خدمة “تاكسي الدراجات النارية” خطرٌ يهدد خصوصية النساء

“في كل مرة أستخدم فيها تطبيق ‘تاكسي الدراجات النارية’، أشعر أن حياتي وبياناتي الشخصية في خطر”، تقول منى (إسم مستعار)، موظفة تتنقل يوميًا بين مناطق عدة في بيروت وضواحيها. وتضيف: “كثيرًا ما يُتداول رقمي بين مجموعات تقدم الخدمة خارج التطبيق، حتى وصل الأمر أحيانًا إلى حساباتي على مواقع التواصل. يرافق ذلك مخاوف دائمة من المضايقات بعد انتهاء التوصيلة”.
هذه التجربة اليومية لا تعكس مجرد تحديات فردية، بل تُبرز واقعًا أوسع يعكس محدودية حماية النساء في الفضاء العام وفي البيئة الرقمية على حد سواء.

تاكسي الدراجات النارية: بدائل ناقصة في ظل غياب النقل العام

انتشرت في السنوات الأخيرة تطبيقات تقدّم خدمة “تاكسي الدراجات النارية” كخيار أسرع وأقلّ تكلفة، إلى جانب مجموعات خاصة تضمّ سائقين يشرف عليهم مسؤول يوزّع المهام بحسب المناطق. ومؤخرًا، باتت الخدمة تُعرض أيضًا على الطريق العام، حيث يتوقف بعض السائقين لتقديمها مباشرة للمارّة.

هذه البدائل فتحت نافذة للنساء للتنقّل في ظل غياب شبكة نقل عام منظّمة وفعّالة، إذ يفتقر لبنان إلى مواصلات تغطي مختلف المناطق، فيما تبقى أماكن العمل بعيدة عن الطرق الرئيسية، وسط ازدحامٍ مروري يومي ولا سيّما في ساعات الصباح.

لكن هذه الحلول لم تأتِ من دون مخاطر، إذ واجهت النساء تحديات متصلة بعدم الالتزام بمعايير السلامة، وانتهاك الخصوصية، وتعرّضهن للمضايقات، فضلًا عن غياب تشريعات واضحة تنظّم استخدام الدراجات النارية والتطبيقات الرقمية.

“كثيرًا ما يُتداول رقمي بين مجموعات تقدم الخدمة خارج التطبيق، حتى وصل الأمر أحيانًا إلى حساباتي على مواقع التواصل.”

حقنا في الحماية الرقمية وسلامتنا الجسدية

تخبرنا منى: “بدأتُ باستخدام تطبيقات التوصيل قبل عدة أشهر لتسهيل التنقل وتوفير التكلفة وتفادي زحمة السير. لكن التجربة لا تخلو من المخاطر؛ فبعض السائقين لا يلتزمون بمعايير السلامة، مثل ارتداء الخوذة أو ملاءمة الدراجة، وأحيانًا أضطر لطلب تخفيف السرعة بسبب خطورة الطرقات”.

وتتابع: “كذلك يعرض بعضهم تقديم الخدمة خارج التطبيق، مدّعين أنها أكثر أمانًا وسرعة. لكنني فوجئت بأن مجموعات توصيل بدأت ترسل لي رسائل مباشرة، ما جعل بياناتي الشخصية، بما فيها رقمي واسمي، متاحة من دون موافقتي”.

وتضيف: “المشكلة لا تتوقف هنا، إذ يتجرأ بعض السائقين على مضايقتي بمحاولات الحديث الشخصي أو طلب الصداقة. اضطررت مرارًا إلى حظر أرقامهم. ومع ذلك، يبقى خوفي الأكبر من التبليغ، سواء عبر التطبيق أو لدى الجهات الرسمية: هل سيحميني الإبلاغ فعلًا، أم أنه قد يعرّضني لمزيدٍ من المخاطر بما أنّ السائقين يملكون رقمي وعنواني؟ لهذا السبب، توقفت عن استخدام التطبيق كليًا”.

تجربة منى لا تعكس مجرد معاناة فردية، بل تكشف عن واقع أوسع للعنف القائم على النوع الاجتماعي في الفضاء العام. إذ غالبًا ما تُحمَّل الناجيات مسؤولية ما يتعرضن له، في ظل غياب قوانين واضحة تضمن حمايتهن وتعزز حقهن في الأمان، سواء في الشارع أو في الفضاء الرقمي.

 

 

العنف البنيوي في النقل العام

ما عاشته منى ونور ولين لا ينفصل عن العنف البنيوي الذي يطبع تجربة النساء مع النقل في لبنان. فقد أظهرت دراسة بعنوان “Navigating Mobility in Crises: Public Transport Reliability and Sustainable Commuting Transitions in Lebanon” نُشرت في حزيران/ يونيو 2025، أن النساء، لا سيما في المناطق ذات الدخل المحدود، يعتمدن أكثر من الرجال على النقل العام، لكنهن يواجهن مخاوف دائمة من التحرش والاعتداءات.

وتشير الدراسة إلى أن العوامل الاقتصادية والاجتماعية تحدّ من وصول النساء إلى وسائل نقل آمنة، ما يجعل تحسين البنية التحتية للنقل العام ضرورة لضمان سلامتهن أثناء التنقل.

“غياب إطار تشريعي شامل ينظم استخدامها في النقل العام يضاعف المخاطر على السلامة، خصوصًا بالنسبة للنساء”

التنظيم القانوني للدراجات النارية والنقل العام في لبنان

رغم الانتشار الواسع لاستخدام الدراجات النارية كوسيلة نقل أساسية، لا سيما في المدن اللبنانية، ما زال القانون اللبناني يفتقر إلى تنظيم واضح يحدد إطار استخدامها في النقل العام أو عبر تطبيقات التوصيل.

فـ”قانون السير” (رقم 243/2012) يقتصر على قواعد السلامة العامة، مثل إلزامية ارتداء الخوذة والالتزام بقوانين المرور، مع تحديد الغرامات والعقوبات للمخالفين/ات. كما صدرت قرارات محلية متفرقة، أبرزها قرار محافظ بيروت (رقم 5/ب، 7 فبراير/شباط 2025) الذي يمنع سير الدراجات النارية ليلًا ضمن نطاق العاصمة، باستثناء الخدمات الضرورية.

إلا أنّ غياب إطار تشريعي شامل ينظم استخدامها في النقل العام يضاعف المخاطر على السلامة، خصوصًا بالنسبة للنساء، إذ يضعهن أمام تهديدات مباشرة تتعلق بأمنهن الجسدي وحماية بياناتهن الشخصية على حد سواء.

تعرضتُ للشتم والتهديد من أحد سائقي الدراجات

تعرِضُ نور (اسم مستعار) في شهادتها كيف تعرضت لمضايقات خلال استخدامها لهذه الخدمة، وتقول: “انتهيتُ من عملي كالمعتاد، وطلبتُ درّاجة نارية من إحدى المجموعات التي تقدّم خدمة التوصيل خارج إطار التطبيق. لم تكن تلك المرة الأولى، فأنا ألجأ إليها منذ فترة طويلة لأنها أوفر وقتًا وتكلفة. في ذلك اليوم تواصلتُ مع السائق لأعطيه عنوان عملي، إذ أن السائق يتبدّل دائمًا. حدّدنا موعد الانطلاق، لكنه تأخّر في الوصول، وعندما حاولتُ التواصل معه ردّ عليّ بطريقة مهينة. عندها طلبتُ من صاحب المجموعة إلغاء الطلب، فإذا بالسائق يرسل إليّ رسالة تحمل أبشع أشكال التنمّر والألفاظ النابية والتهديد، متهِمًا إياي بالمسؤولية عن توقيفه عن العمل”.

وتضيف: “لا أنكر أنّ التجربة أثّرت فيّ كثيرًا. حاولتُ استيعاب ما جرى، فتغيّبتُ عن العمل عدة أيام خوفًا من تكراره. في المقابل، امتنعتُ عن إبلاغ الجهات الرسمية خشية أي تداعيات قد تزيد من خطورته عليّ، خصوصًا أنّه تعرّف على مكان عملي. ومنذ ذلك الحين، بدأتُ أفكّر جديًا في التوقف عن استخدام هذه الخدمة، حفاظًا على صحتي النفسية وتجنّبًا لأي مشاكل محتملة”.

“غياب وسائل نقل آمنة يعرّضنا لمخاطر إضافية. ففي كل مرة أخرج إلى عملي، أضع حياتي على المحك”

تجربة motorcycle lady lover

ظهرت مؤخرًا تجربة لافتة في بيروت وضواحيها، تقودها السيدة حنان التي أطلقت خدمة توصيل عبر دراجات نارية مخصّصة للنساء تحت اسم motorcycle lady lover

. وقد نشرت عبر صفحتها على تطبيق “تيك توك” مقاطع تعريفية بالخدمة التي توفّر وسيلة نقل سريعة وآمنة، مع التزامها بشروط السلامة وأبرزها إلزام الراكبة بارتداء الخوذة. وتكشف هذه المبادرة عن محاولات فردية مبتكرة لمواجهة أزمات السير والبطء في وسائل النقل التقليدية، وفي الوقت نفسه تسليط الضوء على حاجة النساء إلى خيارات آمنة ومراعية لخصوصيتهن ضمن الفضاء العام.

@motorcycleladylover♬ original sound – LADY ON MOTO ❤️

لا حماية مضمونة

تقطنُ لين (فضلت عدم ذكر اسمها الحقيقي)، خارج العاصمة وتعمل في مؤسسة بعيدة عن منزلها، ما يضطرّها إلى استخدام الخدمة ذاتها. خلال أحد مشاويرها، تعرّضت لحادث كاد يودي بحياتها.

تروي لـ”شريكة ولكن”: “بدايةً كنتُ أستخدم التطبيق، ومن خلاله تعرّفتُ إلى أحد السائقين الذي أخبرني بوجود مجموعة آمنة تقدّم خدمة التوصيل عبر الدراجات النارية. تواصلت معهم وأصبحت أعتمد هذه الخدمة بشكلٍ يومي، لكنني في المقابل تعرّضتُ لعدة مخاطر بسبب السرعة وغياب إجراءات الوقاية. ففي إحدى المرات انقلبت بنا الدراجة النارية، وأُصيبت قدمي إصابة بالغة اضطررت على إثرها إلى دخول المستشفى. اضطررت لتحمّل تكاليف العلاج كاملة لمدة ثلاثة أشهر، إذ لم يتكفّل السائق ولا الجهة المشغّلة بأي مصاريف”.

وتضيف: “إنّ غياب وسائل نقل آمنة يعرّضنا لمخاطر إضافية. ففي كل مرة أخرج إلى عملي، أضع حياتي على المحك، من دون أي ضمانات أو حماية، فقط لأنني مضطرة إلى وسيلة نقل أسرع وأرخص من غيرها”.

“غياب الخطوات الإصلاحية يعني تكريس العنف البنيوي واستمرار إقصاء النساء”.

إشراك النساء حاجة ملحة

تكشف حكايات منى ونور ولين عن واقعٍ يوميّ تُواجه فيه النساء مخاطر متعدّدة تبدأ من غياب السلامة وانتهاك الخصوصية وصولًا إلى المضايقات بعد التوصيل.

هذه التجارب الفردية تعكس مشكلةً أوسع تتمثّل في محدودية حماية النساء في الفضاءين العام والرقمي، وفي استمرار استبعادهن كسائقات رغم وجود مبادرات قائمة كان يمكن أن تؤمّن لهنّ مزيدًا من الأمان والخصوصية.

من هنا، يصبح الإصلاح الشامل لقطاع النقل ضرورةً ملحّة، لا تقتصر على تحسين البنية التحتية أو سنّ التشريعات، بل تشمل أيضًا إعادة الثقة بالنساء كسائقات وإدماجهن بفعالية في هذا القطاع. فإشراكهن في تطبيقات النقل وتطوير قوانين واضحة تنظّم النقل عبر الدراجات النارية والتطبيقات الرقمية، بما يضمن حماية بياناتهن وسلامتهن، يفتح الباب أمام مقاربة جديدة للعدالة الجندرية في الفضاء العام.

إن غياب هذه الخطوات يعني تكريس العنف البنيوي واستمرار إقصاء النساء، فيما المطلوب هو سياسات حضرية منصفة تعترف بدورهن وتكفل لهن الحق الكامل والآمن في المدينة.

ختامًا، إن إصلاح قطاع النقل في لبنان لن يكتمل من دون الاعتراف بحق النساء ليس فقط في التنقل الآمن، بل أيضًا في القيادة والمشاركة الكاملة في صياغة هذا الحق.

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد