هل من الممكن للغابات بما تحتويه من وحوش بريّة أن تكون أكثرَ أمانًا من بعض البيوت؟
هذا ما حدث مع أهالي الساحل السوريّ الذين/ اللواني لم يكن أمامهن/وا سوى الفرار والاختباء في الأحراج أملًا بالنجاة. كانت العتمة أكثر رأفةً بهن/م من الأنفس الحاقدة في المحيط. لا شيء أقسى من الوقوف بأيادٍ مكتوفة أمام صراخِ عائلتكِ القادم، والعجز المتسلل إلى أذنيك من سماعة الهاتف.
شهادات ناجيات في الساحل السوري
في لحظاتٍ، تجمّد الزمن عند صوتِ الطلقات الصادرة من فوّهات البنادق، وخيّم شبح الموت المحتم أو المؤجّل إلى موعدٍ ليس ببعيد.
هل فُقدت الإنسانيّة إلى هذا الحد؟ إلى حدّ أن ألسنة الضحايا/ الضحيات أصبحت عاجزة عن رواية ما اختبرنه/اختبروه، من هول الفواجع! رواياتٌ وشهاداتٌ قاسية ستبقى مدفونة في طيّ الكتمان، خوفًا من حروبٍ، كان ولا يزال الخاسر الأكبر فيها أبرياء لم يحملن/وا السلاح يومًا.
تروي لنا الشاهدات تفاصيلَ ما حدث معهنّ ومع أهاليهنّ، الذين/اللواتي كانوا/كن في مناطق الاشتباكات، ما اضطرّهم/ن إلى اللجوء إلى الأحراج والغابات خوفًا من طلقة عشوائية أو مواجهةٍ تودي بحيواتهن/م. الخوف من ملاقاة نفس مصير ضحايا فس مناطق النزاع، نُشرت فيديوهات وصور لهم/ن على مواقع التواصل الاجتماعي، أثار حالة من الرعب ما دفع بالناس كبارًا وصغارًا إلى الفرار إلى أي مكانٍ قد يكون أكثر أمانًا من المنازل.
ذاكرةٌ مشوهة.. وطغيانٌ متوارث
ذاكرةٌ مشوّهة تلاحق الأطفال والطفلات. تركن/وا خلفهن/م ألعابهن/م، لتلاحقهن/م مشاهد الدم والقتل، ويحاربن/ون من أجل النجاة والاستمرار بالعيش، إلى الحدّ الذي تحولن/وا فيه إلى أجسادٍ صغيرة تحملُ على كاهلها عبء إعالة ما تبقى من أسرهن/م، أو الإسراع بدفنِ أحد أفراد العائلة.
نساء يتعرّضن بكلّ فظاظة لانتهاكات لفظيّة فقط لأنهن علويات، ويوصمن بـ”قلة الشرف والزنا” لمجرّد انتمائهن الطائفي، فيقفن عاجزات عن الدفاع عن أنفسهنّ خوفًا من بنادق تنظر ذريعةً واحدةً لتخرج حقدها دون رحمة.
هذه الشهادات والانتهاكات الحقوقية الصارخة، رافقت سقوط الطاغية بشار الأسد. وما بين استبدادٍ متوارث واستبداد يتبعه، يتجدّد واقع دفع الأبرياء لثمن ما بناه الطغاة، وما يستكمله طغاةٌ آخرون.
فبعد هروب الطاغية من سوريا، وسقوط نظامٍ ورثه عن والده الديكتاتور حافظ الأسد، وتشكيل حكومةٍ انتقالية في ظلّ واقع طائفيٍّ مأساويّ، استغلّت فصائل متطرفة وجماعات أخرى تابعة للنظام البائد الظروف لجرّ البلد إلى حافة حرب أهلية دموية. ما نجم عنه مجازر مأساوية، كان/ت المدنيّين/ات العزّل فيها ضحايا الحقد والثأر والطائفية.
في وضعٍ فتنويٍّ كهذا، يصبحُ موتكَِ راضخٌ لاحتمالات حجرِ النّرد التي دفعت بكَِ إلى هذه البقعة الجغرافية وهذه الديانة التي تعتنقها/تعتنقيها. فتكونُ النجاة ومعاصرة هذه المأساة أشدّ بؤسًا وألمًا من الموت.