قتل النساء في مصر… أرقام صادمة تكشف أزمة بنيوية

العنف ضد النساء ليس حوادث فردية متفرقة، بل أزمة متجذرة ترتبط بتطبيع المجتمع مع العنف

تشير الأرقام إلى هشاشة منظومة حماية النساء في مصر، إذ يجري تسجيل أكثر من 300 جريمة قتل نساء سنوياً، فيما يوثّق مرصد جرائم العنف ضد النساء والفتيات أكثر من 1195 جريمة عنف في عام 2024 وحده، بينها 363 جريمة قتل، ارتكب 261 منها الأزواج أو أحد أفراد الأسرة. هذه الأرقام تعكس أن العنف ضد النساء ليس حوادث فردية متفرقة، بل أزمة متجذرة ترتبط بالثقافة السائدة والقوانين المتساهلة وتطبيع المجتمع مع العنف.

 

جرائم متكررة وصور مروعة

شهدت مصر خلال الأشهر الماضية جرائم مروعة راحت ضحيتها نساء وفتيات على يد أقارب أو أزواج. ففي 17 أغسطس/آب 2025، عُثر على لاعبة الجودو دينا علاء مقتولة بثلاث طلقات نارية داخل شقتها في الإسكندرية، بعدما أطلق زوجها النار عليها أثناء محاولتها حماية طفليها، ثم حاول الانتحار. وبعد يومين فقط، في 15 أغسطس، لقيت ربة منزل مصرعها إثر مشادة مع زوجها في الإسكندرية أيضاً، إذ اعتدى عليها بالضرب حتى ارتطام رأسها بالأرض، لتفارق الحياة بعد نقلها إلى المستشفى.

وفي 9 أغسطس/آب، تم توقيف خمسة متهمين من أسرة واحدة في العياط – الجيزة، هم الأم والجدة والعم وابن العم وثلاثة من أشقاء الأم، بعدما أجبروا فتاة قاصراً على تناول أقراص سامة أدت إلى وفاتها، ثم دفنوها من دون تصريح بادعاء أنها توفيت بفيروس كورونا. وفي 31 يوليو/تموز 2025، قتل رجل في الشرقية ابنته البالغة 17 عاماً بسبب رغبتها في فسخ خطوبتها لمواصلة التعليم. وفي مطلع يوليو/تموز، أمرت نيابة جنوب الجيزة بحبس ثلاثة متهمين من عائلة واحدة بتهمة قتل فتاة في منزلها بمنطقة أبو النمرس عقاباً لها على الزواج من دون علم الأسرة.

الاستراتيجيات الرسمية وفجوات التطبيق

أطلقت مصر عام 2015 “الاستراتيجية القومية للقضاء على العنف ضد المرأة”، وفي نهاية 2019 أطلقت “الاستراتيجية القومية لتمكين المرأة 2030”. وفي إبريل/نيسان 2024، أطلقت هيئة الأمم المتحدة للمرأة شراكة مع المجلس القومي للمرأة والحكومة الفرنسية لتمويل استثمارات وطنية لإنهاء العنف ضد النساء والفتيات. ورغم هذه المبادرات، تبقى النتائج محدودة بسبب فجوات قانونية وضعف التطبيق، في ظل غياب إرادة سياسية حقيقية لتغيير الواقع.

 

قانون يشرعن العنف

ترى الناشطة النسوية أسماء دعبيس، رئيسة مؤسسة “بنت النيل”، أن تصاعد جرائم قتل النساء يعكس أزمة مركبة تتداخل فيها الأعراف والدين والثقافة السائدة. وتشير إلى أن العنف داخل الأسرة غالباً ما يُنظر إليه كوسيلة “تأديب” مشروعة، فيما تسمح نصوص قانونية بتخفيف العقوبات أو إسقاطها. فالمادة 60 من قانون العقوبات تنص على عدم سريان أحكام القانون على أي فعل يُرتكب “بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة”، ما يفتح الباب لتبرير العنف الأسري. أما المادة 17 فتعطي القاضي سلطة تخفيف العقوبة درجة أو درجتين، وغالباً ما تستخدم في جرائم العنف ضد النساء. كذلك، لا تزال جرائم الشرف تُعامل كظروف مخففة تتيح للقضاة التهاون مع القتلة.

تعتبر أسماء دعبيس أن الجهود الرسمية لمواجهة العنف متباينة، فهناك خطوات إيجابية مثل إنشاء وحدات مناهضة العنف ضد المرأة في الجامعات، والعيادات الصديقة للنساء في المستشفيات، وتغليظ العقوبات في بعض القوانين. لكنها ترى أن هذه الإجراءات غير كافية، إذ إن الأمن الاجتماعي لا يتحقق عبر العقوبات وحدها، بل يحتاج إلى تغيير ثقافي جذري، وتوفير دعم نفسي وقانوني للضحايا، إضافة إلى تدريب الشرطة والقضاة على التعامل مع القضايا بجدية.

من جهتها، تؤكد الناشطة ميار مكي، مؤسسة مبادرة “بر أمان”، أن الثقافة السائدة تعطي الأهل والأزواج الحق في امتلاك بناتهم وزوجاتهم، وتمتد حتى إلى حق تأديبهن. وتدلل على ذلك بحكم قضائي حديث قضى بسجن أب لمدة عام واحد فقط بعدما قتل ابنته ضرباً، إذ اعتبر القاضي أن الجريمة ارتُكبت “بحسن نية”. وترى مكي أن تزايد جرائم قتل النساء يعود إلى انحدار مستوى الوعي والتعليم، وإلى بعض الخطابات الدينية المتطرفة، إضافة إلى وجود فضاء عدائي على مواقع التواصل الاجتماعي يستهدف النسويات ويحرّض ضدهن من دون مساءلة.

أرقام وتقارير

شجل تقرير “مرصد جرائم العنف ضد النساء والفتيات” الصادر عن مؤسسة إدراك للتنمية والمساواة عام 2024،  1195 جريمة عنف ضد النساء والفتيات. من بينها 540 جريمة ارتكبها أفراد من الأسرة، بينها 363 جريمة قتل، و261 منها ارتكبها الزوج أو أحد الأقارب. وتنوعت أساليب القتل بين الطعن بنسبة 23.1%، والخنق بنسبة 19%، والضرب المبرح بنسبة 15.4%.

كما وثّق التقرير 153 جريمة اغتصاب، و100 شروع في قتل، و90 ضرباً سبب عاهات، و182 تحرشاً جنسياً، و60 ابتزازاً إلكترونياً، و14 محاولة اغتصاب، و5 جرائم تنمر، و3 حالات تشويه جنسي. جغرافياً، سجلت القاهرة النسبة الأعلى بـ32.7% من الجرائم، تلتها الجيزة بـ23.3%، ثم القليوبية بـ6%، بينما بلغت النسبة في المنيا وسوهاج 3.9% لكل منهما، وجاءت الإسماعيلية في المرتبة الأخيرة بـ0.7%.

ويشير التقرير إلى منحى تصاعدي، إذ بلغ عدد الجرائم 815 في عام 2021، و1006 في عام 2022، وانخفض إلى 950 في عام 2023، قبل أن يقفز مجدداً إلى 1195 في عام 2024. أما نتائج المسح الصحي للأسرة 2021 فأظهرت أن 31% من النساء تعرضن لعنف أسري من الزوج.

وفي تقريرها الصادر في يوليو/تموز 2024، أكدت منظمة العفو الدولية أن مصر تفتقر إلى قانون شامل لمناهضة العنف الأسري، مشيرة إلى أن واحدة من كل ثلاث نساء مصريات تعرضت لشكل من أشكال العنف الأسري خلال حياتها، وأن الناجيات يواجهن عراقيل قانونية واجتماعية تجعل الوصول إلى العدالة محفوفاً بالمخاطر.

 

الزواج المبكر واستمرار الاستغلال

في يونيو/حزيران 2024، قدم “مركز قضايا المرأة المصرية” مذكرة للاستعراض الدوري الشامل بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حذّر فيها من استمرار الزواج المبكر، مؤكداً أن نحو 14% من الفتيات المصريات يتزوجن قبل بلوغ 18 عاماً، رغم أن القانون المصري يحدد السن القانونية للزواج.

 

غياب قانون شامل

تتواصل الدعوات لإصدار قانون موحد لمناهضة العنف الأسري، إذ قُدمت أكثر من مسودة في أعوام 2018 و2022 ومايو 2025، أبرزها نتاج تعاون بين منظمات نسوية وقوى حقوقية. المسودة الأخيرة اقترحت تعريفاً شاملاً للعنف المادي والمعنوي والجنسي والرقمي، وإجراءات واضحة لحماية الضحايا، وإنشاء وحدات متخصصة في الشرطة لتلقي الشكاوى، إضافة إلى مراكز دعم وتأهيل للضحايا والجناة.

وترى الناشطة أسماء دعبيس أن إصدار قانون موحد خطوة مهمة لكنها غير كافية، إذ تتوقف فعاليته على الإرادة السياسية والقدرة على التطبيق الصارم. أما الناشطة ميار مكي فتؤكد أن القانون سيشكل فارقاً لأنه لا يقوم على الانتقام أو تغليظ العقوبة فحسب، بل يضع تعريفات دقيقة للعنف وأشكاله، بما في ذلك الاغتصاب الزوجي والعنف الأسري، ويمنع التعامل معه كمسألة خاصة أو عائلية قابلة للتسوية الودية.

 

ثقافة ذكورية مسيطرة

تظهر الأرقام والتقارير أن جرائم قتل النساء في مصر ليست مجرد “حوادث أسرية معزولة”، بل أزمة بنيوية تعكس تواطؤ القوانين مع ثقافة ذكورية تطبع العنف وتبرره. وبينما تواصل الدولة الإعلان عن استراتيجيات وبرامج، يبقى غياب قانون شامل لمناهضة العنف الأسري والعجز عن حماية النساء أكبر العقبات. وفي ظل هذا الواقع، تبقى حياة مئات النساء والفتيات معلّقة بين فراغ تشريعي وثقافة مجتمعية تُشرعن السيطرة على أجسادهن وقراراتهن.

 

(المصدر: العربي الجديد)

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد