
“العنف المسكوت عنه”.. جرائم قتل النساء في تونس تحت المجهر
في صباح يوم بارد من أيام كانون الثاني/ يناير الفارط، استيقظت البلدة الصغيرة زانوش، الواقعة في قلب محافظة قفصة جنوبي غرب تونس، على صرخات قاسية هزّت أرجاءها. تلك البلدة الريفية التي اعتادت الهدوء، وجدت نفسها أمام جريمة لم تشهد مثلها من قبل.
ليست “حادثة عائلية”.. بل جريمة مكتملة الأركان
في منزلٍ قديمٍ هناك، عُثر على امرأة في الثلاثين من عمرها، جثة هامدة وعينان مغلقتان، بيد أنها لم تكن وحيدة في نهاية حياتها، فقد كان بالقرب منها جسد طفل صغير لا يتجاوز الرابعة من عمره عيناه مغمضتان وكأنه يغرق في نومه الهادئ.
“لم أكن أتصور يومًا أن قريتي زانوش التي لم تعرف يومًا سوى الهدوء، باتت فجأة مسرحًا لجريمة بشعة لا يمكن للعقل أن يستوعبها. ولم أكن أتوقع أن تكون إبنة أختي واحدة من اللواتي ستقتل عن يد زوجها”، هذا ما قالته أم الزين (خالة الضحية) بحزن عندما تذكرت تفاصيل الجريمة المروعة التي راحت ضحيتها ابنة أختها وابنها مقتولان.
وتابعت: “كانت الفقيدة امرأة بسيطة، تحب الحياة رغم كل الصعاب التي مرت بها. وكان زوجها رجلًا هادئًا، قليل الكلام لكن طباعه حادة إذا غضب. كان بينهما الكثير من المشاكل وازدادت حدّتها بعد مولد طفلتهما علياء، وبدأت الأمور تتعقد أكثر. كان دائمًا يختلق المشاكل لأتفه الأسباب، وكانت هي تحاول تهدئته وتتجنب الدخول معه في صراع. كانت تقول لي: ’الرجال صعبين يا خالتي، لكن كل شيء يمكن أن يُصلح’… لكن الأمر لم يصلح بل ازداد سوءًا بينهما إلى حد أن استفقنا يومًا على خبر مقتلها”.
وأضافت: “يومها أتذكر أني رأيت ابنة أختي جثة هامدة، وجهها شاحب وعيناها مغلقتان وإلى جانبها ابنها الصغير يسبحان في بركة من الدم بعد أن أقدم الجاني على ذبحهما. لم أستطع تحريك جسدي. كان شعورًا خانقًا، وكأن قلبي قد انفطر. لم أستطع أن أفهم ما حدث”.
أردفت موضحة: “لا يمكنني أن أصف لكم الألم الذي شعرت به العائلة. لكن ما أعلمه أن هذه القصة كانت مأساة حقيقية”.
وفعلًا لم تكن هذه القصة مجرد “حادثة عائلية”، كما يُروَّج عن جرائم العنف الأسري. وإنما جريمة كاملة الأركان، تضاف إلى قائمة النساء التونسيات اللواتي دفعن حياتهن ثمنًا لوصاية ذكورية قاسية وتقاليد بالية. جرائم تضاعف عددها لا سيما في ظل غياب قوانين رادعة وجزء من مجتمع يتسامح مع الفاعل ويتواطؤ ضمنيًّا مع انتهاك حقوق النساء الأساسية، بما فيها الحق في الحياة.
أعلى نسب جرائم قتل النساء وقعت في المنزل الزوجي
لا يوجد إحصائيات رسمية جديدة خاصة بسنة 2025 لمعدلات جرائم قتل النساء والفتيات في تونس. وكل الأرقام التي تم تقديمها تعود لجمعيات نسوية شعرت بخطورة هذه الظاهرة وعملت على مناهضتها عبر تنظيم سلسلة من اللقاءات الإعلامية لتسليط الضوء على هذه الظاهرة وتنظيم وقفات احتجاجية لتنديد بخطورتها.
كشف تقرير جاء تحت عنوان “تقتيل النساء، الظاهرة المسكوت عنها”، أعدته كل من جمعية “أصوات نساء” وجمعية “المرأة والمواطنة بالكاف” عن “تسجيل 25 جريمة قتل نساء خلال سنة 2023″، موضحًا أن أغلب الجرائم المرتكبة في حق النساء تمت على أساس النوع الاجتماعي.
وجاء هذا التقرير، بحسب ما صرحت المكلفة ببرنامج مناهضة العنف وتقتيل النساء بجمعية “أصوات نساء” هيفاء الزغواني، “في إطار تظاهرة ’المعرفة النسوية’ التي أطلقتها الجمعية مؤخرًا، وهو يقدم إحصائيات توثيقية عن ظاهرة تقتيل النساء”. وقد أظهر التقرير أن “الفئة العمرية من 26 الى 35 عام تمثل نسبة 27% من ضحايا القتل، تليها النساء من الفئة العمرية ما بين 36 و45 سنة بنسبة 26%”.
“عدد جرائم قتل النساء تضاعف أربع مرات من 2018 إلى حدود حزيران/ يونيو 2023، ليبلغ 23 جريمة مقابل 6 جرائم قتل للنساء سنة 2018”.
من جهته، أطلق الاتحاد الوطني للمرأة التونسية ما وصفه بـ”صيحة فزع” من تصاعد جرائم القتل ضد النساء والفتيات في المجتمع التونسي، تزامنًا مع احتفالات تونس في السنة الماضية باليوم الوطني للمرأة الذي تخلده التونسيات، يوم 13 آب/ أغسطس من كل سنة.
وفي دراسة نشرها للغرض، حملت عنوان “سكاتنا قاتل” (سكوتنا قاتل)، أقرت المنظمة النسوية بتسجيل “24 جريمة خلال عام 2023، 54% من هذه الجرائم نفذت من قبل الأزواج”، بينما “وصلت نسبة الجريمة المنفذة ضد أمهات %21، و8% ضد الأخت أو الابنة، و 4% ضد مهاجرات وفتيات لا تربطهن صلة قرابة بالمجرم”.
ووفق هذه الدراسة، “نفذت %38 من هذه الجرائم طعنًا بالسكين و29% منها باستعمال آلة حادة، و13% منها خنقًا، و8% منها ذبحًا، و4% دهسًا بالسيارة أو إلقاء في البئر أو حرقًا”.
وبسبب تتالي جرائم قتل النساء وتحت ضغط المجتمع المدني وخاصة النسوي منه عمدت وزارة الأسرة إلى إعداد تقرير وصفيّ لرصد أوّلي للخصائص الاجتماعية والاقتصادية للنساء ضحايا جرائم القتل ولملامح القائمين بالجريمة خلال الفترة الممتدّة بين كانون الثاني/ يناير 2018 و30 حزيران/ يونيو 2023.
التقرير الذي شمل بالدّرس 69 جريمة قتل بـ 19 ولاية، أشار إلى أنّ “عدد جرائم قتل النساء تضاعف أربع مرات من 2018 إلى حدود حزيران/ يونيو 2023، ليبلغ 23 جريمة مقابل 6 جرائم قتل للنساء سنة 2018″، لافتًا إلى أن “جلّ هذه الجرائم وقعت في المنزل بنسب بلغ أدناها 57% سنة 2020 وأقصاها 93% سنة 2021، وأنّ الزوج هو القائم بالجريمة في 71 % من جرائم قتل النّساء”.
قتل أم تقتيل؟
مع أن جرائم تقتيل النساء في تونس ليست حديثة، إلا أن قضية مقتل رفقة الشارني هزت المجتمع التونسي بكل مكوناته، بعد مقتلها على يد زوجها الذي يعمل بجهاز الشرطة من خلال إطلاق 5 رصاصات بسلاحه الوظيفي.
ما جعل قضية رفقة محل متابعة هو لجوء الضحية إلى مراكز الشرطة عدة مرات للتشكي من حالات العنف الزوجي دون أن يتم أخذ أي من شكاويها على محمل الجد. الأمر الذي يحيلنا إلى فرضيات التستر على الزملاء المعنفين وتبعاتها الخطرة.
ومع خروج قصة مقتل رفقة للعلن، وبعدها بأشهر مقتل مريم بن إبراهيم، ثم زينة بن الناصر، ثم فاطمة بن حسين، بدأت المنظمات الحقوقية ولا سيما التي تقودها حقوقيات الحديث عن “تقتيل النساء” عوض “قتل النساء”. ومع أن القانون ما يزال يستخدم كلمة “قتل البشر” homicide ليشير إلى جرائم قتل النساء أيضًا، إلا أن الحقوقيات التونسيات يؤكدن أن النساء يُقتلن لكونهن نساء على يد زوج متسلط أو خطيب غيور أو فرد من عائلتها سواء الأخ أو الأب.
وبخصوص هذا الجدل في التسميات، أكدت الناشطة الحقوقية والباحثة في علم الاجتماع نجاة عرعاري أن “جريمة قتل النساء لا تُعتبر جريمة قتل عادية، بل هي جريمة مقصودة، حيث تحمل في طياتها أبعادًا اجتماعية وفكرية”. وأوضحت أن “الحقوقيات يحبذن مصطلح ’تقتيل النساء’ لتحميل المسؤولية لكل المنظومة الاجتماعية”. وأوضحت أن “اختيار هذا المصطلح يعود إلى كثرة جرائم قتل النساء وتواترها التي تمت عن قصد بعد أن اعتاد الفاعل تعنيف الضحية، حيث تشير الحالات التي تمت دراستها في تونس إلى أن أغلب الضحايا تعرضن لعنف متكرر وشديد”.
وأشارت العرعاري إلى أن “النساء المعنفات غالبًا ما يتوجهّن إلى القضاء أو الأمن طلبًا للمساعدة عملًا بالفصل عدد 26 من قانون 57 لسنة 2017، الذي ينص على التالي: ’تقوم الوحدة المختصة بإعلام الضحية وجوبًا بجميع حقوقها المنصوص عليها بهذا القانون بما في ذلك المطالبة بحقها في الحماية’”، موضحةً أن “الوحدة المختصة مطالبة، بعد أخذ إذن من وكيل الجمهورية، تقوم بنقل الضحية والأطفال/الطفلات المقيمين/ات معها عند الضرورة إلى أماكن آمنة، وأيضًا إبعاد المظنون به من المسكن أو منعه من الاقتراب من الضحية أو التواجد قرب محل سكنها أو مقر عملها عند وجود خطر ملمّ عليها أو على أطفالها/طفلاتها المقيمين/ات معها. لكن هذه المنظومة لم تكن تفعّل دورها بشكلٍ جدي، ما ساهم في وفاة الضحايا”.
وذكرت العرعاري على سبيل المثال “قصة فاطمة ذات 45 عام التي ضربها زوجها وذهبت إلى مركز الشرطة تشتكي عليه وعوضًا من أن ينقلها إلى أحد مراكز الإيواء أو يبعد زوجها عن المسكن، أمرها بالعودة إلى منزلها ومسامحة زوجها والمحافظة على أسرتها لأن ليست المرأة الوحيدة في تونس التي يعنفها زوجها. وفعلًا رجعت فاطمة إلى منزلها واعتاد زوجها على تعنيفها إلى حد يوم ثارت فيه فاطمة على الوضع وطلبت الطلاق فقتلها خنقًا”.
وبالحديث عن الذرائع الاجتماعية التي أدت إلى تزايد جرائم تقتيل النساء في تونس، تقول العرعاري إن “تقاعس السلطات الأمنية عن حماية النساء وسياسة الإفلات من العقاب يساهمان في تفشي هذه الجرائم. كما أن بعض الحالات التي تمت دراستها أظهرت أن العديد من النساء لجأن إلى القضاء، إلا أن بطء هذه الإجراءات يزيد من احتمال وقوع الجريمة”.
ترسانة من القوانين.. ولكن
غير بعيدٍ جغرافيًّا عن محافظة قفصة وبالتحديد في محافظة القيروان، لقيت منذ اشهر امرأة بالغة من العمر 30 عام، وهي أم لطفلين، حتفها بعد أن قتلها زوجها مستعملًا سلاح أبيض (سكين) بطريقة وحشية، بعد مطاردتها في الطريق العام.
مريم (اسم مستعار) جارة هذه الضحية تقول أنهما “كانا دائمًا على خلاف وكانا يتشاجران في الكثير من الأوقات، حتى أنه كان يضربها أمام أعين أبنائه”. تتابع الجارة: “كنا نسمع بكاءها ونحيبها في كل مرة ينشب خلافٌ بينهما، لكننا لم نفكر يومًا أنه سيقتلها بهذه الوحشية”، مؤكدةً أن الضحية “اشتكت لرجال الشرطة عديد المرات لكن لم يتم ردعه أو معاقبته وكل ما تم فعله هو التنبيه عليه شفويًّا”.
ووفق رواية مريم، يوم الجريمة “عمد الزوج مثل كل مرة إلى تعنيف زوجته إلا انها قاومته وفرّت خارج المنزل، لكن الجاني استلّ سكينًا ولحقها إلى الشارع، وشرع بتسديد عدة طعنات في مواطن مختلفة من جسدها بطريقة بشعة، قبل أن يعمد إلى ذبحها”.
مقتل هذه المرأة علنًا في الشارع في بلد يفتخر بترسانة من القوانين الحامية لحقوق الإنسان عمومًا، والنساء خصوصًا، يجعلنا نتساءل عن جدوى هذه الترسانة ولماذا لم تحم الضحية عندما استنجدت برجال الشرطة.
وفي هذا السياق، تقول المحامية وعضوة جمعية نساء ديمقراطيات يسرى دعلول، إن “المجلة الجزائية التي تعود إلى عام 1963، والتي تتضمن أحكامًا بشأن القتل العمد، لم تعد تواكب تطورات المجتمع، خصوصًا فيما يتعلق بجرائم قتل النساء التي باتت تعد انتهاكًا خطيرًا لحقوق الإنسان”.
وتشير إلى أنه “بالرغم من القوانين التي تم تعديلها لتواكب التطورات، مثل القانون رقم 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد النساء، إلا أننا نسجل تحديات كبيرة في التطبيق الفعلي لهذه القوانين. فمثلًا، المجلة الجزائية (المشرع التونسي يستند إلى فصول المجلة الجزائية الخاصة بتهم القتل) تتضمن نصوصًا تتناول القتل العمد بشكلٍ صريحٍ عندما يتعلق الأمر بالنساء، ولا تميز بين القتل العمد في حالات العنف الزوجي أو العنف الأسري. كما أن هناك نصوص قانونية مثل الفصل 21 والفصل 22 من المجلة الجزائية التي تتعلق بمحاولة القتل العمد مع سابقية القصد، لكن لا توجد نصوص قانونية واضحة تحدد القتل العمد تجاه النساء في هذه الحالات”.
وأوضحت أنه في المقابل “ينص القانون على معاقبة مرتكب الضرب والجرح العمدي الذي يؤدي إلى الوفاة دون قصد القتل بالسجن لمدة عشرين عامًا، وتصل العقوبة إلى السجن المؤبد إذا كان الجاني زوجًا أو خطيبًا أو مفارقًا أو خطيبًا سابقًا”، إلا أن ردع الجناة على أرض الواقع محتشمًا. الأمر الذي ساهم في تزايد هذه الجرائم بشكلٍ مقلق.
وخلال حديثها، تطرقت دعلول إلى ظاهرة الإفلات من العقاب الذي اعتبرته من أهم الأسباب الرئيسية التي تساهم في استمرار هذه الجرائم. ففي بعض الحالات، “يُمكن للجناة أن يفلتوا من العقاب بسبب عدم تطبيق القوانين بشكلٍ فعّال، حيث تتأخر الإجراءات القضائية خصوصًا في فترة العطلة القضائية السنوية من 15 تموز/ يوليو الى15 أيلول/سبتمبر، أو بسبب الإفراج عن الجاني (الرجل الذي يعنف زوجته) بعد فترة قصيرة من تنفيذ الحكم، سواء بناءً على طلب أهل الضحية إسقاط التهمة أو لعدم إثبات الضرر المادي والمعنوي، ما يساهم في استمرار العنف ويزيد من شعور الضحايا بعدم الأمان”.
غياب آليات التنفيذ
عدم تطبيق بعض القوانين الخاصة بظاهرة تقتيل النساء، برره مصدر مطلع في وزارة الداخلية بـ”عدم نجاعة سياسات الدولة وتشريعاتها التي لم تراع النقائص الموجودة على أرض الواقع”.
وقال المصدر، الذي/التي فضل/ت عدم ذكر اسمه/ا، إن “قانون 58 فيه مكتسبات جديدة، إلا أن سجلنا إشكالات في تطبيقه بسبب عدة عوامل من بينها نقص تكوين القضاة على آليات تطبيق القانون نفسه. إضافةً إلى مشاكل تقنية تتعلق بسير عمل القضاة الموكلين لتطبيق هذا القانون”. وفسر ذلك بالإشارة إلى أنه في تونس “يتم نقل القضاة سنويًّا من أماكنهم/ن، ما يجعل من الصعب التخصص في مجال معين، وحتى في حال تدريبهم/ن على مثل هذه القوانين الخاصة، يتم نقلهم لأماكن أخرى”.
وأشارت إلى أن القانون “نص على وجود وحدات مختصة بالعنف ضد النساء والفتيات في مراكز الأمن الوطني والحرس الوطني، لكن للأسف هذه الوحدات ليس لها إمكانيات مادية وبشرية تمكّنها من القيام بدروها بطريقة صحيحة، حتى إن هذه الوحدات لا تملك سيارات تسهل مهمتها”.
وأوضحت أن “هذه الفرق تعمل في التوقيت الإداري فقط (يعني ينتهي وقتها مع الخامسة مساءً)، ما يمنعها من تتبع جميع الحالات، التي قد تطرأ في أي ساعة من اليوم”، مشيرة إلى أن “أغلب حالات العنف تحدث في المساء، لذلك تضطر النساء المعنفات إلى الانتظار حتى الصباح حتى تنقل شكواها”.
وأكدت أن القانون الأساسي عدد 58 المتعلق بالقضاء على العنف “لا يطبق بصفة موحدة بين المحاكم، حيث ما زال بعض القضاة يعتمدون المجلة الجزائية بالإضافة العقلية الذكورية التي تدفع النساء إلى التراجع عن رفع قضايا ضدّ ممارسي العنف عليهن، خاصة الزوجي، وهي حالات تكرّر بصفة كبيرة في مراكز الأمن حيث يعمل أعوان الأمن الى إقناع الضحية بالتخلّي عن رفع قضية ضدّ زوجها في حال كان مصدر العنف، ما يكرّس الإفلات من العقاب وتكرر حالات العنف على النساء”.
إجراءات وقائية.. “على أمل”
تقول مريم: “لو استمع رجال الشرطة إلى شكاوي جارتها وقدموا لها المساعدة كتأمين مسكن في أحد مراكز الإيواء، لكان من الممكن أن تكون جارتها الآن حية ترزق”.
أيضا تقول عائلة رفقة: “لو أن رجال الشرطة استمعوا إلى رفقة، ووقفوا إلى جانبها عوض التستر عن زميلهم لكانت رفقة هي الأخرى على قيد الحياة. لكن بسبب تهاون الجميع من رجال الشرطة وغيرهم من إطارات طبية والعاملين في المحاكم وعدم أداء واجبهم على أحسن حال، تموت النساء”.
“لا تجد النساء المعنفات مكانًا في مراكز الإيواء لقلة عددهم من جهة، ولرفض عائلتها مغادرتها لمنزلها خوفًا من العار والوصمة (حديث الناس) من جهة أخرى”.
في هذا السياق تقول الحقوقية وأستاذة القانون العام بكلية العلوم القانونية والاجتماعية والسياسية بتونس، ورئيسة جمعية “بيتي”، سناء بن عاشور، إن “القانون عدد 58 تضمن الكثير من الفصول التي تحدد مهام كل المتداخلين في قضية العنف ضد النساء”. ولفتت إلى أن “الفصل 39 منه أمر أعوان الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعية والتربية وأعوان الضابطة العدلية ومندوبي حماية الطفولة بالاستجابة الفورية لكل طلب للمساعدة أو الحماية مقدم من طرف الضحية مباشرة”.
وتعتبر أنه “الارتفاع الملحوظ في عدد جرائم قتل النساء سببه عدم قيام المتداخلين في هذا الشأن بمهامهم. فمثلا، عندما تذهب امرأة معنفة الى المستشفى لا يوليها أعوان الصحة اهتمامًا ولا يقدمون لها شهادة طبية تستشهد بها في المحكمة بحكم افتقار أغلب المستشفيات في المناطق الداخلية إلى معدات طبية خاصة بالأشعة أو التصوير، وأيضًا لا يراعون الوضع النفسي للنساء. كذلك في بعض الأحيان لا تجد النساء المعنفات مكانًا في مراكز الإيواء لقلة عددهم من جهة، ولرفض عائلتها مغادرتها لمنزلها خوفًا من العار والوصمة (حديث الناس) من جهة أخرى”.
وترى سناء بن عاشور أن “الحل يكمن في ضرورة تفعيل نصوص القانون، بحماية ضحايا العنف، وخصوصًا فصله 13 الذي ينص على ضرورة توفير حماية شاملة للنساء من مختلف أشكال العنف، وضمان أن يتلقى هؤلاء الدعم اللازم لاسترجاع حقوقهن وحياتهن الطبيعية”.
كما أشارت إلى ضرورة “دعم نشاط المنظمات النسوية في مواجهة التحديات. إذ تشهد حملاتها معارضة مجتمعية خصوصًا في المناطق الداخلية حيث تسيطر عقلية تقليدية تصم النساء اللواتي يكسرن الصمت، ما يثني كثيرات عن التبليغ”. ناهيك عن “ما تواجهه الناشطات من ضغوطات، تشمل حملات تشهير وتهديدات عبر وسائل التواصل الإجتماعي، إضافة إلى تضييقات قانونية قد تصل إلى الملاحقة القضائية أو العنف المباشر خلال التظاهرات والأنشطة المناهضة للعنف، ما قد يؤدي إلى إضعافهنّ في محاولةٍ لتهميش القضايا النسوية”.