تداعيات الحرب على النساء في لبنان.. طرد تعسفي وأعباء رعاية مضاعفة
لا يمكن إحصاء آثار الحرب المندلعة منذ سنة في لبنان على النساء. بسبب التهميش والتمييز الجندري، تنال النساء حصة “الأسد” من المعاناة والاضطهاد والألم. تزداد الأعباء الواقعة على كواهلهن تباعًا، وتجعلهن في منزلة أكثر هشاشة تتطلب الالتفات إليها وتفكيكها من منظور جندري إنساني.
نقلت العديد من النساء لـ”شريكة ولكن” تجاربهن وتأثير الحرب على وظائفهن المؤجرة وعلى أدوارهن الرعائية غير المدفوعة منذ اندلاع الحرب. وكشفت تجاربهن عدم وجود أي خطة طوارىء لدور النساء، واحتياجاتهن، والتداعيات النفسية التي تطالهن في الحرب وبعد إنتهائها.
حيث تتعرضن لطردٍ تعسفي من وظائفهن، وتضطررن إلى لعب الدور المضحية، التي من الممكن أن تستغنى عن عملها للقيام بأعباء الأعمال الرعائيّة والمنزلية. وتزداد مسؤولياتهن في إدارة المنزل ورعاية الأطفال/الطفلات والمسنّين/ات. هذا بالإضافة إلى التعامل مع الضغوط النفسية والاجتماعية الناتجة عن النزوح.
النساء لسن أولوية في خطط الحرب، لأن جميع ما نعيش فيه هو نظام متماسك بدءاً من ال microsystem داخل العائلة، وصولاً إلى الـ macrosystem في الخطط السياسية الموجودة في لبنان
طرد تعسفي وعنصرية
تعرضت الشابة ربى زهوري، إلى طرد تعسفي من عملها. وهي معدّة ومنتجة فيديوهات في أحد المعاهد المهنية المعروفة، التي تمتلك 40 فرعاً في لبنان وفروعًا في العراق. بالرغم من توقيعها عقد، وانتهاء الفترة التجريبية، فهي لم تكن قادرة على الانتقال إلى مكان العمل الذي فرضه المعهد في ظل الحرب.
فليس باستطاعتها تأمين منزل في الأماكن الآمنة، نظراً لتكلفتها المادية المرتفعة. وروت زهوري لـ”شريكة ولكن”: “تعرضتُ لمعاملة عنصرية ومزعجة من مدرائي والموظفين/ات، فقط لأنني من أب سوري وأم لبنانية. بالرغم من أن العمل كان يضم موظفين/ات من جميع الطوائف، إلا أنهم/ن كانوا/كن يشعرونني بأني من كوكب آخر وسآخذ منهم/ن فرص العمل”.
أتى قرار تجميد عقد عمل ربى، بناء على طلب صاحبة المعهد، دون شرح أي تفاصيل، وما إذا كانت ستعود للعمل بعد انتهاء الحرب. ولم يتم دفع مستحقاتها المالية سوى نصف شهر. وعن الشهر الثاني لها في العمل، فلم يتم دفع مستحقاتها عنه، دون أي مسوغ قانوني.
أعمال مضاعفة على النساء والأمهات
تروي الصحافية لمى، اسم مستعار، أن الحرب أجبرتهما على السفر إلى بلد آخر، بعد قرار شركة زوجها إجلاء الموظفين/ات والعمل من الخارج. تقول: “وجدت نفسي مضطرة إلى ترك لبنان، مع ابنتي التي تبلغ من العمر 11 شهراً. وتخيلت أنني سأستطيع إكمال عملي الصحفي عن بُعد، وسأجد مَن يساعدني بالاهتمام بطفلتي كما هو الوضع في بيروت. لكن النساء لسن أولوية في خطط الحرب، لأن جميع ما نعيش فيه هو نظام متماسك بدءاً من ال microsystem داخل العائلة، وصولاً إلى الـ macrosystem في الخطط السياسية الموجودة في لبنان”.
وتتحدث الصحافية عن موضوع الأعمال الرعائية غير مدفوعة الأجر التي تتكبّد مشقّتها: “في أيام الحرب والنزوح، تتضاعف هذه الأعمال على النساء وتتراكم عليهن وحدهن. هو نظام ورواسب موجودة من قبل وتحفزها الحرب”.
تهددت فرص عمل الصحافية، لأنها لم تكن قادرة على القيام بالمهام المطلوبة منها لأنها في بلد ثانٍ والحرب مندلعة في لبنان. “أشعر بالذنب تجاه مهنتي وتجاه ابنتي، لأنني لا أستطيع القيام بالأمرين بالطريقة التي أرتضيها. وضعي النفسي سيء جداً. فالعمل عن بعد وفي الخارج يتطلب مجهودًا مضاعفًا، بسبب صعوبة الاتصالات وتأمين الحالات للقيام بالتحقيقات اللازمة”.
قرابة الشهر أمضتها الأم والصحافية لإعادة حياتها للشكل السابق. ومنذ حوالي أسبوعين، تمكّنت من إيجاد مربية منزلية للاهتمام بطفلتها، وتكاليفها المالية ضعف تكلفة المربية في بيروت. “الخدمات الرعائية في البلد التي انتقلت إليه عالية الأجر. دومًا أتساءل: إذا كنت أنا من طلبت شركتها الانتقال إلى بلد آخر، هل كان سيقبل زوجي؟ وكيف سيكون وضعه النفسي إذا جلس دون عمل؟”.
تأكدت الصحافية من تجربتها، “استقلاليتي المادية وأن يكون لديّ عمل ليس ترفًا أو شعارًا. نكتب مقالات عن حقوق النساء والمساواة واللاجندرية، كلها لمسته في يدي، من خلال شعوري بأنني أحب أن أكون مستقلة مادياً ومستقلة بعملي، ولدي حس الواجب تجاه عملي”.
View this post on Instagram
المهن الحرة دون دعم نقابي
عمل النساء لا يقتصر على العقود الثابتة. فمنهن من يعملن في مهن حرة، وتوقفت أعمالهن قسريًا. كانت الشابة بشرى البشير، الخبيرة والمجازة بالمحاسبة، تملك مكتبًا وعملًا مستقلًا في الجنوب. وهي منتسبة إلى نقابة خبراء/خبيرات المحاسبة.
تقول لـ”شريكة ولكن”: “في هذه الحرب، خسرت عملي واستقلاليتي المالية، وأنا معيلة لنفسي ولعائلتي. نحن، العاملات في المهن الحرة، لا نُلحظ بأي خطة طوارىء. فجميع المؤسسات التجارية والصناعية يأتهيم دعم مالي. ونحن منتسبات إلى نقابة ليست فاعلة، بالرغم من أنها شكلت خلية أزمة. وبعد مضي 40 يومًا على توسّع العدوان، لم نجد أي دعم فعلي”.
وتضيف، “هذا بالرغم من أن صناديق النقابات يوجد فيها أموال وتبرعات تمكّنهم من صرفها في هذه الظروف ومساعدة من توقف عملهن/م، ولا سيما النساء”. وتعبر البشير عن استيائها: “النقابات تتعاطى مع فكرة العمل بأنها مستمرة، نظرًا لأن العديد من المناطق لا تشهد حربًا وتهجيرًا، ويقومن/ون بممارسة عملهم/ن بشكل عادي. بِتنا نشعر بالتمييز تجاه ظروفنا سواء نساء أو رجال”.
هناك الكثير من الآباء أعطوا الأطفال/الطفلات لأمهاتهم/ن، وامتنعوا عن النفقة بحجة الحرب وعدم توفر الأموال.
أرباب العمل يجدون القانون مبرراً لطرد التعسفي
فيما يخص تعرض النساء إلى الطرد التعسفي في الحرب، تشير المحامية فاطمة الحاج في منظمة “كفى” في حديثها لـ”شريكة ولكن” إلى أن: “قانون العمل اللبناني نظّم العلاقة بين الموظفين/ات وأصحاب/صاحبات العمل. وهناك نوعان: عقود تنتهي بمدة زمنية محددة، وعقود لا ترتبط بمدة زمنية. وهذه العقود نظمها قانون العمل اللبناني.
فالمادة 50 منه حددت أنه في حال أقدم أصحاب/صاحبات العمل على طرد الموظفين/ات من دون سبب، يعتبر طردًا تعسفيًا. وبالتالي حسب مدة العمل الفعليّة، يكون هناك حق بالتعويض عن الطرد التعسفي. وبهذه الحالة، يجب التقدم بدعوة إلى مجلس العمل التحكيمي”.
وبحسب قانون العمل، واقع الحرب يفرض التمييز بين أمرين. وفق الحاج، “لدينا مناطق توقّفَ العمل فيها كليًا من دون إرادة أصحاب/صاحبات العمل. ولدينا مناطق لا زال العمل فيها مستمرًا. لذلك، علينا التفريق بين هذه المناطق التي ينتج عنها صرفًا تعسفيًا، بسبب القوة القاهرة – أي الحرب الجارية على الأراضي اللبنانية”.
وتكمل الحاج، “بعض المناطق الآمنة والتي تُمارس الأعمال بها بشكل طبيعي، ولا تعيق وصول النساء إلى عملهن، ولن تغبن، لا يحق لهم إجراء أي طرد بحقهن. فالمادة 50 من قانون العمل تجيز لأصحاب/صاحبات العمل إنهاء العقد، إذا كانت هناك قوة قاهرة من دون إنذار ومن دون الرجوع إلى الموظف/ة”.
وتشرح الحاج إلى أن الفقرة “و” من قانون العمل، “تنص على أن أصحاب/صاحبات العمل لهن/م حق إنهاء بعض أو كل عقود العمل الجارية في المؤسسة، إذا كان هناك قوة قاهرة، أو ظروفاً اقتصاديةً على شرط أن تُبلّغ وزارة العمل”.
وبما أن نصف الأراضي اللبنانية تتعرض للقصف، وهناك إغلاق لمؤسسات العمل، على صاحب/ة العمل تبليغ وزارة العمل برغبة بوقف عقود العمل مع الموظفين/ات.
وتعلق الحاج، “باختصار، نرى قانون العمل اللبناني في هذه المرحلة والظروف التي تمر بها البلاد كأنه أعطى تبريراً لأصحاب/صاحبات العمل لإنهاء عقود العمل، دون دفع أي تعويض استنادًا للفقرة “و” من المادة 50 بسبب الحرب.
تنصح جمعية “كفى” عبر محاميتها، “جميع النساء اللواتي تعرضن إلى طرد تعسفي بتقديم دعوى. وهناك مدة شهرين من بعد الطرد لتقديم شكوى الطرد التعسفي في وزارة العمل، والمراجعة في مجلس العمل التحكيمي في المنطقة التابعة لها للمطالبة بالتعويضات وتحديدها حسب سياسات العمل في المؤسسة”.
تتلقى جمعية “كفى” على الخط الساخن، ومن خلال متابعتهم اليومية، شكاوى النساء من تزايد الأعباء عليهن بسبب الأدوار النمطية وأعمال الرعاية.
وفيما يخص النساء المطلقات، تقول الحاج: “هناك الكثير من الآباء أعطوا الأطفال/الطفلات لأمهاتهم/ن، وامتنعوا عن النفقة بحجة الحرب وعدم توفر الأموال. ونحن نعلم أن المساعدات تكون للرجال وهناك هشاشة للنساء والأطفال/الطفلات الذين/اللاتي فقدن/وا أيضًا السكن والنفقة. بعض الرجال يشترطون على طليقاتهم توفير أماكن سكن للأطفال/الطفلات مقابل رؤيتهم/ن. لذلك، نرى أنّ النساء هن أكثر المتضررات في الحرب”.
حاولنا التواصل مع وزارة العمل اللبنانية، من أجل التعليق على موضوع الطرد التعسفي للنساء في الحرب، والسؤال عن إجراءات قانونية يمكن إعتمادها من قبل الوزارة، إلا أننا لم نتلقَ أي إجابة.