
رفع التحفّظ عن “سيداو”: هل تنهي الجزائريات وصاية قانون الأسرة؟
الجزائر ترفع التحفظ عن المادة الرابعة من إتفاقية "سيداو"
لطالما عانت الجزائريات من قيود قانون الأسرة الذي فرض على غير المتزوّجات الإقامة تحت سلطة الأب أو الولي، وألزم الزوجات ببيت الأزواج تحت طائلة سقوط النفقة في حال رفضهن العيش فيه. هذه القوانين حرمت النساء من استقلاليتهن في اتخاذ أبسط القرارات المرتبطة بحق السكن والتنقّل، وأبقت حياتهن الشخصية رهينة سلطة الرجال داخل العائلة.
في هذا السياق، أعلنت السلطات الجزائرية رفع التحفّظ عن الفقرة الرابعة من المادة 15 في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ النساء (سيداو)، والتي تنصّ على المساواة في حق اختيار محل الإقامة والسكن. القرار وُصف بأنه “إجراء تقني” بعدما زال السبب القانوني الذي دفع الجزائر إلى تسجيل تحفظها سنة 1996، إذ ألغيت بعض النصوص المقيدة ضمن تعديلات قانون الأسرة عام 2005. وأكدت الحكومة أنّ الخطوة لا تعني تغييرًا فوريًا في القوانين الوطنية، بل تأتي ضمن مسار متدرّج يقوم أولاً على إصلاح التشريع الداخلي ثم رفع التحفظات على المستوى الدولي.
“قانون الأسرة الجزائري ما زال يضع قيودًا صارمة؛ فالولاية تستمر على البنات غير المتزوّجات، والزوجات ملزمات ببيت الزوج، وإلا سقطت عنهن النفقة”.
الحرمان من النفقة
سرعان ما فجّر هذا القرار نقاشًا واسعًا بين الأوساط الشعبية والحقوقية في المغرب.
إذ رأت القوى التقدمية والنسوية فيه محطة مهمّة على طريق المساواة، بينما حذّرت القوى المحافظة من “تهديد الهوية الدينية والاجتماعية”. أحزاب معارضة شدّدت على وجوب عرض القرار على البرلمان، معتبرة أنّ “رفع التحفظات الدولية لا ينسجم مع الخصوصيات المحلية”، في حين وصفت أحزاب موالية الخطوة بأنّها “سيادية، دستورية، وتؤكد انسجام الجزائر مع مقاصد الإسلام والمعايير الدولية في آن واحد”.
ولم يقتصر النقاش على السياسة، بل امتد إلى الساحة القانونية. فالاتفاقية تمنح النساء بمجرد بلوغهن سن الرشد القانونية 18 سنة الحق في الاستقلال بالسكن والتنقل من دون إذن ولي أو زوج. لكن قانون الأسرة الجزائري ما زال يضع قيودًا صارمة: فالولاية تستمر على البنات غير المتزوّجات، والزوجات ملزمات ببيت الزوج، وإلا سقطت عنهن النفقة. ومع أنّ دستور 2020 ينصّ على أولوية الاتفاقيات الدولية على القوانين الوطنية عند التعارض، إلا أنّ تحويل ذلك إلى واقع يحتاج إلى تعديلات واضحة وصريحة في التشريعات الداخلية.
“الطريق نحو العدالة الجندرية في الجزائر يبدأ من تمكين النساء من حقوقهن كاملة، من دون وصاية ولا تحفظات”
الطريق نحو العدالة الجندرية
في المقابل، يبقى رفع التحفّظ خطوة رمزية مهمّة، لكنه غير كافٍ لإنهاء التمييز الممنهج الذي يفرضه قانون الأسرة على الجزائريات. فالمساواة الحقيقية لا تتحقق بقرارات تقنية أو بإعلانات سياسية، بل بإصلاح جذري للقوانين التي تقيّد استقلالية النساء وتكرّس السلطة الذكورية على أجسادهن وحياتهن اليومية. الطريق نحو العدالة الجندرية في الجزائر يبدأ من تمكين النساء من حقوقهن كاملة، من دون وصاية ولا تحفظات.