التعذيب بالأمراض والأوبئة.. أسلوب استعماري بين بريطانيا وأميركا وإسرائيل
منذ العصور الاستعمارية الأولى، عمدت الدول الاستعمارية الكبرى إلى توظيف أساليب قاسية وغير تقليدية للسيطرة على الشعوب المضطهدة، ومن بين هذه الأساليب كان نشر الأمراض والأوبئة كسلاح للتعذيب الجسدي والنفسي وكسر إرادة المعتقلين والأسرى.
وقد اشتهرت عدة أنظمة استعمارية مثل بريطانيا والولايات المتحدة وإسرائيل باستخدام هذا النوع من التعذيب. وما زال يُمارَس حتى اليوم، كما يتجلى في المعاملة الوحشية للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
إسرائيل.. الجرب كسلاح في سجون الاحتلال
كشف كلّ من “نادي الأسير/ة الفلسطيني/ة” و”هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين/ات” مؤخرًا عن استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي لمرض الجرب كأداة تعذيب في سجن النقب، حيث ينتشر المرض بشكلٍ واسعٍ بين المعتقلين/ات الفلسطينيين/ات.
وذكر البيان المشترك للمنظمتين أن 25 من أصل 35 معتقل/ة زارهم/ن المحامون/المحاميات بين 27 و30 تشرين الأول مصابون/ات بالجرب. وبدلًا من توفير العلاج، تنتهج سلطات الاحتلال سياسةً تُسهِم في تفاقم الوضع من خلال منع الأسرى من الاستحمام بشكلٍ كافٍ، وحرمانهم/ن من الملابس النظيفة، وتجاهل توفير مواد النظافة الأساسية، ما يؤدي إلى انتشار العدوى بين المعتقلين/ات. كما يُجبر المعتقلون/ات على ارتداء ملابس رطبة ومتسخة، ما يضاعف من انتشار الأمراض الجلدية بينهم/ن، ليصبح المرض أداةً للتعذيب الجسدي والنفسي على حدٍّ سواء.
إضافةً إلى ذلك، فقد سجلت انتهاكات جسدية وجنسية بحق الأسرى في سجون النقب في آب/أغسطس الماضي، ما يظهر استمرارية هذا النهج اللا إنساني.
إن استخدام الأمراض كسلاح ليس غريبًا على أساليب إسرائيل؛ فقد قامت مرارًا بحرمان الفلسطينيين/ات من الخدمات الصحية الأساسية، ما يزيد من معاناتهم/ن ويعمق آثار الاحتلال.
بريطانيا.. الطاعون والجدري في مستعمراتها
في القرن الثامن عشر، لجأت الإمبراطورية البريطانية إلى استخدام الأمراض لإخضاع الشعوب المستعمَرة، حيث استُخدم مرض الجدري كسلاحٍ بيولوجي ضد السكان الأصلانيين في أميركا الشمالية.
في إحدى أشهر هذه الحوادث، وزعت القوات البريطانية بطانيات مصابة بفيروس الجدري على السكان الأصلانيين/الأصلانيات في أميركا بهدف القضاء عليهم/ن أو تقليل أعدادهم/ن وإخضاعهم/ن للمحتل. وقد أدى هذا الفعل إلى انتشار المرض بشكلٍ واسع، ما ألحق أضرارًا فادحة بالمجتمعات الأصلانية وأدى إلى وفاة الآلاف منهم/ن.
لم تكن هذه الممارسات عشوائية، بل كانت جزءًا من استراتيجية متعمدة لإبادة السكان أو إخضاعهم/ن وإجبارهم/ن على قبول الاحتلال البريطاني. ويُظهر التاريخ البريطاني أمثلة متعددة على استخدام الأمراض بشكلٍ منهجي ضد شعوب المستعمرات.
أميركا.. التجارب الطبية في السجون
في منتصف القرن العشرين، لجأت الولايات المتحدة إلى إجراء تجارب طبية غير إنسانية على السجناء، مثل “تجارب توسكيجي” الشهيرة، حيث أُخضع الأفارقة الأميركيون المصابون بمرض الزهري لمتابعات طبية دون تلقي العلاج بهدف دراسة تطور المرض.
لم يتم إخبار المشاركين بحقيقة مرضهم، بل تم إيهامهم بأنهم يتلقون علاجًا، بينما كانوا يُترَكون ليعانوا من آلام المرض وتبعاته. كان الهدف من هذه التجارب هو دراسة المرض على حساب أرواح وصحة المواطنين، ما يظهر بوضوح استخفاف النظام الأمريكي بكرامة الإنسان في تلك الحقبة، وخصوصًا أبناء البشرة السمراء.
التعذيب عبر الأوبئة والأمراض.. أداة قمع وسيطرة
يتضح من التاريخ الطويل لهذه الممارسات أن استخدام الأمراض والأوبئة كسلاح ضد الشعوب المستضعفة لم يكن مجرد أحداث فردية، بل هو جزء من نظام استعماري أكبر يسعى إلى السيطرة وإخضاع الشعوب.
إن تجاهل حقوق الأسرى وإهمال علاجهم/ن أو حتى تعريضهم/ن للأمراض المتعمدة، كما تفعل إسرائيل مع الأسرى الفلسطينيين/ات، يُعَد جزءًا من سياسة ممنهجة للتعذيب الجسدي والنفسي.
أصبحت الحاجة إلى تدخل دولي لحماية حقوق الأسرى الفلسطينيين/ات وغيرهم/ن من الشعوب المستضعفة أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. يجب أن تُجرَّم هذه الأساليب في السجون وأماكن الاحتجاز، وأن يُحاسَب المسؤولون/ات عنها أمام المحاكم الدولية.
إن استخدام المرض كسلاحٍ لتعذيب الأسرى يُعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان وقوانين الحرب، ويجب على العالم التحرك لوضع حد لهذه الانتهاكات ومنع تكرارها.