نساء في مراكز الإيواء بلبنان.. معاناة في ظل الحرب والأزمات الاقتصادية
تواجه النساء في مراكز الإيواء في لبنان تحديات متعددة ومعقدة، تزداد سوءًا بسبب الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتأزم في البلاد. وفي ظل غياب الدعم الكافي وضعف الرقابة، تعاني النساء في هذه المراكز من نقص الخدمات الأساسية، تعرضهن للعنف، والافتقار إلى الرعاية الصحية والنفسية المناسبة.
تشارك ليلى (اسم مستعار لتفضيل النازحة عدم الكشف عن اسمها) تجربتها مع منصة “شريكة ولكن”. هي أم لثلاثة أطفال من قرية حدودية جنوب لبنان، واضطرت لمغادرة منزلها عندما اشتد القصف الإسرائيلي تاركة خلفها ما تملكه. فأخذت أطفالها بحثًا عن مكان يحميهم، ووصلت إلى مركز إيواء في بيروت. إلا أن الواقع هناك كان بعيدًا عن المتوقع.
تواجه ليلى نقصاً حاداً في الخدمات الأساسية. تروي معاناتها قائلة: “الأطفال يبكون ليلاً من الجوع والخوف. لا توجد أغطية كافية، ونضطر للاصطفاف طويلاً من أجل مياه الشرب”. كما أنها تعاني من ضغوط نفسية نتيجة الازدحام وصعوبة الحفاظ على الخصوصية وسط الأعداد الكبيرة من النازحين/ات.
تطوّعت ضمن الاتحاد اللبناني للأشخاص ذوي/ذوات الإعاقة لتوزيع المساعدات في القرى. حتى أصبحت نازحة. نزحت مرتين خلال هذ الحرب.
اكتظاظ مراكز الإيواء غير المجهزة
في هذا الإطار، تعدد غوى نصر، منسقة البرامج في جمعية “فيمايل”، أبرز المشاكل التي تعاني منها النساء في مراكز الإيواء. وذكرت منها “اكتظاظ مراكز الإيواء الرسمية بالعائلات النازحة، حيث نزح قرابة المليون وخمسمائة نازح/ة. غالبيتهم/ن من النساء والأطفال/الطفلات والمسنات/ين. بينما تفتقر مراكز الإيواء إلى أبسط وسائل المعيشة والنظافة الشخصية، مثل الكهرباء، الماء، مكان للطبخ، وسائل التدفئة، ماكينات غسيل الملابس، برادات وغيرها الكثير”.
وترد الأسباب إلى “شح الموارد وسيطرة وهيمنة قوى أمر الواقع من أحزاب وطوائف، وسوء إدارة توزيع الموارد والاحتياجات الأساسية. تلك المتعلقة بالحيض والنظافة الشخصية وحاجيات الشتاء وغيرها من مواد أساسية يتعذر وصولها أحياناً بانتظام، تحديدًا في المناطق النائية وفي مراكز النزوح غير الرسمية والمنازل المؤجرة أو المقدمة كهبة”.
من جهتها، تشرح رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة، كلودين عون، في حديثها لـ”شريكة ولكن” أن: “الهيئة باشرت قبل العدوان، بتكليف من الحكومة، إعداد الخطّة الثانية لتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 1325 حول المرأة والسلام والأمن. وأجرت سلسلة من اللقاءات في عدد من المناطق لمعرفة حاجات النساء فيها”.
وبعد إحصاء هيئة الأمم المتحدة للمرأة نزوح 530,000 امرأة (لغاية 30/9/2024) بسبب الحرب، منهن 62,000 امرأة تعيل أسرتها، وتطبيقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 1325 حول المرأة والسلام والأمن المتضمّن في محوره الرابع تلبية حاجات النساء والفتيات في الجهود المتعلّقة بالإغاثة والإنعاش خلال النزاعات، عمّمت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى شبكة البيانات التابعة لها، أرقام الخطوط الساخنة التي نشرتها اللجنة الوطنية لتنسيق عمليات مواجهة الكوارث والأزمات لإرشاد النازحين/ات إلى مراكز الإيواء بحسب المحافظات.
