هجمات إلكترونية ذكورية لإسكات النساء في سوريا

حملة ممنهجة ضد الناشطة بتول الشيخ

تعرّضت الناشطة بتول الشيخ لهجومٍ حادّ ووابلٍ من الشتائم بعد انتقادها لحملة “السويداء منّا وفينا” التي أطلقتها الحكومة السورية لجمع التبرعات للمحافظة، بهدف إعادة تأهيل الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء.

اعتبرت بتول الشيخ، وهي من منطقة بابا عمرو في مدينة حمص، أن تنظيم حملة التبرعات “يشبه جولة رئيس النظام السابق بشار الأسد في الحيّ ذاته بعد سيطرة قواته عليه”، وذلك عقب تدمير أجزاء واسعة منه وتهجير سكانه بعد حصارهم/ن وتجويعهم/ن.

أثار هذا التشبيه حفيظة عددٍ من الناشطين/ات الموالين/ات للسلطات السورية الحالية، الذين/ اللواتي شنّوا/ين هجومًا حادًّا على بتول، مستخدمين ألفاظًا نابية وعباراتٍ ذكورية تستهدف النساء بسبب جنسهنّ، بدلًا من مناقشة الأفكار التي تطرحها.

يُشار إلى أن العديد من الحسابات الوهمية “الذباب الإلكتروني”، شاركت في هذه الحملة، إذ غالبًا ما تواجه الناشطات هذا النوع من الهجمات عند التعبير عن آرائهن المعارضة، في محاولةٍ للضغط عليهنّ وإسكات أصواتهنّ.

في المقابل، أعرب/ت ناشطون/ات عن تضامنهم/ن مع بتول الشيخ في مواجهة حملة الشتائم التي تعرّضت لها بسبب ممارستها لحقّها في التعبير عن الرأي.

الضغط الإلكتروني الذكوري لإسكات النساء الناشطات

هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، إذ تتكرّر حالات مماثلة تستهدف الناشطات والسياسيات والعاملات والعاملين في الشأن العام، نتيجة تعبير النساء عن آرائهنّ بحرية. وتتّسم هذه الحملات بخطابٍ ذكوريٍّ تحريضيٍّ يدعو إلى إقصاء النساء من المجال العام والسياسي، انطلاقًا من نظرةٍ دونيّةٍ تجاه مشاركتهنّ في صناعة القرار.

تقوم هذه الحملات على شتم النساء وتسخيف آرائهنّ لمجرّد كونهنّ نساء، وقد يصل الهجوم أحيانًا إلى الطعن بسمعتهنّ الشخصية، من دون أي نقاشٍ جادٍّ حول أفكارهنّ أو مواقفهنّ. ولا تقتصر تلك الهجمات على الفضاء الإلكتروني، بل تمتدّ إلى التحريض على العنف أو الدعوة إلى الاعتقال أو التهديد بالقتل، في مسعى لقمع أي صوتٍ نسائيٍّ مستقلّ.

وفي بحثٍ أجرته وحدة الأبحاث في موقع سناك سوري قبل أشهر حول “الفجوة التمثيلية للنساء والشباب خلال المرحلة الانتقالية”، تمّ توجيه سؤالٍ إلى 386 امرأة في استبيانٍ كميٍّ حول أبرز العوائق التي تحول دون مشاركة المرأة الفاعلة في الحياة السياسية.

وأرجعت النسبة الأكبر من المشاركات (69.7%) السبب إلى الخوف والمخاطر الأمنية، بينما أرجعت 16.4% السبب إلى الضغوط الاجتماعية. ويعني ذلك أنّ نحو 86% من النساء المشاركات يمنعهنّ الخطر الأمنيّ والخوف من المجتمع من الانخراط في العمل السياسي.

الخوف والمخاطر الأمنية والضغوط الاجتماعية تقوض دور النساء السوريات في التمثيل السياسي والاجتماعي.

تهميش دور النساء في الحياة السياسية

يظهر هذا الانكفاء بوضوح في الاستحقاقات الوطنية، كما حدث مؤخرًا في عملية تشكيل مجلس الشعب، حيث لم تنجح سوى ست نساءٍ من أصل 119 عضواً في الوصول إلى مقاعد البرلمان، بنسبةٍ لا تتعدّى 5%، على الرغم من أنّ النظام الانتخابي المؤقت دعا إلى مراعاة حضور النساء بنسبةٍ لا تقلّ عن 20% ما أمكن.

وقد انتقدت عضوة اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب الانكفاء النسائي عن المشاركة في العملية الانتخابية، لكنها تجاهلت في حديثها التحدّيات الحقيقية التي تواجه النساء نتيجة انخراطهنّ في الشأن العام، والمخاطر التي ترافق تعبيرهنّ عن آرائهنّ، والتي تبدأ بحملات التشويه والشتائم، وقد تصل إلى تهديد حياتهنّ فعليًّا.

ويتعدّى تأثير حملات الهجوم والشتائم الإلكترونية ضد النساء حدود “الانتصارات” الذكورية للجيوش الإلكترونية، ليصل إلى تشويه معايير التمثيل السياسي في المجتمع. إذ يُفضي هذا النمط من العنف إلى تغييب نسبةٍ واسعةٍ من المجتمع، تمثّلها النساء، عن المشاركة في صنع القرار والعمل العام، ما يعني عمليًّا إقصاء احتياجات النساء ومطالبهنّ وآرائهنّ من الحضور في المجال السياسي.

وبذلك يترسّخ طابعٌ ذكوريٌّ مهيمن في الحقل العام، يُلوِّح دومًا بعصا التهديد والهجوم ضدّ أيّ امرأةٍ تحاول الإفصاح عن رأيها بحريةٍ وشجاعة.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد