إسكات الأصوات الفلسطينية واللبنانية.. معركة السردية الإعلامية

في ظل الحروب المستمرة في الشرق الأوسط، تتعرض الأصوات الفلسطينية واللبنانية لمحاولات إسكات واسعة، تتبناها بعض المنصات الإعلامية وشبكات التواصل الاجتماعي العالمية.

فمن خلال دعم وترويج روايات معينة على حساب الأخرى، تتجلى مساعٍ لتشكيل الرأي العام حول الحروب الإسرائيلية في فلسطين ولبنان. هذا الدعم للروايات يظهر بوضوح في تغطيات بعض المنصات مثل “بي بي سي” وتعديل المحتوى على “ويكيبيديا”، إضافة إلى سياسات “ميتا” التي تُتهم بالتضييق على المحتوى المؤيد للفلسطينيين/ات.

ويكيبيديا.. ساحة لتعديل السردية التاريخية

يعتبر موقع “ويكيبيديا” من أكثر المصادر المعلوماتية انتشارًا حول العالم، ما يجعله هدفًا مهمًّا للمجموعات الصهيونية التي تسعى لتوجيه السردية لصالح إسرائيل.

مؤخرًا، لوحظ إضافة وصف “بعلبك هي معقل حزب الله” إلى الصفحة التعريفية الخاصة بهذه المدينة اللبنانية، وهي عبارة لم تكن موجودة قبل بدء العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان.

وفقًا لتقارير من “الجارديان” و”الانتفاضة الإلكترونية”، تقوم بعض المجموعات الصهيونية بتنسيق حملاتٍ متواصلة لتعديل محتوى “ويكيبيديا”، بهدف تغيير الصورة السلبية التي قد تُظهر إسرائيل في بعض المقالات.

تعمل هذه المجموعات على تدريب متطوعين/ات وإعدادهم/ن لتعديل المحتوى الرقمي، أو بالأحرى تشويهه، مع التركيز على مواضيع مثل الصراعات التاريخية والقضايا السياسية. مساعٍ تهدف إلى رسم صورة أحادية تخدم الرواية الإسرائيلية.

فبواسطة هذه الحملات، يتم إخفاء حقائق معينة أو تحريف الأحداث التاريخية لصالح البروبغندا الصهيونية، في حين يتم تهميش الروايات الفلسطينية واللبنانية. هذا التأثير على “ويكيبيديا” له أهمية كبيرة نظرًا لشعبية الموقع وانتشاره كمرجع مفتوح لملايين القراء حول العالم.

“بي بي سي” وانحياز التغطية الإعلامية

دعا أكثر من 230 صحافيٍّ بريطانيٍّ، من بينهم/ن 100 موظف في “بي بي سي”، المؤسسة إلى مراجعة سياساتها التحريرية بعد اتهاماتٍ بانحيازها في تغطية الحرب على غزة.

جاء في رسالة وجهها هؤلاء الصحافيون/ات إلى المدير العام تيم ديفي، أن “بي بي سي” فشلت في التزام معايير العدالة والدقة في تقاريرها حول الحرب الإسرائيلية في فلسطين. وطالبت الرسالة المؤسسة بتوضيح العوائق التي تواجهها وسائل الإعلام للوصول إلى غزة وتحديدًا تقييد إسرائيل لوسائل الإعلام الدولية.

أصر/ت الموظفون/ات على ضرورة تقديم تغطية تستند إلى الأدلة وذكر مرتكبي/ات الجرائم، مطالبين/ات “بي بي سي” بأن تتحدى ممثلي/ات الحكومة الإسرائيلية وجيشها في المقابلات بدلًا من الاكتفاء بنقل رواياتهم/ن دون نقد.

على الرغم من هذه الانتقادات، نفت “بي بي سي” هذه الاتهامات مؤكدةً أنها تبذل جهدها لتقديم الخبر الأكثر دقة وحيادية. ومع ذلك، لم تمنع هذه التصريحات وقوع مظاهرات ضخمة في لندن احتجاجًا على انحياز المؤسسة لصالح إسرائيل، حيث احتشد/ت المتظاهرون/ات أمام مكاتب “بي بي سي”، تعبيرًا عن رفضهم/ن للتغطية غير عادلة للأحداث في غزة.

سياسات “ميتا” وسرية الصوت الفلسطيني

تتجاوز محاولات إسكات الصوت الفلسطيني الإعلام التقليدي، لتصل إلى عالم التواصل الاجتماعي. حيث تُتهم “ميتا” (الشركة المالكة لفيسبوك وإنستغرام) بالتضييق على المحتوى المؤيد للفلسطينيين/ات، من خلال حذف منشورات أو وضع علامات خاطئة على محتويات معينة لإخفاء رواية معينة.

نشر موقع “الجزيرة +” تحقيقًا مع موظف سابق في “ميتا”، وهو مهندس فلسطيني-أميركي يُدعى عمر، طُرد بعد محاولاته تعديل سياسات الشركة تجاه المحتوى المتعلق بغزة. وفقًا للتحقيق، صُنف بعض المنشورات المتعلقة بالمذابح في غزة ضمن محتوى “إباحي”، في حين أنها كانت توثق انتهاكات إسرائيل بحق المدنيين/ات الفلسطينيين/ات.

هذا التضييق على محتوى الفلسطينيين/ات دفع بعض المستخدمين/ات والنشطاء إلى دعوات مقاطعة “ميتا”، حيث يتهمون/يتهمن الشركة بتحيّزٍ واضح، ويعبرون/يعبّرن عن استيائهم/ن من تقييد المنشورات وحذفها، وإيقاف حسابات مؤيدة للقضية الفلسطينية.

يُعتبر هذا التضييق جزءًا من حملة أوسع لإسكات الأصوات المناصرة لفلسطين والحد من انتشار رواياتها، وهو ما يعكس تأثير شبكات التواصل الاجتماعي في توجيه الرأي العام.

في المحصّلة، تتخذ الحرب الإعلامية أساليب متعددة لإسكات الأصوات الفلسطينية واللبنانية، وتشويه سردياتها لصالح الروايات الصهيونية. من المنصات العالمية مثل “ويكيبيديا” التي تعمل على تعديل المحتوى، إلى “بي بي سي” التي تواجه اتهاماتٍ بالانحياز، وأخيرًا “ميتا” التي تُنتقد لحذفها محتوى فلسطينيًّا، تبرز معركة السردية كجزء لا يتجزأ من المعركة.

فبينما تبذل الجهود العالمية لإبراز صوت معين، يبقى التحدي الأبرز هو ضمان أن تصل الحقائق بكل حيادية وعدالة إلى جمهور واسع، دون تدخلات تؤدي إلى إخفاء أو تشويه روايات الشعوب المناضلة.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد