خدمات الصحة الجنسية في أرياف جبل لبنان.. حق تعرقله المركزية والأبوية

تمركز معظم خدمات الصحة والمرافق المهمة في العاصمة يُعد مشكلة أساسية لمعظم سكان الأرياف والمناطق النائية في لبنان. أما الوصول إلى الخدمات المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية، فهو ليس استثناءً لهذه القاعدة، خصوصًا في ظل الأزمة الاقتصادية، ومركزية الدولة، وتوغّل المفاهيم الأبوية الواصمة للجنس والجنسانية.

بالنسبة لسكان أرياف جبل لبنان، يعتبر بُعد المسافات عن العاصمة، بظل غلاء النقل وضيق الدوائر الاجتماعية في القرى ومناطق الأطراف، عائقًا أمام وصول النساء والأقليات الجندرية إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية. هذا بالاضافة إلى الوصمة المترافقة مع السعي لهذه الخدمات والمنتجات، وعوائق عدة أمام ضمان الأشخاص صحتهن/م الجنسية والانجابية.

الصعوبات الاقتصادية عائق أمام الحماية الجنسية

أثّر الانهيار الاقتصادي على القدرة الشرائية للكثير من اللبنانيين/ اللبنانيات منها قدرتهم/ن على شراء المنتجات المتعلقة بالصحة الحنسية والإنجابية، بالإضافة إلى إجراء الفحوصات المتعلقة بها. على سبيل المثال، وبحسب تقرير لصحيفة “L’Orient Le Jour”، ارتفع سعر حبوب منع الحمل الشهيرة “ياز” 750% من سنة 2019 حتى 2021. فازداد سعرها من 21,000 ل.ل. إلى 190,000 ل.ل. 

كما تشهد سائر خدمات ومنتجات الصحة الجنسية والإنجابية ارتفاعًا هائلًا في الأسعار خلال السنوات الماضية. تشرح ستيفاني صليبي، صيدلانية في عاليه، أن “الأسعار أصبحت معقولة الآن. في بداية الأزمة، كانت الأسعار خيالية. هناك أنواع من حبوب منع الحمل تسعر بـ150 ألف ليرة لبنانية (أي أقل من دولار ونصف)، وأخرى ذات سعر أعلى. أما حبوب الصباح التالي (الخطة ب)، فيصل سعرها إلى 25$. وبلغ ثمن علبة الواقي الذكري 3 أو 4 دولارات للعلبة الصغيرة، و8 دولارات للعلبة الكبيرة”. 

السعر في جبل لبنان السعر في بيروت الخدمة
$30 $80-$150 الإستشارة الطبية
$35 $50 (أو مجانا في بعض الجمعيات) إلتهاب الكبد الوبائي (نوع باء وجيم) والزهري
$15 تقريبا 50$ فحص فيروس نقص المناعة
$35 $50-$100 الكلاميديا، السيلان، الميكوبلازما

الميورة، وداء المشعرات

$15 $40-$50 مسحة عنق الرحم
الأرقام مبنية على مقابلات مع أطباء نسائيين في بيروت وجبل لبنان
السعر في جبل لبنان السعر في بيروت وسيلة منع الحمل
$3 4$ علبة واقي ذكري (3 أوقية ذكرية)
$6 7$  فحص منع الحمل
25$ 25.77$ حبوب منع الحمل الفموية (لمدة شهر)
الأرقام مبنية على مقابلات مع صيادلة في بيروت وجبل لبنان

يوفّر تطبيق “توترز” شراء هذه المنتجات وإجراء الفحوصات في المنزل، ما يكفل سرية وخصوصية للمشتري/ة. على سبيل المثال، يتيح التطبيق شراء عدة كاملة من الفحوصات الجنسية. تشمل فيروس نقص المناعة، والتهاب الكبد الوبائي (نوع باء وجيم) والزهري والكلاميديا، السيلان، الميكوبلازما والميورة، وداء المشعرات وغيرها من الفحوصات المنزلية بـ160$. لكن النطاق الجغرافي الذي يعمل به “توترز” لا يتضمن عاليه والشوف.

ناهيك عن العوائق المتعلقة بالوصمة، يبقى غلاء أسعار فحوصات الصحة الجنسية عائقًا كبيرًا. تشرح الدكتورة النسائية غاييل أبو غنام في هذا الخصوص أن “الضمان يغطي بعض الفحوصات، مثل مسحة عنق الرحم وفحوصات الحوض الصوتية وفحوصات الهورمونات.

لكن غيرها من الفحوصات الجنسية لا تغطيها شركات الضمان، إلا إذا ذكرت في سياسة الشركة. وعادة ما تغطي هذه الشركات مسحة عنق الرحم للنساء المتزوجات فقط. كما أنها طبعًا لا تغطي نفقات أدوية العبور الجندري والجنسي. أما الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فكان يغطي بعض الفحوصات الجنسية قبل الأزمة، لكن مؤخرًا الوضع اختلف”.  

منذ بداية الأزمة الاقتصادية، تخلّف الضمان عن دفع مستحقاته بسبب عدم القدرة على مواكبة ارتفاع الأسعار بالعملة الصعبة، بالتزامن مع تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية. ففي 22 تموز 2024، أصدر الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مذكرة توضح أنه اعتبارًا من أول شهر آب، توزع القيمة الشهرية للتقديمات العائلية المحددة بمبلغ أقصاه 2,250,000 ل.ل. لعائلة مكونة من أب وأم و5 أبناء/بنات، أي ما يعادل 20$ شهريًا.

لكن التقدم الذي أحرزته هذه المذكرة تمثل بإعطاء الزوجة حق تقاضي تعويضًا عائليًا عن زوجها وأولادها، أسوةً بالزوج. وكذلك بالنسبة لتقديمات فرع ضمان المرض والأمومة. رغم أهمية القرار، ما زالت التقديمات الشهرية الضئيلة والأزمة الاقتصادية يشكلان عقبةً أمام الحصول على الخدمات الصحية للمضمونين/ات. ناهيك عن العوائق التي يواجهها غير العاملات/ين، لتصبح الرعاية الصحية ترفًا لمَن يملك ثمنها، مرهونة بالوضع الاقتصادي والطبقة الاجتماعية. 

يشرح الدكتور جاد درغام، أخصائي طب الأسرة، أن “أي خدمات يتم تقديمها في العاصمة وفي مناطق الإيجارات المرتفعة أكثر تكلفة”. ويضيف: “هناك العديد من المنظمات غير الحكومية والمستشفيات الحكومية في المناطق المحيطة ببيروت تقدم خدمات طبية نسائية ذات جودة وبأسعار شبه مجانية”. 

عن غلاء سعر دواء فيروس نقص المناعة، يشرح درغام: “الأدوية المضادة لفيروس نقص المناعة البشرية تُقدم مجانًا من وزارة الصحة العامة لجميع المواطنات/ين اللبنانيات/ين المتعايشات/ين مع الفيروس. ومع ذلك، فإن هذه الأدوية تخضع لرقابة حكومية، ولا تتوفر للشراء من الصيدليات”.

ويضيف: “تنتج دول مثل الهند أدوية فعالة لفيروس نقص المناعة البشرية، وتكون متاحة للجميع للشراء بأسعار تتراوح بين 40 إلى 70 دولارًا أمريكيًا، لتوريد شهر من الأقراص. بعض الأطباء/الطبيبات في بيروت يستوردن/ون أحيانًا كميات كبيرة من هذه الأدوية لتحقيق ربح. يمكن أن تتراوح الأسعار بين 100 إلى 300 دولار أمريكي حسب الحاجة وخلفية المريض/ة”.

الأبوية تحرم النساء من حق الوصول لخدمات الصحة الجنسية

يعد انعدام الخصوصية سببًا رئيسيًا وراء عدم تمكن النساء من الوصول إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية. تخبرنا سيلين (اسم مستعار)، 35 سنة، عن الصعوبات التي تواجهها للحصول على خدمات الصحة الجنسية في الريف في عاليه. فهي امرأة مطلقة تعيش في منطقة ريفية وتواجه وصمًا لشرائها منتجات الصحة الجنسية، باعتبار أن الحياة الجنسية للنساء مقتصرة على تلك التي تكون بإطار الزواج.

“حتى لو توفّرت الأدوية، لا يمكنني شراؤها بسهولة. ولا يمكنني الذهاب إلى الطبيب، لأن جميع أهالي المنطقة يعرفن/ون بعضهن/م. وبالتالي، سأصبح موضع “شك” لارتيادي الطبيب النسائي وشراء أدوية متعلقة بالصحة الجنسية، وأنا غير متزوجة. ما يفاقم معاناتي أنني مطلقة ولدي ولدان. وهو ما يعني أنني لا يجب أن أتمتع بحياة جنسية في نظر المجتمع”.

يُصال الوصم الاجتماعي النساء غير المتزوجات ليصل إلى العار من شراء وسائل منع حمل. توضح ستيفاني صليبي، صيدلانية في عاليه، أن “البعض يفضلن/ون الصيدليات الواقعة على أوتوستراد، لأنها لا تعرف هوية الزبائن، مقارنة بالصيدليات القريبة أو الواقعة في وسط عاليه أو الأحياء الضيقة. ما زال أسهل وأقل إحراجًا شراء حبوب منع الحمل عن غيرها من وسائل الحماية الجنسية”.

يشكل انعدام الخصوصية إحدى المشكلات التي تمنع وصول النساء إلى خدمات الصحة الجنسية. هذا بالإضافة إلى تابوهات أبوية تصم الجنس خارج إطار الزواج والطلاق والانتماء إلى مجتمع الميم عين. 

في هذا الإطار، تخبرنا جوردان (اسم مستعار)، 17 سنة وتُعرّف نفسها بأنها من مجتمع الميم عين، عن تجربتها في الحصول على منتجات الصحة الجنسية في منطقة الشوف التي تبعد ما يقارب الساعة والنصف عن العاصمة، بعد أن خاضت علاقة جنسية مع شخص بعمرها.

“خضت أول تجربة حميمة لي عندما كان عمري 16 سنة. لكن لا أتجرأ على ممارسة الجنس باستمرار بسبب استحالة الحصول على أي من المنتجات التي تقيني الأمراض والعدوى الجنسية من ضيعتي البعيدة في الشوف. لذلك، أضطر إلى شرائها من بيروت أو إلى قطع مسافة نصف ساعة بالسيارة إلى ضيعة بعيدة نسبيًا عن ضيعتي. بينما تبعد عني الصيدلية خمس دقائق”.

المراهقات/ين.. سن الرشد عائق أمام خدمات الصحة الجنسية

كما توضح جوردان أن أمها لم تكن الداعمة الوحيدة في العائلة، وأنها تلقت هذا الدعم من أختها أيضًا. “أختي عرضت عليّ أن ترافقني إلى إحدى الجمعيات التي توفر خدمات الصحة الجنسية والإنجابية في بيروت. وذلك عندما اشترطت الجمعية وجود راشد/ة من أقاربي معي لعدم بلوغي سن الرشد. لكنني لم أوافق أن ترافقني. أقدر دعمها، لكنني لا أشعر بالارتياح عند وجود أقاربي معي”.

تعمد بعض الجمعيات إلى تحديد سن أدنى للفحوصات وهو 16 عامًا وتمتنع عن القيام بها لمَن هن/م دون هذا السن، إن لم يكن/ونوا برفقة أحد الأقارب البالغات/ين سن الرشد. وذلك لأن نتيجة الفحص قد تكون ايجابية، ما يجبر المريض/ة على أخذ دواء معين يجب أن يعلم أهله/ها به، بحسب القانون اللبناني الذي لا يمكن للجمعيات خرقه. كما ينطبق هذا القانون على الأطباء/ الطبيبات

توضح الباحثة القانونية جوري يونس أن بعض الباحثات/ين الحقوقيات/ين يعتبرن/ون أن القاصرات/ين لا يحق لهن/م اتخاذ قرارات معينة وأنهن/م بحاجة لوصي/ة، بحسب القانون اللبناني. لكن الدستور اللبناني ينص أيضًا على أن لبنان “عضو مؤسس و عامل في منظمة الأمم المتحدة، وملتزم بمواثيقها و الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”. منها اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 التي تكفل المادة 13 منها حق الطفل/ة في “حرية طلب جميع أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها وإذاعتها”.

تضيف يونس أن هناك تناقض بين القوانين المحلية والمعاهدات الدولية. لكن بحال وجود هذه التناقضات، تُبدى المعاهدات الدولية على القانون المحلي الذي يضمن أيضًا بعض حقوق القاصر/ة المتميز/ة – أي أكبر من 12 عامًا. في هذه الحالة، يُمكن على الأقل توفير الفحوصات لمَن هن/م تحت سن الرشد.

ويجب أن تقدم المعلومات اللازمة للقاصر/ة المتميز/ة الذي/التي قد طلب/ت فحوصات طبية لا تؤدي لأي ضرر في صحته/ها. بل يعتبر القانون ذلك نفعاً محضاً صحيحًا يحفظه قانون حقوق المرضى/المريضات والموافقة المستنيرة. إذ ينص في مضمونه على تزويد القاصرات/ين بالمعلومات عن الفحوصات والأعمال الطبية الضرورية لوضعهن/م الصحي، وفقاً لسنهن/م، تكمل يونس.

لا حماية صحية جنسية لمثليي ومثليات الجنس

تواجه جوردان مشاكل مضاعفة بسبب هويتها الجنسية. فهي تنتمي إلى مجتمع الميم عين وتقطن في قرية نائية، ولم تبلغ سن الرشد بعد. يلعب تفهُّم الأهل دورًا أساسيًا في هذه الحالات لمساعدة المراهقات/ين على المحافظة على الصحة الجنسية.

تكمل جوردان في هذا الخصوص: “أحاول تخبئة هويتي الجنسية ونشاطي الجنسي عن مجتمعي الضيق، لأنني لا أريد أن تسمع أمي وأختي آراء الناس وتتأثرا بها. تعرف أمي عن هويتي الاجتماعية وميولي الجنسية. جلبت لي الواقي الذكري مرة، لأنها تريد مني أن أمارس جنسًا آمنًا. لكن ذلك لا يعني أنها تتقبل ميولي أو هويتي بشكل كامل”. 

يوضح رئيس جمعية “براود ليبانون”، بيرتو قانصو، التي تعنى بحقوق المثليين/المثليات أن “المثليين/ات لا يمكنهن/م الوصول إلى خدمات الصحة الجنسية في لبنان إلا في العاصمة. وذلك بسبب الهوموفوبيا، وأن خدمات الصحة الجنسية لا تتوفر في القرى. إنما تقتصر فقط على خدمات الصحة الإنجابية للمتزوجات”.

وهذا ما توضحه أرقام وزارة الصحة حول عدد الحالات الاستشفائية التي تعالجت على نفقة وزارة الصحة في العام 2023. إذ توضح الأرقام أن مجموع الحالات التي تعالجت على نفقة الوزارة من أمراض متعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية هي 4 في كل لبنان. أما الحالات التي تعالجت من فيروس نقص المناعة على نفقة الوزارة من العام ذاته، فهي 5. وذلك مقارنةً بـ6,933 حالة تعالجت من السرطان في مراكز الرعاية الصحية الأولية، بحسب أرقام حصلنا عليها بالتعاون مع “مبادرة غربال”.

