السجن أربع سنوات بحق التيك توكر التونسية شموخ
على خطى الأنظمة المصرية والكويتية والعراقية، يتجه النظام التونسي إلى فرض القبضة الأبوية على المجتمع من خلال سجن النساء بتهم نشر “الفاحشة” والتعدي على قيم المجتمع.
فقد شن النظام حملة اعتقالات شملت ثلاث شابات وعابرة جندريًّا وشاب، في توجه سينتج بلا شك انقضاضًا أكبر على الحريات الفردية.
سجن صانعات المحتوى واستدعاء قيم المجتمع
في سياق هذه الهجمة الأبوية على وجود النساء في الفضاء العام، قضت محكمة تونسية، يوم 31 تشرين الأول/ أكتوبر بالسجن أربع سنوات ونصف بحق “شموخ”. وهي صانعة محتوى على منصتي إنستغرام وتيك توك بتهمة “المجاهرة عمدًا بالفاحشة”، ونشر محتوى “غير أخلاقي” على مواقع التواصل الاجتماعي حسب القضاء التونسي.
شموخ التونسية، هي شابة تونسية، تبلغ من العمر 24 عامًا اكتسبت شهرتها من نشاطها على منصة تيك توك. حيث يتابعها ثلاثة ملايين شخص، وتحظى بثوثها بانتشار واسع في البلاد.
هذا الحكم يعد إعلاناً سياسياً عن بداية استخدام الدولة التونسية لفصل جديد من الضبط والتحكم في حيوات النساء، من خلال ملاحقتهن على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتقالهن بتهم تخريب قيم المجتمع. قيم لا يتم استدعائها إلا للقهر وبسط السلطة الأبوية، ولا تتأسس سوى على اضطهاد النساء ووضع القيود على أجسادهن وكيانهن.
تأتي هذه الحملة بعد أن أصدرت وزراة العدل التونسية بياناً قالت فيه أن “وزيرة العدل أذنت للنيابة العمومية باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة وفتح أبحاث جزائية ضد كل من يتعمّد إنتاج أو عرض أو نشر بيانات معلوماتية أو بث صور أو مقاطع فيديو تحتوي على مضامين تمس من القيم الأخلاقية”.
على إثر ذلك ذكرت إذاعة “موزاييك اف ام” أن المحكمة الابتدائية بتونس قضت “بالسجن مدة أربعة أعوام وستّة أشهر في حق صانعة محتوى ورفض الإفراج عن أربعة آخرين/ات من صناع/صانعات المحتوى على شبكات التواصل الاجتماعي وتأخير النظر في شأنهن/م إلى الأسبوع القادم”.
الضبط السياسي للأجساد والجندر
في هذا السياق، فإن اتجاه الدول الأبوية في المنطقة على غرار تونس ومصر، نحو استخدام السجن والاعتقال التعسفي لفرض الهيمنة الأبوية على المجتمع يأتي في ظل تنامي خوف الأنظمة القائمة من مقدرة النساء على التحرر من ضوابط وقواعد النظام الأبوي. حيث استطاعت الكثيرات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أن يعبرن عن أنفسهن خارج التنمطيات والثنائيات الأبوية التي تفرض القسر والعنف على أجسادهن.
شهد ظهور النساء على منصات مثل تيك توك وانستغرام كثافة غير مسبوقة، وأصبح إنتاج المحتوى الخاص بهن بمثابة تمرد على التشكيلات الأبوية للجسد والظهور الجندري. وهو ما شكل نوعًا جديدًا من الهويات البصرية للنساء يخالف تمامًا ما تنص عليه السلطة الأبوية في العائلة والمجتمع والدولة.
إن تدخل الدولة لإعادة ضبط صورة المرأة في الوعي الجمعي بصفتها جسدًا خاضعًا للقواعد والحجب يعد امتدادًا لمفهوم السلطة الأبوية التي يمثلها هذا الجهاز من خلال الرئيس، الذي يمثل الرمز الأبوي القادر على قمع كل من يحاول التحرر من حكمه.
ليس اعتقال النساء بتهم الإخلال بقيم المجتمع بمنفصل عن اعتقالهن بتهم التآمر على أمن الدولة والإخلال بقوانينها. حيث اعتقلت عشرات الناشطات في تونس بهذه التهم، بسبب نشاطهن السياسي المناهض للنظام القائم في البلاد، ووقوفهن ضد السياسات القمعية التي طالت المهاجرين/ات والنساء والأصوات المعارضة.
بولسة الفضاء العام في تونس ترجع البلاد إلى مربع الصفر بعد مرور عقد من الزمن على الثورة على النظام السابق. ثورة قامت ضد نفس السياسات الحاصلة، حيث تتفنن الدولة في قمع الحريات الفردية وسن السياسات الطبقية والعنصرية.
سجن شموخ وغيرها من صانعات المحتوى بتهم إخلال قيم المجتمع، يوجه السلطة الأبوية نحو محاكمة الأجساد غير المنضبطة جندريًّا ووضع قيود على الفضاءات المتخيلة. حيث يعتقل الجسد بصفته قادراً على التشكل الهوياتي الخارج عن السيطرة، حتى ولو كان في فضاء إلكتروني.