية وتعذيب بحق مهاجرات. وجاء الطلب على خلفية نشر صحيفة الغارديان البريطانية لتحقيق احتوى على شهادات لمهاجرات تعرضن للعنف الجنسي داخل الأراضي التونسية.
تحقيق صحفي يرصد الانتهاكات
تبيّن خلال الشهادات داخل التحقيق أن أفرادًا من الأمن الوطني التونسي قاموا بانتهاكات ضد النساء الصحراويات والإفريقيات اللواتي يعبرن الأراضي التونسية على أمل الهجرة غير النظامية إلى أوروبا. كما كشف التحقيق قيام الأمن التونسي بممارسة التعذيب والضرب المبرح وإطلاق الأعيرة النارية ضد المهاجرات/ين. هذا بالإضافة إلى السرقة والانتهاك الجسدي المتعمّد بغرض الإذلال.
لم تتوقف الانتهاكات عند هذا الحدّ. إذ نصّت الشهادات التي رصدتها الغارديان على أن عناصر الأمر التونسي بعد ممارسة هذا العنف يقومون بترك الضحايا في الصحراء دون طعام أو شراب. بعضهم قام بتوجيه الضحايا باتجاه الحدود الجزائرية مع تونس، مطالبًا بعدم عودتهم/ن مرة أخرى.
في إحدى الشهادات المفزعة تقول إحدى العاملات بمنظمة مجتمع مدني وثّقت العنف الجنسي ضد المهاجرات على مدار 18 شهر: “9 من كل 10 نساء يتم القبض عليهن قُرب مدينة صفاقس يتعرضن للعنف الجنسي والاغتصاب على يد قوات الأمن […] يحدث الاغتصاب في الصحراء وبأعداد كبيرة”.
ويقول أحد المهاجرين شهادته: “وصلنا لقاعدة أمنية في حوالي الساعة الثانية صباحًا. بدأ رجال الأمن في اغتصاب النساء داخل منزل قرب القاعدة الأمنية. كل ساعة يأخذون امرأتين أو ثلاث ويتناوبون اغتصابهن. لم يهتموا أن هناك أكثر من مائة شاهد/ة. بعضهن تم تسليمهن/م أطفالهن/طفلاتهن بعد الاعتداء. أخريات لم يستطعن المشي. وغيرهن تم ضربهن ضربًا مُبرحًا”.
المفوضية طالبت بالتحقيق رغم التواطؤ غير المباشر
على إثر نشر التحقيق، قام الاتحاد الأوروبي ممثًلا في المفوضية الأوروبية المعنية بشؤون الهجرة بمطالبة حكومة تونس بالتحقيق في الاتهامات. إلا أن نفس التحقيق المنشورة به الانتهاكات كشف عن تواطؤ الاتحاد الأوروبي ضد المهاجرات/ين من دول الجنوب العالمي، وخصوصًا شمال إفريقيا.
حيث تتلقى حكومة تونس تمويلات تصل إلى 89 مليون يورو من أجل الحدّ من الهجرة غير النظامية عبر أراضيها إلى أوروبا. كما كشف التحقيق أن أغلب هذه الأموال تذهب إلى عناصر الأمن الوطني التونسي، بغرض التدريب على “التعامل” مع المهاجرات/ين. ويشمل هذا التعامل تدريبات على تطبيق مبادئ حقوق الإنسان، ضمن خطة منع المهجرات/ين من الوصول إلى السواحل الإيطالية في أوروبا.
تنص اتفاقات الاتحاد الأوروبي مع حكومات دول شمال إفريقيا على إرسال التمويلات إلى الحكومات التي بدورها تمنع المهاجرات/ين غير النظاميات/ين من عبور أراضيها في رحلة الموت إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط وداخل قوارب أغلبها يتنهي بها الحال في قاع البحر دون أن يتحقق “حلم النجاة” لمَن هن/م على متنها.
تشمل هذه الدول حكومة تونس وحكومة مصر التي تم اتهام عناصر الأمن بها، خلال العام الجاري أيضًا، بممارسة عنف وانتهاكات بحق المهاجرات/ين السودانيات/ين بعد إندلاع الحرب في السودان. شملت هذه الانتهاكات التعذيب والخطف والإخفاء القسري وإنكار الرعاية الصحية والترحيل الإجباري والتسليم إلى قوات الدعم السريع.
الهجرة حق من حقوق الإنسان
وفيما يستمر التواطؤ ضد المهاجرات/ين بين أوروبا ودول شمال إفريقيا، يستمر ادعاء الاتحاد الأوروبي في رغبته بتطبيق مبادئ حقوق الإنسان. لكن هذه المبادئ تتضمن الحق الأصيل في الهجرة وحرية التنقّل العابرة للحدود. وهو ما يتجاهله الاتحاد الأوروبي في سياساته العرقية ضد المهاجرات/ين.
يُذكر أن ارتفاع عدد المهاجرات/ين من الدول الإفريقية قد ارتفع في العقود الأخيرة بسبب ازدياد وتيرة الصراعات المسلحة في المنطقة، والتي تضطر السكان إلى البحث عن نجاة داخل رحلة محفوفة بالموت، مرورًا بالصحاري الإفريقية والتعامل مع عصابات التهريب، والتعرّض للعنف والانتهاكات داخل حدود الدول الساحلية مثل تونس، ووصولًا إلى قوارب تغرق قبل وصولها سواحل أوروبا.
هذا الأمل في النجاة عبر رحلة الموت لم يكن ليتواجد لولا تواطؤ حكومات الشمال العالمي وعلى رأسها أوروبا ضد شعوب الجنوب العالمي، لاسيما إفريقيا. يُضاف إلى ذلك عقود النهب والاستعمار والاستيلاء على الثروات والتراث التي مارسها المستعمر الأوروبي في هذه الدول.
اليوم، يدّعي الاتحاد الأوروبي “حرصه” على حقوق الإنسان، بينما يستمر في سنّ وتطبيق سياسات عرقية تحول بين المهاجرات/ين وبين ممارسة حقوقهن/م في حرية الحركة والنجاة بالحياة.