
النساء السوريات.. حياة تحت جلد الحرب والنزاعات والاختطافات الممنهجة والعرف الاجتماعي
لم يتغير واقع المرأة السورية بعد تحرير البلاد من نظام الأسد القمعي، بل ما زالت تعيش في حالة من القلق الدائم والخوف على حياتها، والصدمة من مشاهد العنف وعدم اليقين تجاه المستقبل.
فرغم كل أشكال الموت التي تربّصت بالسوريات/ين خلال السنوات الماضية، لم تتراجع شرائح واسعة من المجتمع عن ممارساتها القمعية المستمدة شرعيتها من منظومة العنف الأبوي. كما أن النساء لم يسلمن من استخدامهن سلاحًا في الصراعات والنزاعات، فتعرّضن للخطف والقتل باسم ما يسمي بـ”الشرف”، ناهيك عن الانتهاكات الجنسية بكافة أشكالها ومن كل الأطراف.
حالات الخطف.. ميرا ثابات وأخريات
“هربت مع حبيبها وعادت إلى أهلها متزوجة منه”، بهذه الجملة تواجه ميرا جلال ثابات تكهنات المجتمع بعد اختفاءها.
ميرا جلال فتاة سورية من الطائفة العلوية تبلغ من العمر 22 عامًا من منطقة تلكلخ بريف حمص، اختفت يوم 27 نيسان/ أبريل 2025 من معهد إعداد المدرسين/ات في حي الدبلان بحمص، حيث كانت تدرس.
ذهبت إلى المعهد، ثم عادت بزيٍّ غريبٍ، مختلف عن بيئتها الاجتماعية، وبملامح وجه حزينة ومصدومة.
View this post on Instagram
حول قصة ميرا العديد من الروايات، منها أن الفتاة تم اختطافها وتم اقتيادها بالقوة إلى إدلب، وروايات ظهرت أمس أنها هربت من أهلها بسبب سوء المعالمة.
ولكن الصور التي انتشرت على السوشيال ميديا، والتي يظهر فيها شاب يدعى أحمد يرجح أنه من قام باختطافها والزواج منها لاحقًا، وذلك بعد أسبوع من اختفائها. إذ عادت ميرا بزيٍّ ديني غريبٍ، مختلف عن بيئتها الاجتماعية وبملامح وجه حزينة ومصدومة. وهذا الظهور المفاجئ أثار موجة من الغضب والذهول في الأوساط الحقوقية والسياسية السورية.
كما ظهرت الفتاة اليوم، في مقابلةٍ صحافية وهي تجلس إلى جانب “العريس المقترض”، لتقول إنها على “علاقة حب قديمة مع أحمد الذي كان يقيم في مناطق سيطرة النظام طوال تلك المدة ولم ينخرط بالعمل المسلح”، و”أنه تقدم لخطبتها 3 مرات ولم يقبل أهلها لأنه من الطائفة السنية”، على حد قول أحمد.
اختطاف ممنهج للعلويات
لا تعتبر حالات خطف النساء جديدة في سوريا، بل بدأت منذ 2011 ولكن بعد التحرير ازدادت هذه الظاهرة بمختلف المناطق منها حلب وحمص والساحل. كما أنه، في سياقٍ متصل، تُختطف السوريات لأنهن ينتمين لطائفة محددة.
ففي الفترة بين 21 آذار/مارس و7 أيار/ مايو 2025، شهدت مناطق عدة في الساحل السوري وريف دمشق موجة اختفاء وخطف استهدفت نساءً شابات، بينهن أمهات وطالبات.
في 21 آذار/مارس الماضي، فُقدت بشرى ياسين مفرج من جبلة، وهي شابة علوية ووالدة لطفلين، من محطة الحافلات الجديدة في مدينة جبلة الساحلية. وتبع اختفاءها تصاعد في عدد الحالات، إذ أُفيد عن اختفاء أكثر من 100 شخص خلال 48 ساعة فقط، وفق وكالة “جينها”.
في 5 نيسان/أبريل، اختفت الشابة كاتيا جهاد قرقط (21 عامًا) في ريف دمشق. وناشدت عائلتها كل من رآها أو لديه أي معلومات عنها أن يتواصل معهم/ن.
