سلاح ومقاومة و”ورود”: جدلية نصرالله والنسوية

من جميع أنحاء لبنان والعالم، تقاطر/ت مئات آلاف الأشخاص إلى بيروت للمشاركة في تأبين قائد المقاومة اللبنانية السيد حسن نصر الله. وسط أجواء الحزن التي خيّمت على التشييع، لم يكن بوسعي إلا أن أستشعر هذا الفقد. لكن كيف ذلك، ولماذا؟ ألا يفترض بي كنسوية أن أفرح لزوال رجل دين، بما يمثّله من سلطةٍ أبوية، فرضت أحكام وممارسات ذكورية على نسائنا وفتياتنا؟

لأن استخدام حجة النسوية لإسقاط الحق بدعم خيار المقاومة أصبحت خدعة لا تنطلي على أحد، فلا بد لي من التوقف عند ثلاث مسائل محورية: مبادئ الحركة النسوية في الجنوب العالمي، وموقف الحركة النسوية من المقاومة المسلّحة، وما إذا كان دعمنا لأشكال المقاومة الحالية في منطقتنا ينفي نسويتنا.

“طلقة واحدة تقتل اثنين”.. عن محورية استهداف الاستعمار للنساء والفتيات

بالنسبة إليّ، الحركة النسوية هي في جوهرها حركة مناهضة للاستعمار. ولطالما كانت النساء والفتيات أهدافًا مباشرة للاستعمار وأكثر من عانين منه. فمنذ عصورٍ خلت، استُعمِرَت أجسادنا من قبل الأبوية، حتى قبل أن تعمل المنظومة الدينية والبنى الاجتماعية والسياسية القمعية على تعزيز ومأسسة هذا النوع من العنف. فكانت الوصاية الأبوية على أجساد النساء والفتيات نهجٌ قديمٌ حديث، في أجندات القمع الاستعماري بكافة أشكاله. واقعٌ لا يمكن تحييد الاستعمار الغربي عنه. والاستعمار، كما لا يخفى على أحد، يُعدّ أكبر منتهك لحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، ولطالما كان مرتبطًا بالعنف المبني على النوع الاجتماعي.

هل تذكرن/ون مشهد جنود قوات الاحتلال الإسرائيلي وهم يرتدون قمصانًا تحمل صورة امرأة فلسطينية مع شعار “طلقة واحدة تقتل اثنين”؟ صورةٌ تجسّد مدى محورية استهداف النساء والأطفال/ والطفلات ضمن مخطط الاستعمار الصهيوني للقضاء على الفلسطينيين/ات. ويعززها التجاهل المقيت لدول “العالم الحر”، لهذا الانتهاك، وغيره الكثير من الانتهاكات الدولية.

عن نهج العزل والشيطنة.. ومقاومة “حزب الله” و”حماس”

النهج عينه تتبعه السياسة الخارجية الغربية في حروبها التي فرضتها وتفرضها لاستعمار الجنوب العالمي. وعليه، فمن الغبن بمكانٍ النظر إلى المجموعات المسلحة، بمعزلٍ عن كونها نتاجٍ طبيعي وردّ فعل على وحشية وغطرسة العدوان الاستعماري، والذي هو في الأصل سببًا لخلق المقاومة المسلحة، كما هو الحال مع حزب الله وحماس.

وسواء رغبنا بالاعتراف أم لا، فإن هذين المكوّنين يمثلان جزءًا لا يتجزأ من نسيج بلداننا الاجتماعي، ويعبران في بعض الحالات عن أهداف هذا النسيج التحررية بمواجهة المطامع الاستعمارية. من هنا، لن يكون مستغربًا أن يأتي رد قوى الغرب الاستعماري بإدراجهما في قوائم الإرهاب لعزلهما عن مجتمعيهما. والمؤسف أن يجري تبني هذا الخطاب الإقصائي نفسه في الدوائر النسوية “التقدمية” في المنطقة.


السؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف نتصرف حيال مجتمع النساء اللاتي ينتمين إلى نفس الخلفية الثقافية والاجتماعية والأيديولوجية لهذه المجموعات؟ هل سنستمر في مخاطبتهن من موقع التفوق والامتياز، وبالتالي نستبعدهن كليًّا عن خطاب حركتنا النسوية ونضالنا؟ وهل من المقبول أن نفترض أن كل النساء اللواتي ينتمين إلى مجموعات المقاومة المسلحة قد جُرّدن بالكامل من قدرتهن على التصرف، وبالتالي نمنح أنفسنا حق مقاومة النظام الأبوي نيابةً عنهن؟ وهل تقتصر أجندتنا النسوية على مناصرة جزء من الحقوق التي نفترض أنها أولية كالحقوق الجنسية والإنجابية مثلاً، أم أننا مستعدات لخلق مساحة تسمح بأن يكون الحق في مواجهة العدوان الاستعماري من الحقوق الأولوية للنساء اللواتي هنّ على خطوط المواجهة الأمامية للمقاومة؟

ماذا عن زهراء قبيسي، المرأة التي مثّلت نضال النساء الجنوبيات حين واجهت دبابات المحتل بجسدها، ووقفت ثابتة أمام دبابة الاحتلال الصهيوني للدفاع عن منزلها، لدى عودة الجنوبيات/ين إلى قراهن/م المحتلة؟ وماذا عن السيدة التي فتحت ذراعيها بوجه قوات الاحتلال، صارخةً “هذه أرضنا، هذه بلادنا”، بشجاعةٍ تترجم إرادة وعزيمة أصحاب/ صاحبات الأرض. هل أصبح فعل مقاومتهما أقل نسوية لأنهما تنتميان إلى البيئة الحاضنة لحزب الله؟

الخلط بين المقاومة الإسلامية والإرهاب.. تكتيك الاستعمار الغربي

بالتوازي مع الخطابات الحقوقية التي يصدّرها رعاة الاستعمار الصهيوني، لا يمكن تجاهل التكتيكات الاستعمارية التي تطلبت إنشاء دعائم وأدوات إمبريالية غربية، بهدف تمرير القمع وتبرير الاستعمار، كما هو الحال مع داعش والقاعدة. جماعاتٌ متطرفة تتولّى بدورها تغذية الخطاب المتطرف المعادي للعرب والمسلمين، ما يمهّد للموافقة على أهداف الغرب الإمبريالية في المنطقة. إن إنشاء هذه المجموعات لم يكن يومًا وليد الصدفة. بل أتى ضمن أجندة واضحة للخلط بين المقاومة الإسلامية والإرهاب.

أما نحن، فلا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نساوي بين المقاومة المناهضة للاستعمار المولودة من رحم أهل الأرض وأصحاب الحق، وبين مجموعاتٍ إرهابية تأسست لغرض وحيد هو تشويش الرأي العام وتأليبه حول أساليب مقاومتنا. مقاومةٌ ضمنتها الأجندات الحقوقية العالمية، بينما أوجدت مخارج “استعمارية” للتسقيط بها وشيطنتها.

وبينما تتصدر حقوق النساء والفتيات والمجموعات المهمشة أجندات حقوق الإنسان، لا يمكن إغفال حقيقة أنهن/م لطالما كنّ/كانوا -تاريخيًّا- الفئات الأكثر تضررًا جراء الحروب والإبادات والعدوان الاستعماري الغربي. ما يحتّم علينا جعل مناهضة المستعمرين في طليعة الأجندة النسوية في الجنوب العالمي، لأن نساء الجنوب العالمي هن أكثر من يتحملن وطأة الاستعمار الغربي، الذي يفرض نفسه في الوقت عينه كوصيٍّ ومرشدٍ بذريعة حقوق الإنسان. عليه، سيبقى الاستعمار -بالنسبة لي- مرتكزًا أساسيًّا لنضالاتنا، ولا يجب أن تكون الحركة النسوية منفصلة بأي شكلٍ من الأشكال عن مقاومة العنف الاستعماري في الجنوب العالمي وفضح انتهاكاته. بل يجب جعلها قضية نسوية مباشرة ومبدأ راسخًا لا مساومة عليه.

وبين هذا وذلك، فإن الحقيقة التي لا لبس فيها، أن القمع بجميع أشكاله، سواء كان دينيًّا أو اجتماعيًّا أو اقتصاديًّا أو سياسيًّا، مرفوضًا من قبل الحركة النسوية فكيف لو اجتمعت كل هذه الأشكال كأدواتٍ لوجهٍ قمعيٍّ واحد: العنف الاستعماري.

العهر الاستعماري: حق النضال المسلح ومعايير الغرب المزدوجة

نأتي الآن إلى مسألة المقاومة المسلحة. وهل نؤمن كحركة نسوية في الجنوب العالمي بالمقاومة المسلحة؟ بالنسبة للعديد من ناشطات الجنوب العالمي، فإن الإجابة واضحة.

ولكن دعونا نفكك الثوابت، ونؤكد المؤكد، على أية حال.

في مواجهة العدوان الاستعماري الغاشم، وإجرامه المستمر، عبر الإبادة الجماعية المستمرة، والفصل العنصري، والاحتلال العسكري، والتهجير القسري، والحرب النفسية، والعنف العشوائي الذي يُفرض على شعب على أساس العرق، وفي مواجهة اللامبالاة أو حتى التغذية العالمية للاستعمار، لا مجال للمساومة على حقنا الثابت والمشروع بالدفاع المسلح.

كما لا يمكن لأي أحدٍ استحضار موقفٍ استطاع خلاله شعب أن يقاوم وينتصر على القمع الاستعماري عبر إلقاء الزهور وتنظيم مسيرات السلام. ولن نقبل برمنسة معاناتنا بأي شكلٍ من الأشكال، لتجريدنا من حقّ قطع يد الاستعمار بكافة الطرق المتاحة. بالعين التي تقاوم المخرز، السلاح بالسلاح، والكفاح بالكفاح، والبادئ أعتى وأدهى وأظلم.

وعلى من يُؤخذ بخدعة السلام أن يعود بذاكرته إلى المذابح الصهيونية المتتالية التي لم تتحمل حجرًا من يد طفل/ة فلسطيني/ة، فواجهته/ا بالنار والدم والإجرام المعهود. أو أن يراجع تجنّب المقاومة للتصعيد، عبر تكتيكات سلمية، دون جدوى. حسنا، لا تأخذوها مني، بإمكانكن/م الاطلاع على مقال في صحيفة “ذا نايشن” بعنوان: “الفلسطينيون/ات شاركوا/ن في احتجاج سلمي… إسرائيل ترد بمذبحة”. ليشهد شاهدٌ من أهل الربيبة الأميركية.

إذا كنا قد تعلّمنا أيّ شيء من صفحات التاريخ فهو أن الفرنسيين/ات لم ينتصروا/ن في ثورتهم/ن ضدّ القمع الملكي، إلا بعد “دحرجة الرؤوس”. ولم ينل الجزائريون/ات تحررهم/ن من الاستعمار الفرنسي حتى وجهوا/ن بنادقهم/ن إليه. ولم يستردّ لبنان جنوبه إلا بعد أن فجّر مقاوموه دبابات الميركافا. ولم يتحول تشي إلى غيفارا، “المناضل الأممي”، حتى شن حربًا بوجه المستعمر. وكان مانديلا، الذي حضر حفيده جنازة نصر الله، مستعدًّا للموت في سبيل المثل العليا للمجتمع الديمقراطي الحر الذي يعيش فيه جميع الأشخاص معًا في وئام وينعموا/ن بفرصٍ متساوية.

وهكذا، في حالة الاستعمار المستمر أو الفصل العنصري، لا يُترَك للشعوب المقهورة خيار آخر غير المقاومة المسلحة.

غريب كيف تستطيع الدول الغربية أن تعظّم مبدأ المقاومة المسلحة في حالتها، بينما تسقّطه وتجرّمه وتدرجه على قوائم الإرهاب إذا صدر عن شعوب الجنوب العالمي!

انتهت صلاحية الخدع الاستعمارية!

في العام 1791، صادقت الولايات المتحدة الأميركية على التعديل الثاني للدستور والذي يحمي حقوق المواطنين/ات في حمل السلاح والاحتفاظ به لحماية أنفسهم/ن وحقوقهم/ن وممتلكاتهم/ن والدفاع عنها. ومنذ ذلك الحين، إذا حاول شخص ما في الولايات المتحدة الدخول إلى ممتلكاتٍ خاصة لمواطن/ة أميركي/ة دون إذن صريح منه/ا، فلديه/ا كل الحق في إطلاق النار على هذا الشخص وقتله، تحت مظلّة وحماية الدستور.

ثم تأتي معايير الغرب المزدوجة لتسقط هذا الحق عن شعوبنا بكل تكبّر.

فالسياسة الغربية غير قادرة على السماح لأي شخص غير أبيض بنفس الحق الإنساني المتمثل في المقاومة المسلحة لحماية الذات والحقوق والممتلكات، بغض النظر عن قرارات الأمم المتحدة التي تبرر ذلك. يا للعهر الاستعماري والوقاحة في إبراز ازدوجية المعايير! وقاحةٌ كانت المرتكز للترويج لبروباغاندا “الإرهاب”، ولكنها غدت خدعة ساذجة لم تعد تنطلي على كثر.

لقد انتهى تاريخ صلاحية هذه الخدعة الاستعمارية، على الأقل لدينا كنسويات راديكاليات، وقضى إلى غير رجعة.

ففي مؤتمر نسوي عقد مؤخرًا في منطقة الجنوب العالمي وشاركت فيه أربعون ناشطة نسوية من مختلف أنحاء أميركا اللاتينية ومنطقة جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا، كانت اللحظة الأكثر تأثيرًا في المؤتمر عندما أُعلن عن استشهاد محمد الضيف، المقاتل الذي يحظى بتقديرٍ عالٍ في أوساط المقاومين/ات، ولدى حركة حماس. فانفجرت قاعة المؤتمر حزنًا على الضيف، تدفقت الدموع وتبادل الجميع عناق المواساة ومشاعر الحزن والغضب. وكانت الناشطات النسويات من أميركا اللاتينية يرثين بصدقٍ كفاح المقاوم الفلسطيني إلى جانب النسويات العربيات في القاعة.

استطاعت هذه النسويات القادمات من الجانب الآخر من العالم فهم ومشاركة شعور الخسارة الناجم عن وفاة رمز من رموز المقاومة، وعرفن أنه رغم التحفّظ على سياسات محمد الضيف، فإن تضحياته في سبيل المقاومة كانت مصدر إلهام.

نسويات.. داعمات للمقاومة المسلحة

وأخيرا، نصل إلى سؤالنا الثالث؛ الذي يتمحور حول نهج التصنيف والإقصاء الممارس بحقنا كنتاجٍ لدعمنا للمقاومة المسلحة، والذي هو نهج استعماري إقصائي متطرف بجوهره.

فهل من “النسوي” أن تُنفى نسويّتنا بمجرد دعمنا لأشكال المقاومة في منطقتنا؟ وهل دعم حزب الله وحماس والحوثيين في كفاحهم المسلّح ضد الصهيونية خلال العدوان والإبادة الجماعية المستمرة على شعوبنا، يعني أننا متحالفات أيديولوجيًّا وسياسيًّا مع هذه الجماعات؟ هل يعني ذلك أننا كناشطات نسويات نسينا انتهاكاتهم الحقوقية وضد النساء والفتيات في اليمن وسوريا ولبنان وفلسطين…؟

من السّطحية بمكانٍ أن تصدر هذه المخاوف عن زميلات نسويات من المنطقة يعتبرن أنفسهن مرجعًا في النشاط النسوي، بينما يمنحن أنفسهن الحق في إلباس كل المجموعات المسلحة في المنطقة الإطار التحليلي نفسه.

إنّه لأمرٌ هزلي في الواقع. هل تفترض زميلات نسويات أن دعم الحق في المقاومة المسلحة يعني أننا ندعم أيضًا الممارسات الأبوية ونتغاضى عن أي انتهاكات لحقوق الانسان ترتكب من قبل المقاومة المسلحة الوحيدة المتاحة لدينا في الوقت الراهن؟ إنّه افتراض ساذج بأقل تقدير.

دروس تاريخية ومبدأ ثابت.. سنقاوم

لا يبخل علينا التاريخ بدروسه الملهمة في هذا الإطار.

في الولايات المتحدة الأميركية، عانت النساء في حزب الفهود السود -وهي حركة حقوقية لأصحاب/صاحبات البشرة السوداء في المنطقة، من موجة كراهية لكونهن نساء. فشهدن ممارسات متحيزة جنسيًّا من جانب المنظمة. ومع ذلك، لم تزعزع هذه الممارسات التزام عضوات حزب الفهود السود بمبادئ الحزب، بما فيها حقهن في حمل السلاح دفاعًا عن أنفسهن في نضالهن من أجل الحقوق المدنية. فهل جعل هذا عضوات حزب الفهود السود أقل نسوية لاختيارهن الاستمرار في دعم الحزب الوحيد الذي دافع عن المقاومة المسلحة للوحشية البوليسية؟ بالطبع لا، فهن لم يلتزمن الصمت أبدًا إزاء انتهاكات المنظمة ضدهن، ولكنّهن ركّزن أيضًا على هدف مناهضة التمييز العنصري ضدهن.

وكذلك الأمر هنا في لبنان، كانت المفارقة أن النسوية الراديكالية التقاطعية (التي تفترض مبادئها النسوية دعم حق المقاومة المسلحة في مواجهة الاستعمار) هي الوحيدة التي تحلّت بالشجاعة الكافية لمواجهة وقول الحقيقة في وجه سلطة هذه المجموعات عند الحاجة، في كل مناسبةٍ وبوقتها.

