
حملة رقمية بملايين الدولارات: كيف تحتل إسرائيل الفضاء الإلكتروني لرسم روايتها المضللة عن غزة؟
إسرائيل تدفع حتى 7 آلاف دولار لكل منشور: "مشروع إستر" لتجنيد المؤثرات/المؤثرين عبر السوشيال ميديا
بينما يتّجه الرأي العام العالمي بشكلٍ متسارع ضد حرب الإبادة الجماعية التي تشنّها إسرائيل في غزة، فتح الكيان الصهيوني جبهة جديدة لا تقل ضراوة عن القصف والدمار: جبهة الإعلام والفضاء الرقمي.
في تقرير جديد، نشرته أمس الخميس 2 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، منصة ميدل إيست مونيتور (MEMO)، كشفت عن وثائق رسمية وتقارير بحثية تكشف عن شبكة معقدة من المؤثرات/المؤثرين المدفوعات/ين، والتلاعب بالخوارزميات، وتسخير أدوات الذكاء الاصطناعي، في محاولة للسيطرة على الخطاب العام، خصوصًا بين الأجيال الشابة.
مشروع إستر”: مؤثرات/ون بآلاف الدولارات لكل منشور
وتكشف وثائق قانون تسجيل الوكلاء الأجانب في الولايات المتحدة (FARA)، أن وزارة الخارجية الإسرائيلية تدفع ما يصل إلى 7,000 دولار لكل منشور للمؤثرات/المؤثرين، بهدف نشر محتوى مؤيد للكيان المحتل على منصات مثل TikTok وInstagram، في إطار حملة دعائية صهيونية واسعة النطاق تستهدف تشويه الخطاب العام، خصوصًا بين الأجيال الشابة، وتشتيت الانتباه عن الاتهامات المتصاعدة بارتكاب الإبادة الجماعية في غزة.
وتُعد “حملة المؤثرات/المؤثرين”، التي تموّلها وزارة خارجية الكيان المحتل، أحدث أدوات الكيان في تصعيد حربه الدعائية على وسائل التواصل الاجتماعي، في محاولة لإنقاذ صورته الملوثة بالدماء ومكانته على الساحة العالمية.
وبحسب منظمة Responsible Statecraft، خُصِّصت ميزانية قدرها 900 ألف دولار لهذه الحملة لإنتاج ما بين 75 و90 منشورًا مدفوعًا، خلال الفترة الممتدة من حزيران/يونيو إلى أيلول/سبتمبر 2024، ويُنتَج المحتوى ضمن مبادرة تُسمّى “مشروع إستر”، يهدف إلى تلميع صورة إسرائيل وتشويه التضامن مع الفلسطينيين/ات.
اللافت أنّ اسم المشروع يتطابق مع مبادرة أطلقتها مؤسسة Heritage Foundation الأمريكية اليمينية، بعنوان “Esther” في تشرين الأول/أكتوبر 2024.وتهدف حملة المؤسسة إلى مواجهة ما تصفه بـ”الخطاب المعادي للسامية” داخل الجامعات الأمريكية وفي المجال العام.
وعلى الرغم من أنّ المشروعين غير مرتبطين رسميًا، إلا أنهما يتشابهان في أهدافهما الأيديولوجية: إذ يسعيان إلى الخلط بين التضامن مع الفلسطينيين/ات وانتقاد إسرائيل من جهة، والتطرف أو معاداة السامية من جهة أخرى، بما يؤدي إلى نزع الشرعية عن المعارضة.
عقد بملايين الدولارات: “كلوك تاور” على خط المواجهة
ولا تقتصر الاستراتيجية الإسرائيلية الأوسع على نشر محتوى دعائي فحسب، بل تشمل أيضًا جهودًا مباشرة لإعادة تشكيل بنية منصات المعلومات نفسها.
إلى جانب المؤثرات/المؤثرين، منحت الحكومة الإسرائيلية عقدًا بقيمة 6 ملايين دولار لشركة Clock Tower X LLC، التي يديرها براد بارسكال، المدير السابق لحملة دونالد ترامب.
العقد يركّز على إنتاج محتوى دعائي موجّه لجمهور الجيل Z، مع هدف معلن يتمثل في تحقيق 50 مليون مشاهدة شهريًا عبر TikTok وInstagram وYouTube.
لكن الأخطر أنّ العقد لا يقتصر على صناعة المحتوى، بل يتضمن محاولة للتأثير على كيفية استجابة أدوات الذكاء الاصطناعي – مثل ChatGPT – للأسئلة المتعلقة بإسرائيل وفلسطين.
View this post on Instagram
الذكاء الاصطناعي في خدمة الدعاية الصهيونية
وفقًا للتقارير، تخطط Clock Tower لإطلاق شبكة مواقع إلكترونية مؤيدة لإسرائيل، تغذيها بمحتوى استراتيجي مصمم بعناية، بهدف تشكيل “الإطار المعرفي” الذي تستند إليه نماذج الذكاء الاصطناعي عند توليد الإجابات.
تسعى هذه الاستراتيجية إلى السيطرة على الذكاء الاصطناعي من خلال إغراق الفضاء الرقمي بروايات “مفبركة” عن الكيان الصهيوني، بحيث يتغيّر تلقائيًا ما تقدّمه النماذج التوليدية من إجابات حول السياسات الإسرائيلية أو الوضع في غزة، لصالح الخطاب الدعائي.
بمعنى آخر: إذا سألتِ أداة ذكاء اصطناعي عن الوضع في غزة، فقد تكرّر الخطاب الإسرائيلي الرسمي، ليس لصحته، بل لأن الفضاء الرقمي أُغرِق بمحتوى دعائي موجه
كما تستخدم Clock Tower برامج متقدّمة مثل MarketBrew AI، وهي أداة مخصّصة للهندسة العكسية لخوارزميات محركات البحث، لضمان تصدّر الروايات المؤيدة لإسرائيل نتائج بحث Google وBing. وتساعد هذه التقنية، المعروفة باسم “تحسين محركات البحث التنبؤي” (Predictive SEO)، على دفع المحتوى النقدي أو المعارض إلى أسفل الترتيب، ما يجعله أقل ظهورًا للقارئات/القراء
تحالف رأس المال والدعاية
إلى جانب ذلك، من المتوقع أن يلعب لاري إليسون، مؤسس شركة Oracle وأكبر متبرع خاص لجيش الاحتلال، دورًا محوريًا في صفقة الاستحواذ على TikTok.
وقد أبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دعمه العلني للخطوة، واصفًا إياها بأنها “قد تكون ذات أهمية كبرى”.
حرب على الوعي في لحظة إدانة تاريخية
تأتي هذه المخططات بينما تواجه إسرائيل موجة إدانة دولية غير مسبوقة، إذ تسببت حربها منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 في مقتل أكثر من 68 ألف فلسطينية/فلسطيني، معظمهن/معظمهم من النساء والأطفال.
في المقابل، تُظهر استطلاعات الرأي الأمريكية أنّ الدعم لإسرائيل في صفوف الشباب/ات ينهار: فقط 9% من الفئة العمرية 18–34 عامًا يؤيدن/يؤيدون سياساتها.
اعتراف صريح من السفاح نتنياهو
في تصريح سابق، أقرّ نتنياهو بأن الجبهة الرقمية باتت الأهم، قائلاً: “لا يمكنكِ القتال اليوم بالسيوف، فهذا لم يعد يجدي. أهم الأسلحة الآن هي وسائل التواصل الاجتماعي.”