وفي 8 نيسان/أبريل، اختفت الطفلة سيمة سليمان حسنو (12 عامًا)، بعد مغادرتها مدرستها في بلدة القرداحة في ريف اللاذقية. وبعد أربعة أيام، أُفرج عنها في دمشق، وسلمها عناصر تابعون للحكومة السورية إلى عمتها، لتخرج الطفلة في فيديو مدّعيةً أنها “توجّهت إلى دمشق للبحث عن أهلها في العالم اللآخر”، وفق عقيدة التقمص.
وفي 11 نيسان/أبريل، فُقد الاتصال بالشابة رنيم غازي زريفة (22 عامًا) في مدينة مصياف في ريف حماة. وفي 14 نيسان/أبريل، اختفت بتول عارف حسن، وهي شابة متزوجة ولها طفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات من مدينة صافيتا، بعد زيارتها لعائلتها في قرية بهوزي.
كما خُطفت، في 16 نيسان/أبريل، آية طلال قاسم (23 عامًا) بعد مغادرتها منزلها في مدينة طرطوس الساحلية. وبعد ثلاثة أيام، أُعيدت آية إلى طرطوس عن طريق حمص، إلا أن النيابة العامة التابعة لهيئة تحرير الشام قامت باعتقالها.
كما نشرت والدة آية فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تشرح فيه أن عائلتها مُنعت من زيارتها أثناء فترة احتجازها، وأن والدها اعتُقل عندما أصر على رؤية ابنته. وأكدت الأم أن النيابة العامة حاولت إرغام آية على الإدلاء بشهادة تفيد بأنها لم تُختطف بل هربت مع شخص تحبه.
الشخص الذي اختطف آية طلال قاسم قام بتحريرها وأرسلها إلى طرطوس عبر أوتستراد حمص، حيث قام جهاز العام باحتجازها منذ الساعة 12 منتصف الليل دون السماح لمحامٍ أو أحد من أفراد عائلتها بالبقاء معها.
حاول الامن العام إجبارها على تبني رواية تدّعي بأنها هربت مع عشيقها، وأن الأمر لم يكن… pic.twitter.com/VVya9CDpUH— rose Is (@rose91el) April 19, 2025
وفي 7 أيار/ مايو، فُقدت الشابة سيدرا القدسي من مدينة حمص، ونشر أهلها مناشدات بالبحث عنها والمساعدة في العثور عليها.
هذه الوقائع ترافقت مع صمتٍ رسميٍّ وشبه غياب للمتابعة القضائية المستقلة، مما أثار قلقًا واسعًا حول سلامة النساء وغياب العدالة في ظل ظروف أمنية متدهورة.
ناشطة حقوقية لـ”شريكة ولكن”: وثّقت ما لا يقل عن 23 حالة اختطاف معضمهنّ في الساحل
وقد تمكنّا من الوصول لإحدى المختطفات واللواتي تمكنت قوات الأمن العام من تحريرها.
“كنا نُراقَب على مدار الساعة. تعرضت للضرب مرارًا، وكنّا نُشتم يوميًا فقط لأننا ننتمي للطائفة العلوية، كما كان يردد أحدهم”.
تقول يولا، اسم مستعار: “كنت في طريقي إلى السوق في إحدى بلدات الساحل السوري عندما توقفت بجانبي سيارة صغيرة، لم أتمكن حتى من رؤية وجوه من فيها قبل أن أُسحب بقوة إلى داخلها. لم تمر دقائق حتى أدركت أنني اختُطفت، خصوصًا وأن السيارة لم تُوقفها أي حواجز، رغم أنها مرّت من عدة نقاط ما جعلني أظن أن الخاطفين يتحركون بغطاءٍ ما أو في منطقة يعرفونها جيدًا، اقتادوني إلى منزلٍ مهجور في منطقة جبلية، وهناك وجدت امرأتين في غرفة مجاورة”.
وتضيف: “لم يُسمح لنا بالكلام، وكنا نُراقَب على مدار الساعة. تعرضت للضرب مرارًا، وكنّا نُشتم يوميًا فقط لأننا ننتمي للطائفة العلوية، كما كان يردد أحدهم”.
“تمكّنت من توثيق ما لا يقل عن 23 حالة اختطاف لنساء سوريات، معظمهن من مناطق مختلفة في الساحل السوري، إضافة إلى حالات من ريف حمص وريف حماة.”
View this post on Instagram
استطاعت ناشطة حقوقية تعمل في إحدى المبادرات الحقوقية من التواصل مع بعض العائلات في الساحل لتوثيق الانتهاكات والجرائم التي حدثت هناك.
تقول: “من خلال عملي وتواصلي مع عدد من العائلات، تمكّنت من توثيق ما لا يقل عن 23 حالة اختطاف لنساء سوريات، معظمهن من مناطق مختلفة في الساحل السوري، إضافة إلى حالات من ريف حمص وريف حماة. هذه الحالات مؤكدة لدي بشكلٍ مباشر، سواء عبر شهادات أفراد من العائلة أو من الناجيات أنفسهن”.
وأوضحت الناشطة أن “بعض هؤلاء النساء تمكنّ من العودة إلى عائلاتهن، لكن ظروف عودتهن، وما تعرضن له خلال فترة الخطف، يبقى طي الكتمان غالبًا بسبب الخوف من الوصمة والانتقام”.
كما نوهت الناشطة إلى أن “الرقم الحقيقي للحالات هو بلا شك أكبر من ذلك، لكن نسبة كبيرة من الأهالي يختارون/يخترن الصمت، إمّا تحت وطأة الضغط الاجتماعي، أو بسبب الخوف من التعرض للأذى، خصوصًا في ظل انعدام الحماية القانونية وتواطؤ بعض الجهات”. ولفتت إلى أن “عددًا من العائلات التي تواصلت معها تعرضت للتهديد أو تم تحذيرها من متابعة القضية أو الحديث عنها علنًا”.
تشهد مناطق متفرقة من سوريا تصاعدًا في حالات خطف النساء والفتيات في وضح النهار، وسط غياب أمني وتجاهل رسمي. ومع عجز الجهات المعنية عن توفير إجابات أو تحرّك فعلي، تلجأ العائلات المكلومة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، ناشرة صور بناتها المختفيات مرفقة بأرقام هواتف على أمل الحصول على أي معلومة قد تساعد في معرفة مصيرهن.
ماذا بعد تحرير النساء من الخاطفين؟
جرائم بذريعة ما يسمى بـ”الشرف”
وسط عرفٍ اجتماعيٍّ معادٍ للنساء لا تؤمّن النساء على حياتهن بعد تحريرهن من الخط، بسبب الذهنية الأبوية.
في مشهدٍ صادم من مدينة منبج شرق حلب، يوثق فيديو توسلات شابة تطلب الرحمة من شقيقها الذي أطلق عليها الرصاص دون تردد، مستخدمًا سلاح “كلاشنكوف”. لم تكن الفتاة وحدها، فقد أقدم رجل آخر على قتل ابنته، وتباهى كلاهما بما فعلا تحت ذريعة “جريمة الشرف”.
روايات محلية كشفت أن الفتاتين اللتين لم تتجاوزا الثامنة عشرة، كانتا قد اختُطفتا من قبل عصابات إجرامية تعمل بتجارة المخدرات، ورغم تحريرهما لاحقًا، اختارت عائلتاهما قتلهما بدل حمايتهما وملاحقة الخاطفين.
وتكررت مثل هذه الحكايات في السويداء، الحسكة، ومنبج، لتتكرس كظاهرة ثقافية بغيضة، مع اختلاف أدوات القتل من المسدسات البسيطة إلى الكلاشينكوف. كما تُقتل الضحية على وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا مع مباركات عمليات القتل هذه من قبل شريحة من المجتمع.
المحامية والناشطة النسوية أمل نعيم، تعمل في مجال التوثيق منذ سنوات وقد وثقت مئات الحالات لانتهاكاتٍ عاشتها النساء السوريات خلال الـ14 سنة الماضية حتى الآن: تقول: “وُثق في محافظة السويداء خلال العامين الأخيرين عدد من الجرائم المرعبة تحت مسمى “جرائم الشرف”. واللافت أن بعض هذه الجرائم كانت مرتبطة بخلافات على الميراث أو بمشاركة العائلة نفسها – كالأم أو الأخ – في الجريمة.”
ومنذ بداية عام 2019 وحتى نوفمبر 2022، تم توثيق ما لا يقل عن 185 جريمة قتل بدافع “الشرف” في سوريا، وفقًا لتقرير مشترك بين منظمات “سوريون” و”مساواة”.
علمًا أنه في عام 2009، تم تعديل المادة 548 من قانون العقوبات السوري، التي كانت تمنح عذرًا مخففًا لمرتكبي جرائم “الشرف”، لتُلغى تمامًا في عام 2020 .
ولفتت المحامية أمل إلى أنه “رغم إلغاء المادة 548 من قانون العقوبات السوري، ما زال بعض القضاة يستندون إلى المادة 192 التي تمنحهم سلطة تقديرية لتخفيف العقوبة. ما يفتح الباب أمام التلاعب القانوني ويُبقي على احتمالية الإفلات من العقاب. كما أن غياب إلزامية تطبيق القانون، في ظل بيئة قضائية أبوية، جعل المجرم في بعض الأحيان يظهر كـ”بطل” في نظر المجتمع”.
رغم محاولات منظمات حقوق الإنسان توثيق هذه الجرائم لا تزال الإحصائيات غير مكتملة، وسط غياب منهجي لأي محاسبة جدية. وعلى الحكومة السورية الجديدة أن تثبت التزامها الفعلي بحقوق الإنسان بأن تبدأ بمعالجة جذرية لهذه الجرائم، لا أن تنتظر الضجة الإعلامية لتحرّك ساكنًا.
الاعتداءات الجنسية.. انتهاكاتٌ ممنهجة منذ النظام البائد
أم طارق، (اسم وهمي)، امرأة سورية من ذوات المعتقلين من سكان جنوب دمشق، فقدت أخاها وزوجها عام 2014، وتستمر بالبحث عنهما أو عن مكان رفاتهما حتى الآن.
“وعدني يطالعلي زوجي إذا عطيته اللي بدو ياه، واغتصبني تحت تهديد السلاح”.
تقول: “تعرضت كثيرًا للتحرش الجنسي من ضباط النظام السابق أو من السماسرة اللي كانوا يبتزونا من أجل إعطائنا معلومات عن ذوينا. مرة من المرات، حين دخلت إلى مكتب ضابط بالمخابرات الجوية، فتح سحاب بنطاله وأخرج عضوه، ثم قال: تعالي مصيه بعطيكي معلومات عنه”.
سوسن، (اسم وهمي)، فقدت زوجها عام 2013 وحاولت البحث عنه مطولاً. تقول “تعرضت للاغتصاب من قبل عنصر بالمخابرات، وعدني يطالعلي زوجي إذا عطيته اللي بدو ياه، فأرغمني واغتصبني تحت تهديد السلاح”. لتتابع: “الله ينتقم منه ويا ريت فيني احكي وقول بس المجتمع ما بيرحم”.
في هذا الموضوع جمعنا عشرات الشهادات من النساء اللواتي تعرضن للابتزاز الجنسي من قبل ضباط وعناصر الأمن والمخابرات في نظام الأسد.
تؤكد المحامية أمل على هذه الانتهاكات حيث أشارت “تم توثيق حالات ابتزاز جنسي من قبل فصائل مسلحة، ومحاولات إذلال لنساء عبر استهداف بناتهن، بالإضافة إلى شهادات حول اعتداءات جنسية أثناء الاعتقال لدى النظام أو في مخيمات النزوح، إلا أن غياب الحماية وعدم وجود منظومة قانونية فاعلة جعل من هذه القضايا طي الكتمان”.
المؤسف أن الدعم القانوني في سوريا شبه معدوم. لا توجد قضايا مرفوعة من ناجيات، بسبب غياب الثقة بالقضاء، وارتباطه بالسلطة التنفيذية، وعدم وجود جهة يُمكن للنساء الادعاء أمامها، خصوصًا حين يكون المعتدي جهة أمنية أو فصيلًا مسلحًا.
ضعف منظومة الحماية والدعم: النساء وحدهن في مواجهة الخطر
رغم تفاقم العنف ضد النساء في سوريا خلال السنوات الأخيرة، لا تزال منظومة الحماية والدعم للناجيات من العنف هشّة ومحدودة إلى درجة تجعلها غير قادرة على أداء وظيفتها الأساسية: تأمين الحد الأدنى من الأمان والاستجابة.
تفتقر معظم المناطق إلى مراكز حماية متخصصة. المراكز القليلة الموجودة، إن وُجدت، تقدم خدمات محدودة مرتبطة غالبًا بتمويلٍ مؤقت، وغالبًا ما تكون هذه الخدمات سطحية ولا تُبنى عليها استجابة مستدامة.
المحامية رهادة عبدوش تقول: “الخدمات استشارية فقط لا يوجد متابعة حقيقية ولا يوجد مراكز في كل سوريا استمرت بالعمل بشكلٍ جدي مع الناجيات من أشكال العنف، إلا بعض المبادرات مثل مركز واهبات الراعي يعملن باهتمام حقيقي، ويبقين مع الناجية حتى التأمين عليها بشكلٍ فعلي”.
وأضافت المحامية أن “الوصول إلى هذه المراكز ليس متاحًا لكل النساء. فالنساء اللواتي يعشن في مناطق نائية أو خاضعة لسيطرة سلطات الأمر الواقع غالبًا لا يعرفن أصلاً بوجود هذه المراكز، أو لا يمتلكن القدرة على الوصول إليها بسبب الحواجز الاجتماعية، أو الاقتصادية، أو الأمنية. وهذا ما يعمق الفجوة بين الاحتياج والاستجابة”.
من الخطف إلى جرائم “الشرف”، من الابتزاز الجنسي إلى العنف المؤسسي، ومن غياب العدالة إلى انعدام الحماية، تبدو النساء وحدهن في مواجهة منظومة كاملة من الإهمال والتواطؤ والتبرير.
كل منطقة في سوريا اليوم بحاجة ماسة إلى مركز حماية فعّال، يُدار بكوادر مدربة وتحت إشراف مستقل، ويضمن للنساء مساحة آمنة للشكوى والتعافي.
أما على مستوى الإطار القانوني، وضحت رهادة أنه “عندما تحاول بعض النساء تقديم شكاوى ضد المعتدين من أفراد أسرهن – كالإخوة أو الأزواج – تصطدمن بجدار من التهديد والوصم، وفي كثير من الأحيان، تُسحب الشكوى أو تُضغط الضحية للتنازل، ما يكرّس سياسة الإفلات من العقاب”.
المجتمع نفسه يلعب دورًا مزدوجًا؛ من جهة، قد يشكّل ضغطًا رهيبًا على الضحية وفي نفس الوقت قد يساهم في فضح هذه الانتهاكات، ولا سيما إذا تم تفعيل دور الإعلام المحلي والمبادرات المجتمعية التوعوية. لكن للأسف، العديد من القضايا التي تم الكشف عنها عبر الإعلام لم تتابع بجدية من الجهات المعنية لذلك بقيت دون أثر قانوني.
المحامية رهادة تحدثت عن التجارب الحكومية السابقة مثل تجربة “الهيئة العامة لشؤون الأسرة” التي كانت قائمة في فترات ما قبل الحرب، لم تكن ناجحة بالشكل المطلوب. كانت تعاني من قيود بيروقراطية شديدة، وغالبًا ما تم تهميش دورها أو تحويلها إلى واجهةٍ شكلية، ونأمل في المرحلة الجديدة ومن الحكومة ببناء نظام حمايةٍ حقيقي ومتكامل للنساء”.
إن معاناة النساء السوريات، سواء في زمن الحرب أو في مرحلة «ما بعد التحرير»، لا تزال مستمرة، بل وتتصاعد بأشكال جديدة وأكثر تعقيدًا.
من الخطف إلى جرائم “الشرف”، من الابتزاز الجنسي إلى العنف المؤسسي، ومن غياب العدالة إلى انعدام الحماية، تبدو النساء وحدهن في مواجهة منظومة كاملة من الإهمال والتواطؤ والتبرير.
ما يحدث ليس حوادث متفرقة، بل نمط ممنهج من الانتهاكات البنيوية التي تغذيها ثقافة الإفلات من العقاب، وبيئة قانونية هشّة، ومجتمع لا يزال يفضّل الصمت على المواجهة.
إن أي حديثٍ عن بناء سوريا جديدة، عادلة ومتوازنة، لا يمكن أن يتحقق دون مساءلة منتهكي حقوق النساء، ودون توفير منظومة دعم وحماية شاملة، ودون الاعتراف بالنساء كأطراف فاعلة لا مجرد ضحايا صامتات. على الحكومة الجديدة أن تبدأ فعلًا لا قولًا، وأن تترجم التزاماتها الحقوقية إلى بنى مؤسسية، تشريعية، وقضائية، قادرة على حماية النساء ومرافقة الناجيات في رحلة استرداد العدالة والكرامة.