الحب أعمى.. نظرة معمّقة على العلاقات من خلال عدسة المساواة

برنامج “الحب أعمى” (Love is Blind) كما يعرّفه مقدمي البرنامج، الفنان خالد صقر وزوجته الفنانة إلهام علي، هو تجربة اجتماعية.

تهدف هذه التجربة إلى استكشاف العلاقات الرومانسية بشكل غير تقليدي. حيث يتعرّف المتسابقات/ون على بعضهن/م دون رؤية الطرف الآخر، لبناء روابط عاطفية”.

وعلى الرغم من أن البرنامج يقدم نفسه كتحررٍ من السطحية المجتمعية، تتجلى فيه العديد من القضايا المتعلقة بالأدوار الجندرية وعلاقات القوة. في هذا المقال، سنفتح الباب لتحليل نقدي من منظور جندريّ.

القضايا الجندرية ما تزال هي الأساس في العلاقات الرومانسية.

صفا وكريم: الديناميات الجندرية

في برنامج  “الحب أعمى حبيبي”، تقدم علاقة صفا، المديرة المالية الناجحة في مجال الطاقة، وكريم، رجل الأعمال والمدير التنفيذي، نموذجاً لعلاقة صحية من منظور جندري.

ما يميز هذه العلاقة هو الاحترام المتبادل بين الطرفين. حيث كان واضحًا تمسّك صفا ودفاعها عن عملها الذي يتطلب السفر بشكل متكرر، وتركيزها على الطموح والإنجاز المهني. في المقابل، اختار كريم أن يكون شريكًا داعمًا. يشجع صفا على متابعة أحلامها رغم التحديات والصعوبات، بدلاً من أن يشعر بالتهديد من حياتها المهنية.

تمثل هذه العلاقة نموذجًا لعلاقات مبنية على المساواة. حيث لم تُختصر صفا في أدوار تقليدية مثل الشريكة أو الأم فقط. كانت شريكة في القرارات اليومية والحياتية، وكان شريكها يقدّر مساهماتها الفكرية والعملية. وهو ما يعكس التوازن في توزيع السلطة بينهما. كما لم تتردد صفا في التعبير عن قرارها بالتمهل بالإنجاب بعد الزواج، لمدة عام على الأقل.

يُعد هذا الموقف خطوة مهمة في تعزيز مبدأ الاستقلالية الشخصية للمرأة وحقها في اتخاذ قراراتها بشأن حياتها الخاصة، وبصحتها الإنجابية وجسدها بما في ذلك قرارات تتعلق بتوقيت الإنجاب. كريم، بدلاً من الضغط عليها أو فرض آرائه، على غرار بعض النماذج الذكورية التي نصادفها في حياتنا اليومية، أبدى دعماً كاملاً لهذا القرار، معترفاً بأهمية الوقت والمساحة التي تحتاجها صفا لمواصلة تطورها المهني والشخصي.

هذا الاحترام المتبادل يعكس نموذجاً صحياً للشراكة. حيث يُعتبر قرار المرأة فيما يتعلق بالجوانب الحياتية الهامة جزءاً لا يتجزأ من علاقتها مع شريكها. علاوة على ذلك، يعزز هذا الموقف فكرة أن الزواج لا يعني التضحية بالأهداف والطموحات الشخصية. بل يُمكن أن يكون إطاراً داعماً لتحقيقها.

كارما وعمار: الرقص أقوى من الحب

في برنامج “الحب أعمى حبيبي” 2024 (النسخة العربية) المعروض على منصة نيتفليكس، تمثل علاقة كارما (صاحبة عمل، 29 سنة) وعمار (طبيب أسنان، 30 سنة) حالة تستدعي قراءة نسوية دقيقة.

تبرز الديناميكيات بين الحبيبين كتحدٍ لتوقعات المجتمع التقليدية حول أدوار النساء في العلاقات. كارما، التي وجدت نفسها مضطرة للاختيار بين عمار، طبيب الأسنان الناجح، وبين تحقيق شغفها في الرقص، اختارت بقوة ووضوح الاستقلالية. ورفضت الاندماج في علاقة قد تُحد من خياراتها الشخصية. 

هذا الرفض يأتي كموقف واضح لرفض المرأة الضغوط المجتمعية التي قد تفرض عليها قبول الشريك بناءً على مواصفات مهنية أو مادية، بدلاً من القيم التي تؤمن بها. رغم محاولات عمار اقناعها بترك الرقص، بقيت كارما مخلصة لشغفها وشعورها بالحرية في تقرير مصيرها.

هذا الموقف يتحدى القوالب النمطية التي تحصر النساء في دور التضحية بالرغبات الشخصية لتحقيق الاستقرار في العلاقات العاطفية. كانت كارما واضحة في جوابها حين قالت: “أنا قررت ما انكمل مع بعض، لأنني اخترت الرقص والفن وحياتي بكل صراحة”. وتابعت “أنت تطلب مني التخلي عن كياني وعن شيء عشت معه حياتي كلها”.

ثم ختمت وهي ترقص: “أنا أحب روحي أكثر من أي شيء. وكإنسانة ربي خلقني حرّة. وأتصوّر أنّ أفضل اختيار أن يعيش كلّ شخص حقيقته، وأن يحبّ روحه. وبالتالي، سيكون الحب موجودًا في كل مكان”.

تصطدم المرأة العاملة بفجوة أجور ضخمة في سوق العمل، والعنف المؤسسي لمنظومة الزواج، والعمل المنزلي والرعائي غير مدفوع الأجر.