المجموع أمراض متعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية فيروس نقص المناعة السرطان القضاء
331     331 عاليه
902   1 901 بعبدا
410     410 بعلبك
280   2 278 البقاع الغربي
588     588 بنت جبيل
108     108 حاصبيا/ شبعا
39     39 جزين
493     493 مرجعيون
423   2 421 المتن
957 1   956 النبطية
222     222 راشيا
773 2   771 صيدا
318 1   317 الشوف
666     666 صور
432     432 زحلة
6942 4 5 6933 المجموع
المصدر: وزارة الصحة، 2023

الجدير بالذكر أن هذه الأرقام توضح الحالات التي لجأت إلى مراكز الرعاية الصحية الأولية في لبنان. وهي ليست مجمل الحالات التي تلقت العلاج من “البرنامج الوطني لمكافحة السيدا والسل”. إذ يبلغ عدد تلك الحالات 2,298 حالة تراكمية منذ 1984 حتى اليوم. وبلغ عدد هذه الحالات 255 حالة سنة 2023، وحوالي 100 حالة سنة 2024، إلى حين نشر هذا التحقيق، بحسب مديرة “البرنامج الوطني لمكافحة السيدا والسل” الدكتورة هيام يعقوب. 

منع التثقيف الجنسي المدرسي يسبب غياب الوعي

قد يكون انخفاض سعي اللبنانيات/ين إلى خدمات الصحة الجنسية، خاصة في القرى، ناتجًا أيضًا عن غياب التثقيف الجنسي. إذ أُدخلت التربية الجنسية إلى المدارس في لبنان سنة 1995، قبل أن تُسحب سنة 2000 تحت ضغط السلطات الدينية. 

نشر معهد BMC للأبحاث الطبية سنة 2021 دراسة تهدف لقياس مدى معرفة النساء بالأمراض المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية في كافة المناطق اللبنانية. لتحقيق هذا الهدف، وزعت استمارة تتضمن أسئلة متعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية، منها أسئلة متعلقة بالأمراض المنقولة جنسيًا والأمومة وغيرها.

بلغ عدد المُشاركات 491 امرأة لبنانية، منهن 137 امرأة في جبل لبنان. تبين الدراسة أن فقط 8.8% من المشاركات يملكن المعرفة الكافية حول الصحة الجنسية والإنجابية. كما تشير الدراسة أن 88% من النساء جاوبن بشكل صحيح على الأسئلة المتعلقة بالأمومة والحمل. بينما فقط 13.5% منهن أجبن بشكل صحيح على الأسئلة المتعلقة بوسائل منع الحمل. 

وسط غياب المعرفة حول المواضيع المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية، تغيب أيضًا القوانين التي تنظم حق النساء بالوصول إلى هذه الخدمات. توضح المحامية ليلى عواضة من جمعية “كفى” أن “الدولة لا تملك برنامجًا للصحة الجنسية. ولا تدعم برامج منع الحمل. هذا بالإضافة إلى تجريم قانون العقوبات للإجهاض في لبنان، ما يدفع النساء لإجراء إجهاض غير آمن قد يعرض حيواتهن للخطر”. 

تكمل: “تبدأ الحقوق الجنسية والإنجابية بالتوعية عن التخطيط الأسري وإقامة علاقات جنسية آمنة، لتفادي الحمل غير المرغوب به والوصول إلى إجهاض آمن. وهذه الحقوق واردة في الاتفاقات الدولية التي وقّع عليها لبنان، مثل اتفاقية سيداو. لكن الحكومة اللبنانية لم تطبق أي من هذه التوصيات. على سبيل المثال، الحكومة اللبنانية لا تقدم تغطية صحية سوى تغطية الصحة الإنجابية التي يقدمها الضمان الاجتماعي للنساء العاملات أو المضمونات على أسماء أزواجهن”. 

في المقابل، لم يتم تقديم أي قانون متعلق بالصحة الجنسية والإنجابية. لكن يجري العمل على مسودة قانون بهذا الخصوص. توضح ميريم صفير، مديرة “المعهد العربي للمرأة في الجامعة اللبنانية الأمريكية”، أن “المعهد هو جزء من مشروع بحثي عن وسائل منع الحمل، يقوده منتدى البرلمان الأوروبي للصحة الجنسية والإنجابية. تشغل النائبة حليمة قعقور منصب مستشارة به. نعمل مع قعقور على مسودة قانون متعلق بالصحة الجنسية والإنجابية، بناءً على إحدى التوصيات المذكورة في الدراسة”. 

تتضمن الدراسة المنشورة تحت عنوان “إمكانات غير مستغلة: التغلب على الحواجز أمام تنظيم الأسرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” توصيات متعلقة بتنظيم الأسرة وتحسين الوصول إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية.

وتشمل: “الاعتراف بالحق في اختيار عدد الأطفال/الطفلات وتوقيتهن/م والفترات الفاصلة بينهن/م، من خلال تعديلات تشريعية أو مراجعات للسياسات. والدفع نحو تطوير أو تعزيز سياسة أو استراتيجية وطنية رسمية تتعلق بتنظيم الأسرة، بما يتماشى مع الأهداف الأوسع للصحة الإنجابية. وتضمين مجموعة واسعة من وسائل منع الحمل، بما في ذلك وسائل منع الحمل طويلة الأمد والقابلة للعكس (مثل اللولب والغرسات وغيرها)، وحبوب منع الحمل الطارئة في قائمة الأدوية الأساسية الوطنية لضمان الوصول والاختيار لجميع الأفراد”.

المراكز الرسمية.. توفر خدمات الصحة الإنجابية وتغض النظر عن الصحة الجنسية

تقع مسؤولية توفير هذه الخدمات على عاتق المستوصفات والمستشفيات الحكومية بشكل أساسي، خصوصًا بظل عجز الجمعيات على التوسع في كافة الأراضي اللبنانية.

تتشرح ناديا بدران، رئيسة جمعية SIDC التي توفر خدمات الصحة الجنسية والإنجابية أن: “خدمات مراكز الرعاية الصحية الأولية التابعة لوزارة الصحة والموجودة في جميع مستشفيات لبنان ترتكز على خدمات الصحة الإنجابية وتفتقر لخدمات الصحة الجنسية. أي أنها لا توفر علاجات وفحوصات للأمراض والعدوى المنقولة جنسيًا. بل توفر الجمعيات هذه الخدمات، ومعظمها موجودة في بيروت وجبل لبنان وبعض مناطق البقاع”.

تتناقص ميزانية وزارة الصحة بوصفها حقيبة خدماتية في الحكومة اللبنانية، بينما تتعثر ولادة حكومة جديدة وسط فراغ رئاسي لا يبدو أنه سينتخب قريبًا. ينعكس هذا التناقص على المؤسسات الصحية الحكومية التي تواجه صعوبات تمويلية عدة بظل تدهور سعر الصرف. في سنة 2017، بلغت ميزانية وزارة الصحة ما يقارب 708.5 مليار ليرة لبنانية، أي ما يقارب 472 مليون دولارًا، بحسب “مبادرة غربال”. 

انخفضت هذه الميزانية إلى ما يقارب 692 مليار سنة 2020، بانخفاض 6.82% عن العام السابق. وهو ما يبدو أنه ليس انخفاضًا مهولًا بالليرة اللبنانية. إلا أن انخفاض سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار أدى إلى فرق كبير بالميزانية المُقررة بالعملة المحلية. 

ينعكس ذلك على نوعية الخدمات المتاحة كما أنه يؤثر سلبًا على أداء الموظفات/ين. توضح بدران في هذا الخصوص: “هناك كلفة للعاملات/ين في مجال تقديم الخدمات المتعلقة بالصحة الجنسية في المستشفيات الحكومية التي لا تقدر الوزارة على تغطيتها. كما أن هناك بعض البرامج التي تدعم هذه الخدمات بالتعاون مع الجمعيات المحلية، منها “البرنامج الوطني لمكافحة السيدا”. حيث يقدم للجمعيات دعمًا بالمواد الأولية والعاملين/ات في المجال الصحي. لكن الدعم أقل بكثير من الحاجة. كما أن الدعم لا يتيح للجمعيات افتتاح مراكز بكل لبنان. نقص التمويل هو العائق الرئيسي أمام التوسع”.

توضح الدكتورة هيام يعقوب، مديرة “البرنامج الوطني لمكافحة السيدا والسل” التابع لوزارة الصحة في لبنان أن: “البرنامج الوطني لمكافحة السيدا والسل تأسس في أوائل الثمانينات. ويقدم عدة خدمات، منها وضع دليل إرشادي لطرق الكشف المبكر والتشخيص والعلاج والوقاية من فيروس نقص المناعة. كما يؤمن التشخيص والفحوص المخبرية، ويوزع الأدوية مع المتعايشين/ات مع الفيروس. يعمل هذا البرنامج مع جمعيات المجتمع المدني العاملة مع متعايشات/ي فيروس نقص المناعة. بعد دمج برنامج السيدا والسل في أوائل هذه السنة، نستخدم موارد البرنامجين للعمل مع مرضى/مريضات السل والسيدا”.

رغم تعاون البرنامج مع عدة مراكز صحية وجمعيات في كافة المناطق اللبنانية، إلا أن للعمل في الأرياف عوائق خاصة. تكمل يعقوب في هذا الإطار، “العائق الأول هو الوصمة والعار. والعائق الثاني هو أن مركز توزيع الأدوية موجود في بيروت. بعد دمج برنامجي السل والسيدا، نستخدم مراكز برنامج السل لإتاحة الفحوصات. وممكن أن تصبح أدوية الصحة الجنسية متاحة في هذه المراكز مستقبلًا لتخفيف عناء الوصول إلى بيروت”. 

تضيف يعقوب أن “وصمة العار تشكل عائقًا آخرًا وتمنع الأشخاص من الوصول إلى هذه الخدمات. كما قد يتم التهجم على الأشخاص اللواتي/الذين يعملن/ون في هذه الجمعيات، بسبب العمل على مواضيع يعتبرها أهالي هذه المناطق حساسة”.

رغم أن البرنامج يتعاون مع جمعيات عدة، إلا أن “هذه الجمعيات أيضًا متمركزة في بيروت والمدن في جبل لبنان، باستثناء بعض المراكز في بعض المناطق النائية. وهي مشكلة نبحثها مع الجمعيات”، تكمل يعقوب. 

تضيف يعقوب: “المراكز التابعة لشبكة الرعاية الصحية الأولية يبلغ عددها 177 مركزًا تقدم خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، منها المشورة والتوعية والفحص السريع. كما هناك 12 مركز يعني بموضوع تقديم الدعم للناجيات/ضحايا الاغتصاب. كما هناك 45 منظمة تابعة للأمم المتحدة ومنظمات المجتمع الأهلي العالمية تعنى بهذا الموضوع”.

هكذا، يُمنع كثير من سكان المناطق المهمّشة من الحصول على حقوقهن/م الأساسية في إجراء فحص طبي بسيط. كما تحرمهن/م المركزية والإفقار من خدمات الصحة الجنسية، لأنه لا مواصلات ميسرة إلى العاصمة، أو قدرة مادية للوصول إلى هذه الخدمات. وهو ما جعلها حكرًا على أقلية مقتدرة ومتمركزة في العاصمة.

تحقيق: نورهان شرف الدين 

“أُنتج هذا التقرير بالتعاون مع المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية DRI، ضمن مشروع الأصوات المستقلّة: دعم صناعة المحتوى المبتكر والمتمحور حول المواطنين والمواطنات في الإعلام اللبناني”.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد