
بين المزاح والعنف الرمزي: مقترح قانون جديد لمواجهة التنمّر في لبنان
خطوة جيّدة لمنع إعادة تدوير الصور النمطية والنكات المسيئة للنساء
في أيلول/ سبتمبر 2025، تقدّم النائب هاكوب ترزيان باقتراح قانون إلى البرلمان اللبناني يهدف إلى تجريم التنمّر وإدراجه ضمن قانون العقوبات.
ينصّ الاقتراح على تعريف التنمّر باعتباره “أي سلوك عدائي أو غير لائق، متكرّر أو قابل للتكرار، يستهدف فردًا أو مجموعة بقصد التحقير أو الاستهزاء أو الترويع، سواء استند هذا السلوك إلى الجنس أو العرق أو الدين أو الوضع الصحي أو الاجتماعي”. ويُعاقب مرتكبه بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبغرامة مالية تصل إلى عشرة أضعاف الحد الأدنى للأجور.

النكات والميمز التي تنتشر على فيسبوك وتويتر وتيك توك تستهدف النساء بشكلٍ ممنهج.
ثقافة الاستهزاء تكرس العنف الرمزي
هذا التعريف الواسع يفتح الباب أمام مساءلة سلوكيات المجتمع اللبناني على اعتبارها “مزاحًا بريئًا” أو “ضحكًا عابرًا”، خصوصًا على منصات التواصل الاجتماعي حيث يتخذ التنمّر أشكالًا يومية.
فالنكات والميمز التي تنتشر على فيسبوك وتويتر وتيك توك تستهدف النساء بشكلٍ ممنهج، مثل الصور التي تقارن بين “قبل وبعد الزواج” لتصوير المرأة على أنّها تهمل نفسها بعد الارتباط، أو التعليقات الساخرة من مشاركتها في السياسة من قبيل “خلّيها بالمطبخ أحسن”، أو الميمز التي تهزأ من أجساد النساء وأعمارهنّ تحت شعار “الضحك الخفيف”.
ورغم بساطة هذه الأمثلة للوهلة الأولى، إلا أنّها تعكس ثقافة الاستهزاء بالنساء وتكرّس العنف الرمزي ضدّهنّ وتعيد إنتاج الصور النمطية التي تحاصر حضورهنّ في الفضاء العام.
View this post on Instagram
التعليقات والمنشورات التي تُعتبر اليوم “عادية” يمكن أن تُصنّف غداً كتنمّر معاقب عليه
هل سيحدد القضاء “النكتة” جريمة أم حرية تعبير؟
إقرار مقترح قانون كهذا قد يشكّل تحوّلاً في التعاطي مع هذه الظواهر، إذ إن النص يعطي مساحة واسعة لتجريم أي سلوك عدائي أو استهزائي قائم على أساس الجندر، ما يعني أنّ كثيرًا من التعليقات والمنشورات التي تُعتبر اليوم “عادية” يمكن أن تُصنّف غداً كتنمّر معاقب عليه.
غير أنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو مدى قدرة القانون على أن يكون فاعلًا بشكلٍ جدّي. فالمسألة لا تتعلق بالنصوص وحدها، بل بآليات الشكوى التي تتيح للنساء الإبلاغ بسهولة عن المنشورات المسيئة، وباستجابة القضاء الذي عليه أن يحدّد ما إذا كانت “النكتة” جريمة أم مجرّد تعبير عن رأي، وبالإمكانات المتوافرة لدى الأجهزة الأمنية لملاحقة هذا النوع من القضايا الرقمية.
التوعية والجدية مطلوبان لتطبيق القانون
من هنا، يبدو أن تجريم التنمّر خطوة متقدمة وضرورية في بيئة قانونية كثيرًا ما تتساهل مع العنف الرمزي ضد النساء.
لكنّ القانون وحده لا يكفي إذا لم يترافق مع جهود توعية وتربية مجتمعية تغيّر النظرة إلى السخرية الجندرية وتوضح أنّها ليست بريئة ولا بلا أثر.
إنّ الانتقال من النص إلى التطبيق ومن العقوبة إلى التغيير الثقافي هو ما سيحكم على هذا القانون بالنجاح أو الفشل. فبينما قد يشكّل نصًّا رادعًا بيد النساء والحملات النسوية لمساءلة ممارسات التنمّر، لن يتحوّل إلى أداة حماية فعلية إلا إذا توفّرت إرادة سياسية وقضائية جدّية تواكب روح النص.