كذلك سهّلت الهيئة الوطنية، بحسب عون، عملية التواصل بين الجهات والمنظمات والأفراد الذين/اللواتي يرغبن/ون في تقديم المساعدات العينية إلى مراكز الإيواء. وكذلك بين هؤلاء وبين منسّقي/ات توزيع هذه المساعدات في المحافظات بحسب الحاجة في كلّ مركز. وذلك من خلال نشر أرقام التواصل على المنصّات التابعة لها.
View this post on Instagram
نقص التمويل وضعف البنية التحتية
تعاني معظم مراكز الإيواء في لبنان من نقص كبير في التمويل، ما يؤدي إلى ضعف البنية التحتية وقلة الخدمات المقدمة للنساء المقيمات فيها. وتفتقر هذه المراكز غالبًا إلى التجهيزات الضرورية لتوفير إقامة آمنة وصحية. ومع غياب الدعم الكافي من الحكومة والمنظمات الدولية، تصبح هذه المراكز غير قادرة على تلبية احتياجات النساء الأساسية.
واستجابةً للأزمة المتفاقمة بسبب الحرب في لبنان، تقوم جمعية “فيمايل” بتقديم الدعم للأسر النازحة من خلال عدة أنشطة محورية. حيث شرحت نصر، أنّه “يتم إجراء تقييمات للاحتياجات في الملاجئ والأماكن غير الرسمية في بيروت، جبل لبنان، الشوف، وطرابلس. ويتم جمع بيانات حيوية (العمر، الجنس، الجنسية) عبر فريق المتابعة والتقييم والمساءلة والتعلم (MEAL) لتوجيه استجابتهم/ن”.
وتشمل المساعدة الطارئة توزيع المواد الأساسية. حيث حولت “فيمايل” مكاتبها إلى ملاجئ مؤقتة، وتوفّر فرشات وأغطية، مع معالجة نقص الأدوية وحليب الأطفال/الطفلات. كما توفّر مجموعات نظافة شاملة للنساء والفتيات، تلبيةً لاحتياجاتهن الشخصية بأفضل جودة ممكنة. هذا بالإضافة إلى ملابس شتوية للأطفال/الطفلات في الملاجئ، لحمايتهم/ن من البرد القارس وتقليل الضغط النفسي.
وإلى جانب عمل المنظمات غير الحكومية، تنشط أيضًا مبادرات فردية تُنفذّها نساء، هن أنفسهن نازحات. من هؤلاء رنا غنوي، اختصاصية اجتماعية وخبيرة في الحماية الأسرية. تشرح في حديثها لـ”شريكة ولكن” أنه: “قمنا أنا وسونيا نكد بتنظيم حملة تبرعات لشراء البطانيات لفصل الشتاء. ووزعناها في عدة مراكز إيواء، لمساعدة النازحين/ات.
منذ بدء الحرب، تطوّعت ضمن الاتحاد اللبناني للأشخاص ذوي/ذوات الإعاقة لتوزيع المساعدات في القرى. حتى أصبحت نازحة. نزحت مرتين خلال هذ الحرب. الأولى من حولا، والثانية من كفرمان. والآن أسكن مع صديقتي، وأعمل في تقديم المساعدات. ولأنني معروفة بين الناس بصدقي، يتواصلن/ون معي لتوزيع المساعدات في عدة مناطق. تحملت مسؤولية التوزيع في منطقة تبعد عن منزلي 200 كيلومتر. وبمساعدة متطوعين/ات وأصدقاء/صديقات، وبالتعاون مع النجدة الشعبية، نقوم بشراء المستلزمات وتوزيعها”.
كما قامت عدد من الجمعيات بتغيير طبيعة عملها، لتحوّل مراكزها إلى مراكز إيواء، ومنها نذكر جمعية “بيتي”. إذ حوّلت مركزها “أوبرج بيتي” إلى مركز إيواء. تشرح رئيسة الجمعية، خبيرة الحوكمة، وعضوة بلدية كفردبيان، جوزفين زغيب، في حديثها لـ”شريكة ولكن” أنه: “نحن مركز سياحي. كنا نستقبل الزيارات والجمعيات التي تنظم محاضرات وفعاليات. ومع تزايد الأزمة والنزوح والحرب، قررنا فتح المركز لاستقبال العائلات النازحة من الجنوب، البقاع، ومن مختلف أنحاء لبنان. سعينا منذ البداية إلى إنشاء مركز نموذجي”.
وتابعت: “في هذا المركز النموذجي، لدينا غرف كبيرة وصغيرة، بالإضافة إلى مرافق مشتركة مثل الحمامات والمطبخ. وبما أن المركز يهدف لدعم النازحين/ات، وضعنا مجموعة من القوانين بالتعاون معهم/ن لضمان النظام وتوفير بيئة إيجابية. حرصنا على وضع شروط ملزمة لتيسير الحياة اليومية، مثل تحديد أيام معينة لغسل الملابس لكل طابق. كما شجعنا المشاركة والتعاون بين الأسر في كافة الأنشطة، مثل الطبخ والتنظيم”.
النساء وصحتهن العقلية و الإنجابية والنفسية والجنسية لم ولا تعتبر أولوية في مجتمعاتنا ومؤسساتنا الرسمية”.
العنف وسوء المعاملة
تتعرض النساء في مراكز الإيواء للعنف بأشكال متعددة تشمل العنف الجسدي والنفسي واللفظي. وقد يكون هذا العنف ناتجاً عن موظفي المراكز أو أفراد المجتمع المحلي الذين يستغلون هشاشة النساء في هذه المراكز.
غالباً ما تفتقر المراكز إلى أنظمة رقابة صارمة أو آليات تضمن سلامة النساء، ما يفاقم من حجم المشكلة ويُشعرهن بعدم الأمان. ورغم أنه لا أرقام رسمية حتى الساعة عن حالات العنف ضد النساء في مراكز الإيواء، هناك العديد من المبادرات التي بدأت تنشط للحد وللتصدي لظاهرة العنف.
تشرح عون: “أبلغت الهيئة الوطنية وحدة إدارة مخاطر الكوارث بضرورة أن يأتي المسح الذي تعدّه حالياً للنازحات/ين إلى مراكز الإيواء. على أن يتضمن معلومات عن أوضاع النساء والفتيات وحاجاتهن، ومنها الحفاظ على خصوصيتهن وحمايتهن من العنف، مثل التحرش الجنسي والحرص على شعورهنّ بالأمان داخل المركز. وضرورة توفير منتجات النظافة الشخصية والدورة الشهرية. ونقلت الهيئة الوطنية بالتعاون مع عدد من الجمعيات في لبنان، مثل جمعية أبعاد، الحالات الخطيرة من النساء إلى مراكز آمنة. حيث أصبح هناك حوالى 700 ملجأ مجهّز، بعدما كان العدد 400”.
وهنا تأتي قصّة رانيا، أم لطفلين، تركت قريتها نتيجة القصف العنيف واستقرت في أحد مراكز الإيواء في الشمال. تعاني رانيا من اكتئاب شديد، نتيجة صدمة النزوح وفقدان الأمان. تروي معاناتها قائلة: “كنا نعيش حياة بسيطة لكن هادئة. الآن، لا أستطيع أن أقدم لأطفالي حياة كريمة. المكان مزدحم وقاسي، والضغط النفسي لا يُحتمل. كل يوم نعيشه هنا يقتل جزءاً من طاقتي، وأشعر بالعجز تجاه أطفالي.”
وتحذّر عون من “خطر تعرّض الفتيات والنساء للعنف بأشكاله كافّة في حالات النزوح”. كما تدعو “المسؤولين على الصعيد المحلّي وخصوصاً منسّقي مراكز الإيواء، وعلى الصعيد الوطني، إلى اتّخاذ التدابير المطلوبة حفاظاً على أمنهنّ وأمانهنّ”. وذكّرت بأرقام الخطوط الساخنة لتلقّي الشكاوى في حالات العنف الأسري والتحرش الجنسي لدى قوى الأمن الداخلي (الرقم 1745) ولدى وزارة التربية والتعليم العالي (الرقم 772000/01).
ومن بين المشاكل التي تواجهها النساء في مراكز الايواء تأتي قصة مريم (اسم مستعار لتفضيل النازحة عدم الكشف عن هويتها). مريم شابة تبلغ من العمر 24 عاماً، كانت قد بدأت حياتها المهنية في صالون تجميل في قريتها الصغيرة. ولكن القصف دفعها للنزوح أيضاً.
وجدت مريم نفسها في مركز إيواء بعيد عن مدينتها حيث لا تعرف أحداً، وتعاني من الشعور بالعزلة والخوف. تقول مريم لـ”شريكة ولكن”: “الوضع هنا صعب جداً. لا يوجد نظام واضح للتعامل مع الشكاوى. نشعر بعدم الأمان، لأن المركز مزدحم جداً، وهناك بعض الرجال الذين يسكنون معنا في نفس المكان”.
وقالت غنوي أنه وفقًا لمتابعتنا للمراكز، تبين أن نسبة العنف ضد النساء في مراكز الإيواء ارتفعت 26%، معظمها حالات عنف أسري، ومع ذلك، يبقى هناك الكثير من الحالات غير المبلغ عنها. وأعطت أمثلة عن حصول حالتا طلاق في أحد مراكز الإيواء في جبل لبنان بعد شجار كبير وعنف جسدي. “شاهدت بنفسي عنف أسري يمارس ضد النساء في المراكز”.
نقص الرعاية الصحية والدعم النفسي
تفتقر مراكز الإيواء إلى خدمات الرعاية الصحية الأساسية. حيث لا تتوافر الفحوصات الطبية الدورية أو الأدوية اللازمة لعلاج الحالات المزمنة. وبالنسبة للدعم النفسي، فإنه يكاد يكون معدوماً، رغم أن العديد من النساء اللاتي يلجأن إلى هذه المراكز يعانين من صدمات نفسية تتطلب علاجًا وتأهيلاً. يؤدي غياب الدعم النفسي إلى تدهور الحالة النفسية للنساء ويزيد من صعوبة اندماجهن في المجتمع بعد الخروج من المراكز.
تقول نصر: “الاكتظاظ وسوء الإدارة وعدم تمرس كافة السلطات المحلية التي تدير مراكز الإيواء بأطر الحماية والعمل الإغاثي، يعرّض النساء، والفتيات والأطفال بالأخصّ، إلى العنف دون القدرة على التعبير عنه أو تقديم الشكوى. وذلك لاعتبارات عديدة ثقافية، ولأن النساء وصحتهن العقلية و الإنجابية والنفسية والجنسية لم ولا تعتبر أولوية في مجتمعاتنا ومؤسساتنا الرسمية”.
وتتابع نصر: “الآثار السلبية على الصحة النفسية والعقلية للنازحين/ات، والأطفال/الطفلات، تأثرت بشكل كبير بعدما شهدن/وا الدمار والهرب والساعات الطويلة التي استغرقنها/ونها للوصول إلى الأماكن الآمنة. وفي ظل غياب حتى الحاجات الأساسية، تدفن الصحة النفسية بين كثرة المطالب الملحة، خصوصًا مع حلول الشتاء والبرد”.
وعليه تقدم “فيمايل” بحسب نصر، الدعم النفسي والاجتماعي وخدمات التصدي للعنف القائم على النوع الاجتماعي (GBV). وذلك عبر توفير الإسعافات النفسية الأولية وإحالات للناجيات من العنف، إلى جانب توفير مساحات آمنة وخدمات عبر الإنترنت تشمل الدعم القانوني والنفسي. كما تنظم أنشطة رياضية للفتيات بين 10-17 عامًا، لتعزيز التعاون وتخفيف التوتر وتحقيق الرفاه النفسي.
وتدير فيمايل خط مساعدة مخصصًا لتوفير الدعم المتخصص والفوري للناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي والأطفال/الطفلات المعرضات/ين للخطر. تشمل الإجراءات الرئيسية فريق خط مساعدة مؤلف من مسؤولة مؤهلة لإدارة خط المساعدة، بالإضافة إلى عاملات اجتماعيات وقانونيات مدربات على الاستجابة للاستفسارات الحساسة. وذلك لضمان حصول المتصلات على دعم فوري وحساس للصدمة. ويوفر خط المساعدة شبكة أمان أساسية للأطفال والنساء والفتيات النازحات والناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي، وبالأخص اللواتي لا يستطعن الوصول إلى الدعم المباشر. ولمن يرغب/ترغب بالحصول على المساعدة عليه/ها الاتصال على الرقم التالي: 81111456.
من جهتها، توضح غنوي، أن: “غالبية النازحين/ات بحاجة إلى أدوية لأمراض مزمنة ولم يتمكنّ/وا من إحضار أدويتهن/م معهن/م. بعضهن/م اضطر لشراء أدوية غير أصلية. في السابق، كانت الدولة توفر خدمات طبية لأهالي الجنوب تغطي 80% من تكاليف المستشفى. لكن النازحين/ات غير قادرات/ين على تحمُّل فارق 20% في التكاليف”. وأعطت مثالًا عن طفل يبلغ من العمر 11 عامًا يحتاج لعملية استئصال الزائدة الدودية، ولم يتمكن أهله من اجراء الجراحة، لعدم قدرتهن/م على تأمين 200$ وهو فرق التغطية الطبية”.
ولفتت غنوي، إلى أن “هناك نقص في الخدمات الأساسية للنساء الحوامل والأمهات الجدد في مراكز الايواء. فمثلاً، ولدت امرأة طفلها ولم تتمكن من الانتقال إلى مكان آخر. فيما لا توجد في المركز مرافق خاصة للرضاعة. والطعام الذي يُقدّم غالبًا غير كافٍ وغير مناسب لامرأة حديثة الولادة، ولا توجد أسرة خاصة للحوامل. كما أنه هناك نقص في المستلزمات الصحية الشخصية”.
التهميش الاجتماعي والتمييز
تواجه النساء في مراكز الإيواء تمييزًا اجتماعيًا ملحوظًا. حيث ينظر إليهن بعض أفراد المجتمع المحلي نظرة سلبية. وهو ما يعمّق عزلتهن ويحدُّ من فرصهن في الحصول على الدعم المجتمعي. ويُعد هذا التهميش أحد أكبر التحديات التي تحول دون إعادة إدماجهن في المجتمع بعد مغادرتهن للمراكز.
وعليه، طالبت الهيئة الوطنية وحدة إدارة مخاطر الكوارث بمشاركة النساء في إدارة أعمال التنسيق داخل كل مركز إيواء. وبرأي عون، فإن هذه الخطوة “توحي مزيداً من الثقة لتشجيع النازحات على التعبير عن حاجاتهن أو عن شكواهن من بعض التصرفات المسيئة”.
أمّا جمعية “بيتي” فعملت على تسليم نساء نازحات القيادة والعمل التنظيمي داخل المركز. تشرح زغيب أنه: “برزت بعض النساء داخل المركز كمشرفات أساسيات، فأصبحن يساهمن في إدارة المركز وتنظيم توزيع المساعدات. وتعاونَّ معنا أيضاً في تحضير قوائم الأسماء، وتوزيع الأدوية والملابس، ما منحهن إحساساً بالمسؤولية تجاه المركز. فاعتبرنه بيتاً لهن ولعائلاتهن”.
يُعتبر الإهمال المتعمّد للظروف المعيشية في مراكز الإيواء شكلاً من أشكال الانتهاك للكرامة الإنسانية. وعلى الدولة اللبنانية التحرّك بجدية لضمان حقوق النازحات/ين
نقص برامج التأهيل والتمكين الاقتصادي
هنا، تجدر الإشارة إلى أن الدولة لم تعمل على توفير برامج تأهيلية للنساء داخل مراكز الإيواء، سواء من حيث التدريب المهني أو التعليم. وبالتالي، تخرج العديد من النساء من هذه المراكز بدون مهارات تساعدهن في تأمين مصدر دخل مستدام. تعاني كثيرات منهن من صعوبة إيجاد فرص عمل بعد مغادرة المراكز، ما يجعلهن عرضة لاستغلال اقتصادي قد يُجبرهن العودة إلى ظروف حياتية صعبة.
وتلفت عون إلى أن: “الهيئة الوطنية اتفقت مع بعض الجهات الدولية الممولة لبرامجها على رصد قسط من المخصصات المالية الداعمة لمشاريعها. وذلك بهدف تقديمها لأغراض الإغاثة في مراكز الإيواء، لا سيّما تأمين حاجات الفتيات والنساء، ولإعداد منشورات توعوية للوقاية من تعرضهن لممارسات التحرش الجنسي ومختلف أنواع العنف التي تنتشر عادة في الأماكن حيث يجتمع عدد كبير من السكان على مدى فترة معيّنة”.
وقالت زغيب خبيرة الحوكمة: “نسعى للتعاون مع جمعيات أخرى لتعزيز دعمنا النفسي للنازحين/ات، وخاصة الأطفال/الطفلات. وهذا من خلال جلسات الاستماع والرسم، للتخفيف من آثار الأزمة النفسية التي يمرنن/ون بها. كما نخطط في المرحلة القادمة عقد جلسات حوارية تجمع بين مجتمع الاستضافة والمجتمع المحلي، لتعزيز التفاهم وبناء مجتمع متماسك”.
وتابعت: “نركز كذلك على التعليم. حيث نوفر برامج تدريبية للنساء لتعزيز الثقة بالنفس وتطوير المهارات الشخصية التي تساعدهن في الاندماج بالمجتمع. نعمل حالياً في خمسة مراكز، وننقل النساء للمشاركة في الدورات التعليمية التي تهدف إلى تحسين أوضاعهن وتمكينهن اقتصادياً”.
وحمّلت زغيب الدولة اللبنانية مسؤولية تأمين بيئة آمنة وصحية في مراكز الإيواء، معتبرة أنها مسؤوليةً أخلاقية وقانونية. ويتطلب ذلك تنسيقاً فعّالاً مع المنظمات الإنسانية المحلية والدولية، لتحسين ظروف الإيواء وضمان توفير الدعم الطبي المناسب، وتخفيف التحديات البيئية التي يعاني منها المقيمات/ون”.
وتضيف: “أن التعذيب الجسدي والنفسي يعتربان جريمة. يُعتبر الإهمال المتعمّد للظروف المعيشية في مراكز الإيواء شكلاً من أشكال الانتهاك للكرامة الإنسانية. وعلى الدولة اللبنانية التحرّك بجدية لضمان حقوق النازحات/ين”.
وتابعت زغيب: “على الدولة تعزيز البنية التحتية، عبر إصلاح أو تحسين المنشآت الصحية والصرف الصحي، وتزويد مراكز الإيواء بالكهرباء والمياه النظيفة بشكل مستمر. هذا إلى جانب توفير الرعاية الصحية الدورية وتحسين الوصول إلى الأدوية والخدمات الصحية، وإنشاء فرق طبية ميدانية لزيارة المراكز بشكل منتظم. كما يجب توفير التدفئة والإمدادات الأساسية، من خلال توزيع البطانيات، ومواد التدفئة، والملابس الشتوية لضمان حماية القاطنين/ات من قسوة البرد”.
وذلك لا يمكن أن يتم، بحسب زغيب، إلا عبر التنسيق مع المنظمات الدولية، والجمعيات. حيث تواجه الدولة العديد من التحديات قد تمنعها من تحسين الأوضاع، ومنها “الأزمة الاقتصادية، والتوترات السياسية. حيث يتأثر لبنان بشدة بالانقسامات السياسية الداخلية، ما يُعيق اتخاذ قرارات فعّالة بشأن سياسات الإغاثة أو برامج الدعم.
بالإضافة إلى غياب التخطيط الطويل الأمد، تفتقر الدولة إلى استراتيجيات متكاملة لإدارة مراكز الإيواء بشكل مستدام. فالخطط تعتمد غالبًا على حلول مؤقتة ومساعدات طارئة، دون وجود بنية مستدامة لإدارة أزمة اللاجئين/ات. كما تعتمد الحكومة اللبنانية بشكل كبير على دعم المنظمات الإنسانية الدولية لتلبية احتياجات اللاجئين/ات، ما يجعلها في موقف تابع. بحيث تتراجع إمكانية تنفيذ حلول محلية ومستدامة عند غياب هذا الدعم”.
وهذا الواقع المتخبّط هو ما جعل هناك نوع من التمييز بين مراكز الايواء في العاصمة بيروت وتلك المتواجدة في مناطق نائية. تقول زغيب: “نجد مراكز ايواء العاصمة مجهزة بالكهرباء ووسائل التدفئة والمستلزمات الأساسية. كما تصلها المساعدات بسرعة وكمية أكبر من مراكز الايواء في المناطق النائية والحدودية”.
في المحصّلة، تحسين أوضاع مراكز الإيواء في لبنان يتطلب تعاوناً شاملاً بين الحكومة، المنظمات غير الحكومية، والمجتمع المحلي. وذلك لضمان بيئة آمنة وداعمة تساعد النساء على استعادة حقوقهن وكرامتهن والاندماج مجددًا في المجتمع.