هاجر وسيمو.. التحكم والسيطرة

العلاقة بين سيمو (أعمال تجزئة، 34 عاما)  وهاجر (صاحبة عمل، 29 سنة)  في “الحب أعمى” تطرح تساؤلات حول السيطرة والتحكم في العلاقات.

على مدار البرنامج، كان واضحاً أن سيمو يحاول فرض سيطرته على العلاقة بطرق عديدة، سواء من خلال اتخاذ القرارات المهمة أو محاولة تقييد هاجر في تصرفاتها. حتى وصل به الأمر إلى إجبارها على الاعتذار لقولها نكتة عن رغبتها في تجربة علاقة جنسية قبل الزواج في حفلة توديع العزوبية الخاصة بها.

قام سيمو بتعنيفها، معتبرًا أن ما قالته يقلل من قيمتها ويُسيئ إلى صورتها وسمعتها، ويحقّر العادات والتقاليد والتربية التي نشأت عليها.

هذه الديناميكية تبرز مشكلة التمييز الجندري التقليدي الذي يفترض أن الرجل يجب أن يكون هو “صاحب القرار” و”القوي” في العلاقة. بينما على المرأة التكيف أو الخضوع. كما يظهر مدى توغّل العقليّة الذكورية الأبوية في المجتمعات الناطقة بالعربية، التي تفرض على النساء سلوكًا معينًا وخيارات معينة، وتعيّب عليهن عدم الالتزام بها.

هاجر من جهتها، كانت تُظهر نزعة استقلالية وشخصية قوية. لكنها غالبًا ما كانت تجد نفسها في مواجهة مع توقعات سيمو، حول كيف على المرأة التصرّف، ومساعيه لخلق علاقة غير متكافئة.

التحليل لهذه العلاقة يركز على أهمية إعادة النظر في مسألة السيطرة والعلاقات المتوازنة، بحيث لا يكون أحد الطرفين مسؤولًا بشكل دائم عن القيادة أو القرارات.

دنيا وشفيق.. الخوف من الالتزام

علاقة دنيا (صانعة محتوى، 24 سنة) وشفيق (رجل أعمال، 27 سنة) كانت مثالاً واضحاً على قضية التردد والخوف من الالتزام.

كانت دنيا تشعر بعدم استعدادها لاتخاذ خطوة الزواج، على الرغم من التفاهم والتوافق الواضحين بينهما. من منظور نسوي، يمكن النظر إلى تردد دنيا على أنه تعبير عن محاولة إعادة التفكير في مفهوم الزواج التقليدي والالتزامات المرتبطة به.

تظهر هذه العلاقة أهمية احترام اختيارات النساء في العلاقات، بما في ذلك حقهن في تقرير متى وكيف يتم الالتزام الجدي دون ضغط اجتماعي أو ثقافي.

نور وميدو.. الازدواجية والأدوار التقليدية

علاقة نور (29 سنة، عارضة أزياء) وميدو (مستشار عقاري، 39  سنة)  تسلط الضوء على قضية المادية والأدوار التقليدية في الزواج.

تتبنى نور منظورًا أبويًا للعلاقات، والتي تعتبر الرجل معيلًا رئيسيًا، وتقول “يلي خربولنا بيتنا هني الـfeminist”. تبنّت نور نظرة نمطية عن الأدوار الجندرية وعن نظرة المجتمعات المحافظة التقليدية للتيارات النسوية، في تسخيف تام لما قادته هذه التيارات من نضالات، لإعطاء النساء حرية الإختيار، في الملبس والعمل، والدين، والزواج وكل تفاصيل الحياة.

قد تكون نور بدورها ضحية نموذج مجتمعي أبوي ساهم في ترسيخ أدوار جندرية معينة وضعت النساء في قوالب معلّبة، وحدّت من خياراتهن وقيّدتها. إذ تصطدم المرأة العاملة بفجوة أجور ضخمة في سوق العمل، والعنف المؤسسي لمنظومة الزواج، والعمل المنزلي والرعائي غير مدفوع الأجر.

من جهة أخرى، بدى واضحًا رفض ميدو للمرأة “الباربي”، كما وصف نور في آخر البرنامج. فميدو وجد في اهتمام المرأة بشكلها ولبسها وتصرّفاتها المنمّقة مشكلة كبيرة. فما وصفه بـ “الأنوثة المفرطة” التي كانت عامل جذب رئيسي لنور، أصبح هو السبب الرئيسي للنفور منها.

وهو ما يعكس ازدواجية المعايير لدى غالبية الرجال والرغبة في ما هو ليس متاح. هذه الفكرة التقليدية عن العلاقات تفترض أنه مهما تفعل النساء، سوف يبحث الرجال عن أخريات لأسباب غير منطقية.

يُظهر هذا النموذج ضرورة إعادة تقييم التوقعات وتحدي الأدوار التقليدية، والبحث عن نماذج للعلاقات تسمح بالاستقلالية والاعتماد المتبادل.

في المحصّلة، “الحب أعمى” يقدم مادة خصبة لتحليل العلاقات من منظور نسوي. حيث تظهر في كل علاقة ديناميات متعلقة بالجنس، والسلطة، والتوقعات المجتمعية.

من خلال تسليط الضوء على هذه العلاقات، يمكننا رؤية كيف أن القضايا الجندرية ما تزال هي الأساس في العلاقات الرومانسية. لذا، هناك حاجة مستمرة لتعزيز التفاهم المتبادل وتوازن علاقات القوة بين الشريكات/الشركاء.

كتابة: باولا عطية

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد