
بين الغارات الإسرائيلية والاقتتال الداخلي: مشهد معقد في الجنوب السوري
شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، منذ صباح اليوم، سلسلة جديدة من الغارات الجوية استهدفت مواقع عسكرية في مناطق متفرقة من سوريا، في تصعيدٍ واضحٍ يُضاف إلى الضربات التي نفذتها مساء الجمعة.
وتركزت الهجمات الأخيرة على اللواء 47 في ريف حماة الغربي، فيما كانت الغارات المسائية قد طالت مواقع عدة في ريف دمشق ودرعا وحماة.
وبحسب مصادر محلية وإعلامية، استهدفت الغارات كلًّا من الفوج 41 قرب مستشفى حرستا العسكري في ريف دمشق، والكتيبة الصاروخية قرب قرية موثبين، والفوج 175 في محيط مدينة إزرع بريف درعا، بالإضافة إلى منطقة تل منين شمال العاصمة.
وفي وقتٍ سابق، شنّ العدو الإسرائيلي غارة جوية على منطقة مجاورة لقصر الرئاسة بالعاصمة دمشق، في “رسالة تحذيرٍ” وجّهتها تل أبيب “ضد نشر قوات جنوب دمشق، أو أي تهديد للدروز”. إذ تحاول إسرائيل استغلال المكون الدرزي لفرض تدخلها في سوريا.
وتزامنت هذه الضربات مع التوترات الأمنية التي شهدتها السويداء وجرمانا وصحنايا والتي أدت إلى مواجهات عسكرية بين فصائل درزية ومجموعات مسلحة وقوات حكومية، ونتج عنها العديد من القتلى والإصابات.
حصيلة الاقتتال
أصدر المرصد السوري لحقوق الإنسان تقريرًا ذكر فيه أن حصيلة القتلى في مواجهات جرمانا وصحنايا ارتفعت إلى 119 شخصًا خلال أقل من 72 ساعة، بالإضافة إلى مناطق أخرى في محافظة السويداء جنوب البلاد. وقال إن حصيلة القتلى مرشحة للارتفاع “نظرًا لوجود عدد من المصابين”.
وأوضح المرصد أن المواجهات اندلعت بين قوات تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية مدعومة بعناصر رديفة من جهة، ومسلحين محليين من أبناء الطائفة الدرزية من جهة أخرى، ضمن سياق توتر أمني غير مسبوق.
وفي التفاصيل، قُتل أربعة عناصر من الأمن العام خلال اشتباكات في بلدة أشرفية صحنايا، إلى جانب مسلح من أبناء الطائفة الدرزية. كما أشار المرصد إلى كمين نفذته القوات الحكومية ضد رتل يضم مسلحين دروزًا قادمين من محافظة السويداء باتجاه صحنايا ، أسفر عن مقتل 23 شخصًا من هؤلاء المسلحين.
وفي ريف السويداء، وبالتحديد في قرية الصورة، قتل أربعة مسلحين دروز أثناء تصدّيهم لهجوم نفذته وحدات تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية، مدعومة بمجموعات رديفة.
هل هدأت التوترات في صحنايا وجرمانا؟
شهدت منطقتا جرمانا وأشرفية صحنايا في ريف دمشق تصعيدًا أمنيًا حادًا في 28 نيسان 2025، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، وسرعان ما انتقلت التوترات إلى محافظة السويداء.
بدأت الأحداث الأخيرة عقب انتشار تسجيل صوتي منسوب لرجل من الطائفة الدرزية يتضمن إساءة للنبي محمد، وقد أثار التسجيل موجة غضب واسعة، رغم أن الشخص المعني نفى مسؤوليته عنه، معتبرًا أنه مفبرك.
من جانبها، أدانت المرجعيات الدينية الدرزية التسجيل. وأعلنت وزارة الداخلية السورية فتح تحقيق رسمي، نافيةً أن يكون التسجيل عائدًا لأحد مشايخ الطائفة الدرزية. ورغم ذلك، خرجت مظاهرات في عدة مناطق رُفعت فيها شعارات طائفية ضد طائفة الدروز الموحدين.
وعلى خلفية هذه التوترات، هاجمت مجموعات مسلحة مدينة جرمانا من عدة محاور، واندلعت اشتباكات عنيفة مع رجال الكرامة في المنطقة، وحاولت قوات الأمن العام التدخل وفض المواجهات بين الطرفين، ما أسفر عن مقتل 13 شخصًا، بينهم عناصر أمن ومدنيين/ات.
في 30 نيسان، شهدت مدينة أشرفية صحنايا توترًا أمنيًا كبيرًا إثر هجوم شنّته مجموعات مسلحة على حاجز أمني في المدينة، تلاه استهداف آليات مدنية ومقر إدارة الأمن العام.
اتفاق لتهدئة الوضع
أرسلت الحكومة السورية وفدًا لمحاولة تهدئة الوضع في المنطقة، وفق ما نقلته شبكة “السويداء 24”.
توصل ممثلو الحكومة السورية ووجهاء جرمانا إلى اتفاقٍ يقضي بتسليم السلاح الثقيل بشكلٍ فوري، إلى جانب تعزيز انتشار قوات إدارة الأمن العام داخل المدينة، بحسب الشبكة.
وأكد المقدم حسام الطحان، مدير أمن ريف دمشق، أن الاتفاق يتضمن أيضًا تسليم السلاح الفردي غير المرخّص خلال فترة زمنية محددة، والتأكيد على ضرورة حصر السلاح بيد مؤسسات الدولة الرسمية.
كما شمل الاتفاق نشر وحدات من وزارة الدفاع على أطراف المدينة لتأمين محيطها ومنع عودة التوترات.
كما أُعلن عن اتفاق يتضمن تعزيز انتشار الأمن وتسليم السلاح الثقيل والفردي غير المرخّص، ونشر حواجز دفاعية في محافظة ريف دمشق.
بيان من وجهاء السويداء: لا للانفصال
وسط هذه التوترات، أصدرت مرجعيات دينية واجتماعية في محافظة السويداء بيانًا أكدت فيه التمسك بالثوابت الوطنية والهوية السورية الجامعة، مطالبة بتفعيل دور وزارة الداخلية والضابطة العدلية من خلال أبناء المحافظة أنفسهم.
كما طالبت الدولة بتأمين طريق السويداء دمشق، وفرض الأمن والاستقرار في كافة أنحاء البلاد، مشددة على الرفض القاطع لأي شكل من أشكال التقسيم أو الانفصال. وأكدت أن الانتماء للوطن هو شرف وكرامة، وأن السويداء ستبقى جزءًا لا يتجزأ من سوريا الموحدة.
الإفراج عن موقوفي صحنايا
أعلنت محافظة ريف دمشق، الجمعة 2 أيار/ مايو، الإفراج عن 32 موقوفًا ممن تم توقيفهم سابقًا على خلفية الأحداث الأخيرة في مدينة أشرفية صحنايا بريف دمشق.
جاءت هذه الخطوة في إطار جهود التهدئة وتعزيز الثقة المجتمعية، ضمن المساعي الرامية لإعادة الاستقرار إلى المدينة والمناطق المحيطة بها.
الخوف من مجازر طائفية
زينب “اسم وهمي” محامية من الطائفة الدرزية روت لمنصتنا عن الأحداث التي جرت في جرمانا: “تطوّع بعض شبّان الحي ضمن صفوف الأمن لحماية منطقتهم، بعد أن وصلتهم أخبار عن تحركات مشبوهة”، مشيرةً إلى تعرّضهم إلى “هجوم من قبل مجموعة مسلّحة مكوّنة من حوالي سبعة أفراد، ما أدى إلى استشهاد 6 شباب من أبناء المنطقة”.
وأضافت: “عندما بدأ الناس يسمعون أصوات إطلاق النار الكثيف، سارع شباب المنطقة إلى النجدة، كما وصلت تعزيزات من القوات الحكومية. وفي المقابل وصلت مؤازرة للمسلحين، فتوسّعت الاشتباكات واستمرت ليومين، إلى أن تمكنت القوات الحكومية من فرض السيطرة تدريجيًا وتهدئة الوضع”.
وتحدّثت زينب عن شعورها خلال هذه الأحداث قائلة: “كنّا مرعوبين وخائفين، ومرّت علينا يومان ثقيلان. كنا نخشى وقوع مجازر وأن نُقتل لأننا ننتمي للطائفة الدرزية. جرمانا احتضنت جميع السوريين من مختلف الطوائف”.
نورا، إحدى المقيمات في صحنايا، تحكي مع عاشته خلال الأيام الماضية: “في أشرفية صحنايا، دخلت الفصائل على ست أو سبع بيوت تقريبًا، وكان ذلك مباشرة بعد الاشتباكات. لكن موجة النزوح الكبيرة حصلت في اليوم التالي، وسط أحاديث عن استمرار الذبح والتصفية في منطقة الأشرفية.
صار يتصل فينا كل من نعرفه من مختلف أنحاء سوريا، يطلبون منا الإخلاء الفوري للمنطقة، حاولت أتواصل مع صديقتي، وهي حفيدة أحد شيوخ الدروز، حتى أفهم من بالتحديد يتعرض للذبح، ومن هي العائلات المستهدفة، لكن لم يجبني أحد. اكتفوا بقولهم إن الهجوم مستمر على البيوت وإنهم يذبحون الناس.
تواصلت مع أحد الشباب الذين كانوا مشاركين في المعركة، وكان قد عاد إلى منزله بعد دخول الأمن العام، فأخبرني أنه لا يوجد أي شيء في وسط البلد.
اضطررت بعدها للذهاب بنفسي مع والدي إلى وسط البلدة لأتأكد، وفعلاً لم يكن هناك أي وجود للفصائل، وكانت الحركة شبه طبيعية، والأمن العام متواجد فقط على الشارع الرئيسي ومداخل البلدة الكبرى.”
تتزامن هذه الأحداث مع تصاعد خطاب طائفي واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، يُحمّل الطائفة الدرزية مسؤولية ما يجري، ويربطها البعض بالتدخلات الإسرائيلية في سوريا. ويأتي هذا الاتهام بالرغم من أن الضربات الإسرائيلية على الأراضي السورية مستمرة منذ أكثر من 14 عامًا، وشهدت تصاعدًا ملحوظًا في الأشهر الأخيرة.