
فجوة الأجور تكشف العنف الاقتصادي ضد النساء في المغرب
لا يقتصر العنف ضد النساء على صورته الجسدية أو المباشرة، بل يمتد ليأخذ شكلًا أخطر وأعمق هو العنف الاقتصادي. يظهر هذا العنف في سوق العمل من خلال فجوة واسعة في الأجور، تحرم النساء من حقهن في المساواة وتضعهن في موقع التبعية الاقتصادية.
صدر مؤخرًا تقرير بعنوان Egalité Pro, STOP aux ECARTS ، للباحثة ماريا شرف، يكشف أن النساء في القطاع الخاص بالمغرب يتقاضين أجورًا تقل بنسبة 42.8% عن الرجال، أي أنهن يعملن فعليًا ثلاثة أشهر من السنة بلا أجر. أما على المستوى الوطني، فيبلغ متوسط الفجوة 23%.
فجوة الأجور بين الجنسين ليست نتيجة طبيعية للفوارق في التعليم أو التدريب، بل يُعزى 91% منها مباشرة إلى التمييز الجندري.
فجوة الأجور مرتبطة بالتمييز الجندري
فيما يخص الأجور، أوضح التقرير أن الفجوة المالية بين الجنسين تظل من أبرز مظاهر التمييز، حيث يبلغ متوسط الأجر الشهري في القطاع الخاص 3.360 درهم (336 دولارًا) للرجال مقابل 2.800 درهم (280 دولارًا) للنساء، وفقا لإحصائيات المندوبية السامية للتخطيط لسنة 2019.
وأضاف أن نصف النساء العاملات تقريبًا لا يتجاوز راتبهن 2.800 درهم شهريا، مؤكدة أن هذه الفوارق تتسع مع التقدم في العمر ومع تقلد المناصب العليا، إذ تصل إلى 38% بين الأطر العليا، و30% بين العمال غير الفلاحيين/ات، بينما حتى في القطاع العام، حيث الأجور أكثر استقرارًا، يظل هناك فارق بنسبة 2,4%.
اللافت أن هذه الفجوة في الأجور ليست نتيجة طبيعية للفوارق في التعليم أو التدريب، بل يُعزى 91% منها مباشرة إلى التمييز الجندري، بينما يفسّر مستوى التعليم 9% فقط. وهذا يؤكد أن القضية ليست مسألة كفاءة، بل إقصاء اقتصادي منظم يضع النساء في موقع أدنى مهما كانت مؤهلاتهن.
النساء عن مراكز صنع القرار: تمثيل أقل
ويظهر التقرير أن الفجوة تتعمّق أكثر في المناصب القيادية والإدارية. فالنساء من كبار المسؤولات يتقاضين 38.1% أقل من نظرائهن الرجال (9,000 درهم مقابل 12,400 درهم). أما النساء في الإدارة الوسطى، فالفجوة تصل إلى 38.4%، فيما تبلغ بين العاملات غير الزراعيات 30%.
في المقابل، تبدو الفجوة في القطاع العام محدودة نسبيًا عند 2.4% فقط. لكن الأرقام تكشف عن غياب النساء عن مراكز صنع القرار، إذ لم يتجاوز تمثيلهن في مناصب المسؤولية بالإدارة العمومية 23.5% عام 2021، مع تحسّن طفيف إلى 28% عام 2022. أما في مجالس إدارة الشركات المدرجة، فلا تزال النساء يشكلن 23.2% فقط حتى نهاية 2023.
وقد فرض القانون رقم 19-20 كوتا نسائية في مجالس الإدارة، بحد أدنى 30% عام 2024 ترتفع إلى 40% عام 2027. ورغم أن 31% من المجالس حققت هذا السقف، إلا أن التقدم ما زال بطيئًا أمام واقع فجوة الأجور المستمرة.
المساواة ضرورة اقتصادية
يقدم التقرير أيضًا دليلًا عمليًا للمؤسسات يشمل أدوات مثل: شبكات التدقيق، لوائح التحقق من الامتثال، جداول قياس فجوة الأجور، وإجراءات الوقاية من التحرش.
وتؤكد الوثيقة أن المساواة ليست قضية عدالة اجتماعية فقط، بل ضرورة اقتصادية. فوفقًا للبنك الدولي، فإن سد فجوة العمل بين النساء والرجال قد يرفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في المغرب بنسبة 40% تقريبًا.
ويستلهم التقرير من تجارب دولية مثل معيار المساواة في الأجور في آيسلندا، ومؤشر المساواة المهنية في فرنسا، وقانون المساواة في الأجور بكندا. ويدعو المغرب إلى تبني شفافية أكبر في المؤشرات، وتفعيل المفاوضات الجماعية، وإعادة هيكلة أنظمة التفتيش العملي، إلى جانب إجراءات ملموسة لكسر السقف الزجاجي الذي يقيّد النساء في سوق العمل.