هي نفسها النسوية التي دائمًا ما واجهت مجموعات المقاومة المسلحة وممثليها وتحدّت وفكّكت وناهضت تطبيعهم للعنف الأبوي. وهي النسوية ذاتها التي قادت الحملات والمسيرات الاحتجاجية للمناصرة والتي أسفرت عن المصادقة على القوانين التي تحمي النساء والفتيات ورفض التطبيع مع إنتهاكات هذه المجوعات أياً كان نوعها. إنها النسوية التي يحزنها ويؤسفها أن يكون الشكل الوحيد للمقاومة المسلحة المتاح لنا في وقت الإبادة الجماعية والاحتلال هو نموذج المقاومة ذات الصبغة الدينية. أي نسوية تقاطعية من الجنوب العالمي لا تحلم بزرع بذور مقاومة مسلّحة نسوية تمثلنا أيديولوجيًّا وسياسيًّا لمواجهة منتهكي حقوقنا؟ أعلم أنني أحلم بذلك. نحن النسويات التقاطعيات من يفهمن ويقدّرن التضحيات التي قدمتها تلك المجموعات الدينية حين اختارت حمل السلاح بوجه عدو مستقوٍ، وقاتلوه حتى الشهادة… لأننا سنفعل الشيء نفسه من أجل قضيتنا المحقة.

في الختام، لا يسعني إلا أن أقارن هذا الاستجواب “النسوي” بمحاولات التصيّد والتسقيط الذي تبنّته وسائل الإعلام الغربية: “ولكن هل تدينون ’خماس’؟” والإجابة ستظل دائمًا: “لا، نحن لا ندين ’خماس، أو خزب الله، أو الخوثيين’”. بل ندين أي شخص يساوي، تحت دويّ الحرب، بين أكثر المحتلين إجرامًا وعنصرية في تاريخ البشرية وبين المقاتلين من أجل الحرية الذين ولدوا ونشأوا على هذه الأرض وحملوا السلاح لحماية وجودنا.

لأولئك المتصيّدين/ات أقول: أنتم/ن لا تختلفون/ن عن الأشخاص الذين يسمّون الإبادة الجماعية صراعًا. سوف تتغير الجغرافيا السياسية وسوف يتغير اللاعبون في اللعبة، لكن سيبقى الحق في مقاومة الظلم والطغيان مبدأ نسويًّا أساسيًّا بغض النظر عن كيفية تنفيذه.

نعم.. بفقد نصرالله أشعر بالخسارة

لذا، في يوم الأحد هذا، في يوم تشييع السيد نصر الله، أشعر بالفقد والخسارة… خسارة الرعب الذي تبثه المقاومة في وجه المحتل، خسارة المقاومة الصلبة التي خاضها وقادها، رمزية خسارة ما كان يمثله للمحتل الصهيوني، خسارة وزوال الإبرة التي فقأت عين نتنياهو.

أشعر بالخسارة لأنني أعلم أنهم استمتعوا باغتياله واحتفلوا بذلك. لا، لا يمكن أن تكون فرحة عدوي انتصارًا بالنسبة لي.

لقد دفعت خسارته بالنشطاء والأحرار من جميع أنحاء العالم إلى القدوم إلى لبنان لتكريم مقاومته. لكن في خضم جو الحزن الذي يخيّم جاثمًا على شوارع بيروت، أستطيع أن أستشعر بريق أمل في مقاومة شعبية، مقاومة تمثل نضالنا النسوي الجماعي في مواجهة كل الأنظمة القمعية.

وتمامًا كما دفع الاستشهاد المجيد ليحيى السنوار، عندما رمى عصًا بذراعه الوحيدة المتبقية على مسيّرة عسكرية أُرسلت لقتله، ملايين الأشخاص حول العالم لإحياء وتكريم مقاومته، حرّكت جنازة نصر الله نشطاء حقوق الإنسان من جميع أنحاء العالم ليأتوا إلى لبنان لتكريم نضاله.

سواء أرادت بعض النسويات الاعتراف بذلك أم لا، فقد أصبح الأخير رمزًا عالميًّا للمقاومة المناهضة للاستعمار، وأضحى نضاله في تلك المقاومة والتضحيات التي قدمها من أجلها مصدر إلهام للكثيرين/ات حول العالم.

نصر الله، أتمنى أن تشهد من عليائك أنت وأبناءك وبناتك الشهداء والشهيدات تحرير لبنان وفلسطين واليمن والسودان. وأتمنى أن ترى أيضًا حظر زواج الطفلات وتشهد على استقلال أجسادنا ونيل حقوقنا.

عاشت المقاومة بكل أشكالها.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد