
مبادرة صيحة: النساء السودانيات والإخفاء القسري.. غير مرئيات وغير مسموعات
في ظل النزاع المستمر في السودان منذ قرابة العامين، تواجه النساء السودانيات أشكالًا متعددة من العنف، بما في ذلك الإخفاء القسري والاختطاف، خاصة في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
ويعد الإخفاء القسري إحدى أكثر الجرائم التي تستهدف النساء والفتيات، مما يفاقم من معاناتهن وسط انهيار الدولة وغياب العدالة والمساءلة.
مبادرة صيحة: النساء السودانيات يتعرّضن للإخفاء القسري
كشف تقرير شبكة نساء القرن الأفريقي “صيحة”، الصادر في 27 شباط/ فبراير، تحت عنوان “غير مرئيات وغير مسموعات”، عن تعرض 236 امرأة وفتاة للإخفاء القسري، حيث تم العثور على 27 فقط، بينما لا يزال مصير 209 مجهولًا.
ووفق التقرير، فإنه على مستوى ولايات السودان، لا يزال 89% (209) امرأة وفتاة من مجمل الحالات المبلغ عنها 236 يواجهن مجهولة المصير، بينما تم العثور على 27 نحو 11% فقط من النساء والفتيات المفقودات.
وأشار التقرير إلى أن هذه الأرقام لا تعكس الواقع الفعلي، حيث تساهم عوامل مثل الخوف والوصمة الاجتماعية ونقص آليات الإبلاغ في تقليل عدد الحالات الموثقة.
أوضحت المديرة الإقليمية للشبكة، هالة الكارب، خلال مؤتمر صحفي، أن النساء والفتيات تعرضن للاستهداف بشكل خاص، حيث شمل ذلك العنف الجنسي والإخفاء القسري، مؤكدة أن “رصدنا منذ بداية الحرب وحتى ديسمبر 2024 قرابة 236 حالة لنساء وفتيات تم الإبلاغ عن إخفائهن”. وأضافت أن التقارير التي تمكنت الشبكة من جمعها تعكس جزءًا فقط من المأساة التي تعيشها النساء في ظل النزاع.
أفاد التقرير بأن مصادر البيانات شملت مبادرة “مفقود”، ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى شهادات عائلات المختفيات. ورغم ذلك، فإن معظم الحالات المبلغ عنها جاءت من المناطق الحضرية، بينما ظل الإبلاغ من القرى والمناطق الريفية ضعيفًا بسبب التحديات الأمنية ونقص وسائل الاتصال.
بحسب التقرير، فإن أنماط الإخفاء القسري تتوزع على مرحلتين: الأولى تحدث عند دخول قوات الدعم السريع إلى منطقة جديدة، حيث يتم استهداف النساء والفتيات بشكل مباشر من خلال الاعتقالات والاختطاف، أما المرحلة الثانية فتبدأ بمجرد فرض هذه القوات سيطرتها على المنطقة، حيث تزداد عمليات الإخفاء القسري والعنف الممنهج ضد النساء.
وتشير الشهادات إلى أن العديد من المختفيات أُجبرن على العبودية الجنسية أو تم استخدامهن كأدوات ضغط على أسرهن.
ووثّق التقرير العديد من الجرائم المروعة، مثل العثور على جثة هالة أحمد إسحاق في سيارة منهوبة تعرضت لإطلاق نار في مايو 2023، بالإضافة إلى العثور على جثة إنصاف سرور فضل الله في محطة وقود بالخرطوم في الشهر نفسه.
كما رصدت حالات احتجاز النساء وإجبارهن على العمل القسري في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، حيث يتم استخدام بعضهن في الأعمال المنزلية والخدمات القسرية لأفراد هذه القوات.
وجمعت البيانات التي استند عليها هذا التقرير بشكل أساسي من مصادر مفتوحة ذات مصداقية، بما في ذلك المعلومات التي شاركتها مبادرة مفقود، كما رصدت الشبكة المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، وتواصلت مع عائلات النساء والفتيات المفقودات.
وكانت معظم الحالات المبلغ عنها من المراكز الحضرية، بينما كان الإبلاغ من القرى والأرياف أقل بكثير، على الرغم من وجود حالات فعلية تستوجب الإبلاغ. وفي ظل غياب التقارير الرسمية من هذه المناطق، فإن هذا يعتم على حجم الأزمة الحقيقي.
الإخفاء القسري له نمط ممنهج
ووفقًا للتقرير، تكون أنماط الإخفاء القسري على مرحلتين، تبدأ الأولى عند دخول قوات الدعم السريع منطقة جديدة، وتتطور المرحلة الثانية بمجرد أن تفرض هذه القوات سيطرتها على المنطقة وتستقر فيها. وتظهر كل مرحلة مخاطر فريدة تتعرض لها النساء والفتيات، مما يؤدي إلى زيادة التقارير عن حالات الاختفاء والأشكال الأخرى من العنف ضد المرأة.
سجلت ولاية الخرطوم 96 حالة اختفاء، تليها ولاية الجزيرة بـ 79 حالة، مع ارتفاع حاد في أكتوبر 2024 إثر الهجوم الانتقامي لقوات الدعم السريع، الذي أدى إلى تسجيل 45 حالة جديدة. وأشار التقرير إلى أن حالات الإخفاء القسري تمتد أيضًا إلى ولايات أخرى مثل دارفور وكردفان، حيث يتم استغلال الفوضى الأمنية لاستهداف النساء بوحشية.
أكدت منظمة “ريدريس” الحقوقية أن الإخفاء القسري في السودان ترافق مع العنف الجنسي والاتجار بالبشر، مشيرة إلى أن العديد من الناجيات تحدثن عن تعرضهن للاعتداء الجنسي المتكرر أثناء فترة احتجازهن.
وأكدت جولي برشد، ممثلة المنظمة، أن السودان، بصفته طرفًا في الاتفاقية الدولية لحماية المفقودين منذ 2021، ملزم بتحديد مصير المختفين وتعويض عائلاتهم.
من جهتها، قالت ممثلة عن المؤتمر العالمي للإخفاء القسري إن جميع أطراف النزاع في السودان مسؤولون عن عمليات الإخفاء القسري، مشيرة إلى أن الأفراد يمكنهم إرسال شكاوى فردية إلى المفوضية الإفريقية والأمم المتحدة بشأن حالات الاختفاء القسري في السودان.
دعا التقرير المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية النساء المختفيات، والضغط على السلطات للكشف عن مصيرهن، وضمان محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم. كما شدد على ضرورة إنشاء آليات دعم قانوني ونفسي للناجيات لضمان حصولهن على العدالة والتأهيل اللازم.
ويعد إخفاء النساء قسريًا ليس مجرد انتهاك فردي، بل هو أداة لإسكات الأصوات الحرة وتدمير النسيج الاجتماعي للسودان. تسليط الضوء على هذه القضية ومواصلة الضغط لإنهاء هذه الجرائم يمثل خطوة أساسية نحو تحقيق العدالة وحماية حقوق النساء السودانيات.