“كوب 29” من منظور جندري.. العدالة المناخية إلى أين؟
بلافتات تطالب بالعدالة المناخية الجندرية، تراصت ناشطات/نشطاء العمل المناخي أمام قاعات المفاوضات فى مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين (كوب 29).
عُقد المؤتمر فى مدينة باكو بأذربيجان فى الفترة من 11 إلى 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. اختار البعض ارتداء اللون الأرجواني، وأطلق البعض الآخر أغنية بلغته الأصلانية، لإيصال رسائلهن/م لقادة العالم المجتمعين/ات لاتخاذ قرارات سيتوقف عليها مصائر مليارات من البشر.
والعدالة المناخية تعني وضع الإنصاف وحقوق الإنسان في صميم عملية صنع القرار والعمل بشأن تغير المناخ. إذ يتعلق أحد جوانب العدالة المُناخية بالمسؤولية التاريخية غير المتكافئة التي تتحملها الدول فيما يتعلق بأزمة المناخ.
ويشير المفهوم إلى أن الدول والصناعات والشركات، التي أصبحت غنية من الأنشطة المتسببة في معظم انبعاثات غازات الدفيئة، تتحمل مسؤولية المساعدة في التخفيف من آثار تغير المُناخ على المتضررين/ات، لا سيما الدول والمجتمعات الأكثر هشاشةً، والتي غالبًا ما تكون الأقل مساهمة في التغير المُناخي.
وحتى داخل الدولة نفسها، بسبب التفاوتات الهيكلية القائمة على العرق، والنوع الاجتماعي، والحالة الاجتماعية والاقتصادية، يجب تقسيم المسؤوليات في مواجهة تغير المُناخ بشكل عادل. حيث تقع المسؤولية الأكبر على المساهمين/ات في حدوث ذلك واستفادوا/ن من النشاطات التي أدت إلى أزمة المُناخ. وذلك وفقا للتعريف الوارد فى قاموس مصطلحات المناخ الصادر عن صندوق الأمم المتحدة الإنمائي.
قرار بتمديد برنامج عمل ليما المعزز لعشر سنوات أخرى
و انتهت المفاوضات إلى قرار بتبني الأطراف المشاركة فى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لتمديد برنامج عمل ليما المعزز بشأن النوع الاجتماعي لعشر سنوات أخرى. كما تبنّت تطوير خطة عمل جديدة بشأن النوع الاجتماعي، لاعتمادها فى مؤتمر الأطراف الثلاثين (كوب 30) والتي ستحدد اتجاه التنفيذ العملي.
تم اعتماد برنامج عمل ليما بشأن النوع الاجتماعي في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب 20) عام 2014، من أجل النهوض بالعدالة الجندرية وتمكين النساء في عملية صنع القرارات الخاصة بتغير المناخ. وبعد مرور خمس سنوات فى (كوب 25)، دخل برنامج عمل ليما المعزز حيز التنفيذ.
فيما صدر في (كوب 28) قرار بإجراء الأطراف مراجعة شاملة لتنفيذ البرنامج، وبدأت عملية المراجعة خلال مؤتمر بون لتغير المناخ في يونيو 2024. وأصدرت الأمانة العامة تقريرًا يجمع توصيات الأطراف في مايو/آيار الماضي. ومن بينها، وضع سياسات وخطط واستراتيجيات وإجراءات مناخية تستجيب للمنظور الجندري وتغطي التخفيف والتكيف والخسائر والأضرار. وكذلك توفير وتعبئة التمويل المناخي المستجيب للمنظور الجندري والدعم التقني والمالي وسد فجوات البيانات فيما يتعلق بالنوع الاجتماعي والبيئة. هذا بالإضافة إلى تعزيز تطوير التكنولوجيات المراعية للمنظور الجندري وأساليب مبتكرة لبناء القدرة على الصمود والتكيف.
ونظمت مجموعة (WGC) خلال (كوب 29) العديد من الفعاليات للإعلان عن مطالبها. تقول زوكيسوا نوماتهامسانكا، منسقة المجموعة، لـ”شريكة ولكن” :”المفوضون/ات يريدن/ون إعادتنا للوراء. لكننا لن نسمح بذلك، وسنظل نحارب من أجل تنفيذ برنامج عمل ليما المعزز. ما نحتاج إليه الآن هو محادثات أقل وفعل أكثر. فقد اكتفينا من التوصيات ونحتاج تحويلها إلى أفعال”. وأشارت إلى أنهم قرروا ارتداء اللون الأرجوني وتخصيص يوم 18 نوفمبر للعدالة الجندرية لتوصيل رسالة للقادة وهي “لن نغادر من دون الوصول لاتفاق يدعم العدالة الجندرية ولن نسمح للمفاوضين بتجاهل مطالبنا”.
وصفت ذات المجموعة Women and gender constituency (وتتكون من 54 منظمة مجتمع مدني نسائية وبيئية وتعمل على ضمان ترسيخ حقوق الإنسان والعدالة الجندرية فى جميع الإجراءات المناخية) القرار فى بيان لها بأنه: “يمثل خطوة مهمة للأمام. حتى مع إدراكنا أن التحديات الكبيرة لا تزال قائمة، إلا أن الجدول الزمني الموسع للبرنامج سيوفر فرصة لزيادة العمل الهادف لإدماج النوع الاجتماعي فى صنع القرار المناخي فى خطة العمل الجندرية القادمة”. وانتقدت المجموعة فى بيانها كون المفاوضات “تميزت بساعات من الرفض للغة التي تتناول حقوق الإنسان والمساواة”.
أضاف البيان، “تؤثر أزمة المناخ على الناس بطرق مختلفة، اعتمادًا على الهويات المتقاطعة والأشكال المتعددة للتمييز التي يواجهونها. وعلاوة على ذلك، يمكن للنساء والفتيات والأشخاص خارج الهويات الجندرية الثنائية تقديم خبرة ومعرفة غنية حول كيفية توليد عمل مناخي عادل وطموح. إن الدعوة إلى التقاطع تعني مواجهة حقائق القوة: من يمتلكها، ومن يحددها، ومن يحتاج إليها، وكيف نبني ونحدد انتقالًا عادلًا. كان من المفترض أن يشكل الاعتراف بهذه الاحتياجات والخبرات ومعالجتها عنصراً حاسماً في برنامج العمل. ولكن بدلاً من ذلك، شهدنا العكس، ونحن نشعر بخيبة أمل عميقة”.
عضوات Women and gender constituency اخترن اللون الأرجواني لتوصيل رسائلهن فى يوم الجندر والمناخ فى كوب29 بمدينة باكو بأذربيجان، تصوير: رحمة ضياء
لجنة رئاسية لكوب 29 بدون نساء!
وشهد (كوب 29) بداية غير مبشرة للمنظمات المناخية والنسوية. ففي يناير/كانون الثاني الماضي، تم الإعلان عن اللجنة الرئاسية للمؤتمر، وتكونت من 28 رجلًا وخلت من النساء. وهو ما أثار استهجان واسع في صفوف المجتمع المدني. وأصدرت شبكة “هي تغير المناخ” بيانًا وصفت فيه القرار بأنه “خطوة تراجعية”، وأن هذه الترشيحات تعني أن الفجوة الجندرية في قيادة المناخ العالمي قد اتسعت.
واستجابة للحملة المناهضة للقرار من العديد من المنظمات، تم إضافة 12 امرأة للجنة ورجل، ليصبح الإجمالي 29 رجلًا.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أرسلت مجموعة (WGC) رسالة إلى رئاسة (كوب 29) موقعة من 122 منظمة مجتمع مدني للإعراب عن قلقها العميق إزاء ما وصفته بالافتقار إلى القيادة السياسية النسوية من الرئاسة القادمة لمؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، لضمان التوصل إلى نتائج هادفة وفعالة بشأن برنامج عمل ليما المعزز وخطة عمله المتعلقة بالعدالة المناخية الجندرية.
وعلقت زوكيسوا نوماتهامسانكا، منسقة (WGC)، في حديثها لـ”شريكة ولكن”: “من المخجل أنه فى 2024 هناك دولة مضيفة لا تتخيل النساء فى موقع القيادة!” وأضافت: “لم يتم تعديل القرار لأنهم كرماء، ولكن لأننا قمنا بالضغط ورفعنا أصواتنا. لم نكن سعيدات/سعداء بالتعديل، لأنه خطأ لم يجب أن يحدث من البداية، ولأنه حتى بعد التعديلات مازالت الأغلبية فى اللجنة للرجال”.
بالونات أرجوانية فى يوم العدالة الجندرية من جناح المجتمع المدني فى المنطقة الزرقاء بكوب 29 فى مدينة باكو بأذربيجان، تصوير:رحمة ضياء
الوفود النسائية فى مؤتمر الأطراف
ومن جانبها، قالت مالكيا جون، ناشطة مناخية كينية وعضوة في مبادرة Glow and Grow (تعمل على تقديم حلول الطاقة المستدامة للمجتمعات المهمشة، وتمكين النساء والشباب من التحول عن الوقود الأحفوري)، لـ”شريكة ولكن: “إن النساء، وخاصة في المجتمعات الهشة، تتأثر بشكل غير متناسب مع الرجال بتغير المناخ. ومع ذلك، غالبًا ما يتم استبعادنا من مساحات صنع القرار، ولا يتم تمثيل النساء بشكل عادل فى الوفود الخاصة بالمفاوضات”.
وأفاد تقرير للأمانة العامة للاتفاقية الإطارية الخاصة بتغير المناخ صدر في سبتمبر/أيلول الماضي أنه منذ 2009، ارتفعت نسبة النساء في جميع الوفود الوطنية من 30% في الاجتماعات لتصل إلى 38% في عام 2021. وقد انخفضت هذه النسبة إلى 36% في مؤتمر الأطراف السابق (كوب 28). وهو ما يجعل الزيادة أقل من 10 نقاط مئوية. وبهذا المعدل من التغيير، لن تتحقق العدالة الجندرية في الوفود الوطنية لمؤتمر الأطراف حتى عام 2040، وفق التقرير.
ووجهت الناشطة المناخية ماليكا جون رسالة إلى قادة العالم خلال مشاركتها في (كوب 29): “لقد حان الوقت للاستثمار في حلولنا وضمان تحقيق العدالة المناخية وأن تكون مستدامة”.
وقدمت 79% من الأطراف المشاركة فى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ معلومات متعلقة بالنوع الاجتماعي في مساهماتها المحددة وطنيًا. وذكر 33% منها أنها ستأخذ النوع الاجتماعي في الاعتبار أثناء التنفيذ. وفي عام 2023، أشارت 50% من استراتيجيات التنمية طويلة المدى للأطراف إلى العدالة الجندرية. ولم تتضمن سوى 25% منها اعتبارات جندرية مهمة، وفقًا لتقرير نشره موقع الأمانة العامة للأمم المتحدة فى يناير/كانون الثاني الماضي.
وشاركت ماليكا جون في فعالية خلال (كوب 29) بالتعاون مع Business Fights Poverty ومع YOUNGO، استهدفت التركيز على بناء تحالفات لسياسات المناخ المستجيبة للنوع الاجتماعي. وأوضحت أن هذه التحالفات ضرورية لتعزيز التعاون وضمان أن أصوات النساء وجهود تحقيق المرونة المناخية تكون على نطاق عالمي.
نشطاء يرفعون لافتات للمطالبة بالعدالة المناخية فى كوب 29 بمدينة باكو بأذربيجان، تصوير: رحمة ضياء
العدالة المناخية بحاجة إلى تمويل
وقالت غوى النكت، المديرة التنفيذية في منظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لـ”شريكة ولكن”: “لابد من دمج منظور النوع الاجتماعي في العمل المناخي، بدءًا من صياغة السياسات وحتى تنفيذ المشاريع على أرض الواقع.
وينبغي أن تُركز الاستراتيجيات على تمكين النساء والفئات المهمشة، ليكن شريكات في الحلول المناخية. وذلك لأنهن غالبًا ما يواجهن التداعيات بشكل مباشر، ويقدمن حلولًا مبتكرة ومستدامة. كما يجب أن تُعالج السياسات المناخية التحديات الناجمة عن التفاوت الجندري، بما في ذلك ضمان وصول النساء إلى الموارد وفرص التمويل”.
وأكدت أننا بحاجة لتمويل المبادرات النسائية. إذ تقود النساء غالباً في العديد من المجتمعات حلولًا مبتكرة على المستوى المحلي لمواجهة تغيّر المناخ. لذلك، يجب تخصيص تمويل مباشر لهذه المبادرات لتعظيم أثرها. حيث لا يمكن تحقيق العدالة بدون توفير التمويل اللازم.
وانتقد مركز العدالة المناخية التابع لمنظمة “كير” الاتفاق الذي انتهى إليه (كوب 29) بخصوص التمويل المناخي بقيمة 300 مليار دولار أمريكي سنويًا بحلول عام 2035. ووصفت فرانسيسكا رودس، مستشارة السياسات للعدالة المناخية في منظمة كير الدولية في المملكة المتحدة، خلال بيان صحفي الاتفاق بأنه “خيانة”.
“لقد فشلت أغنى الحكومات في الالتزام بالتمويل المطلوب وتتوقع من البلدان المُثقلة بالديون بالفعل أن تتحمل المزيد من الديون لتمويل أزمة لم تتسبب فيها. أفقر الناس والمجتمعات في العالم يكافحن/ون كل يوم التأثيرات المدمرة لأزمة المناخ، وخاصة النساء والفتيات اللاتي يشهدن تدمير سبل عيشهن ومستقبلهن. هذه الصفقة تفشل في الاستجابة لدعواتهن العاجلة لتوفير التمويل القائم على المنح لوقف تغير المناخ الكارثي”.
مانا عمر (الثانية جهة اليمين) خلال فعالية إطلاق أغنية بلغة الماساي للمطالبة بتحقيق العدالة المناخية، فى باكو بأذربيجان، حقوق ملكية الصورة تعود لمانا عمر
أغنية للعدالة المناخية بلغة الماساي
شاركت مانا عمر، ناشطة كينية في مجال المناخ والعدالة الجندرية والمديرة التنفيذية ومؤسسة (SASAL) في (كوب 29) مع وفد من 10 شباب ونساء من الرعاة الأصليين/ات.
حيث أطلقن/وا أغنية للمطالبة بتحقيق العدالة المناخية بلغتهم/ن الأصلية، لغة الماساي. وقالت لـ”شريكة ولكن”: “من الضروري التعامل مع حلول تغير المناخ بطرق تعترف بالأدوار الفريدة ونقاط الضعف والقوة لدى النساء وتعالجها، وخاصة في المجتمعات المهمشة والصفوف الأمامية.”
وأضافت: “بصفتنا مجتمعات في الخطوط الأمامية، نطالب بمساهمات أكثر طموحًا في صندوق الأضرار والخسائر، لضمان تلبية احتياجات المجتمعات الأكثر تضررًا، لاسيما من النساء”.
ومن المنتظر أن تعمل الأطراف خلال الأشهر القادمة على تطوير خطة عمل مناخية حساسة جندريًا، لاعتمادها فى مؤتمر الأطراف القادم (كوب 30).