
تجويع وحصار وإعدامات ميدانية.. ماذا يحدث في الفاشر؟
أثارت مشاهد مروعة لإعدامات ميدانية وانتهاكات واسعة ضد المدنيين في مدينة الفاشر (عاصمة ولاية شمال دارفور بغرب السودان) موجة غضب عارمة على منصات التواصل الاجتماعي، بعد يومين من إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها على المدينة، وسط تحذيرات حقوقية دولية من جرائم وصفت بأنها ترقى إلى مستوى الإبادة.
وتوالت خلال اليومين الماضيين فيديوهات موثقة لما يجري في الفاشر، أظهرت مشاهد صادمة لإعدامات ميدانية جماعية أمام الكاميرات، في انتهاك صارخ للقوانين الإنسانية الدولية، مما أثار استنكارا واسعا لدى السودانيين ومتابعي الشأن السوداني على المنصات الرقمية.
تنديد أممي
طالبت الأمم المتحدة بتوفير ممر آمن للمدنيين/ ات المحاصرين/ات في مدينة الفاشر السودانية، بعدما أعلنت قوات الدعم السريع، مطلع الأسبوع الجاري، سيطرتها الكاملة على المدينة.
وفي ال 27 تشرين الأول / أكتوبر الجاري، قال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، توم فليتشر، في بيان: “مع تقدم المقاتلين داخل المدينة وقطع طرق الهروب، أصبح مئات الآلاف من المدنيين/ات محاصرين/ات ومرعوبين/ات يتعرضون/ن للقصف ويتضورون/ن جوعاً ولا يحصلون/ن على الغذاء أو الرعاية الصحية أو الأمان”.
وأقرّ قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان بانسحاب الجيش من مدينة الفاشر في إقليم دارفور، غداة إعلان قوات الدعم السريع السيطرة عليها بعد معارك استمرت منذ نيسان/ابريل 2023.
وقال البرهان في خطاب بث عبر التلفزيون الوطني “وافقنا على انسحاب الجيش من الفاشر لمكان آمن”، مؤكداً أن قواته “ستقتص لما حدث لأهل الفاشر”.
وفي سياق متصل، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن القتال الأخير يُمثّل “تصعيداً خطيراً” في الصراع، مضيفاً أن معاناة المدنيين “لا تطاق”، بحسب وكالة فرانس برس للأنباء.
بداية الأزمة
بعد اندلاع حرب السودان في نيسان/أبريل عام 2023، يخوض الجيش وقوات الدعم السريع حرباً لم تفلح وساطات إقليمية ودولية عديدة في إنهائها، وسط معاناة المدنيين. وقُتل في الحرب نحو 20 ألف شخص وتشرد أكثر من 15 مليوناً بين نازحٍ ولاجئ، وفقاً لتقارير أممية ومحلية.
وبدأ حصار ميليشيا الدعم السريع لمدينة الفاشر أكبر مدن إقليم دارفور وعاصمة ولايته الشمالية في 10 أيار/مايو عام 2024، بعد خروج بعض الحركات المسلحة عن مبدأ الحياد ودعمها للجيش.
وتعاني مدينة الفاشر، منذ ذلك اليوم، من الجوع والمرض حيث منعت الميليشيا نفاذ آي مساعدات انسانية من غذاء ودواء إلى المدينة. وعلى مدار تلك الشهور والأسابيع، ظلت قوات الدعم السريع يستهدف المدينة بهجمات عسكرية شرسة، لكن قوات الجيش والقوات المشتركة داخل المدينة المحاصرة تصد الهجمات عنها.
View this post on Instagram
مجازر وإعدامات ميدانية
اتهمت القوة المشتركة، المتحالفة مع الجيش السوداني، قوات الدعم السريع بـ “إعدام أكثر من ألفي مدني أعزل” في مدينة الفاشر غربي السودان، منذ الأحد، فيما وصفته بأنه “انتهاكات مروعة” مدعومة بصور التقطت بالأقمار الاصطناعية.
وقالت القوة المشتركة في بيانها أمس 27 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، إن قوات الدعم السريع “ارتكبت جرائم فظيعة بحق مدنيين أبرياء في مدينة الفاشر، حيث أعدم أكثر من ألفي شخص يومي 26 و27 تشرين الأول/أكتوبر، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن”.
وأدانت القوة المشتركة في بيانها ماترتكبه مليشـ.ـيا الدعم السـ.ـريع الإرهـ.ـابية من جرائم ضد المدنيين/ات، وحملت المليشيا والدول الداعمة لها كامل المسؤولية الجنائية والأخلاقية والقانونية عما جرى ويجري في مدينة الفاشر من انتهاكات تمثل جـ.ـرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية.
وطالبت القوة المشتركة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الدولية والحقوقية بضرورة تصنيف المليشيا منظمة إرهـ.ـابية، وتقديم الجناة للعدالة الدولية.
View this post on Instagram
شبكة أطباء السودان
من جهتها، أعلنت شبكة أطباء السودان، أمس الثلاثاء الموافق 28 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، أن قوات الدعم السريع اختطفت ستة من الكوادر الطبية بالفاشر وتطالب بفدية مالية لإطلاق سراحهم.
وقالت شبكة أطباء السودان، في بيان صحفي:”أقدمت قوة من الدعم السريع بمدينة الفاشر على اختطاف ستة من الكوادر الطبية هم أربعة أطباء وصيدلي وكادر تمريض ظلوا يقدمون خدماتهم للمرضى والمصابين طيلة فترة الحصار، حيث ابتزّت ذويهم وطالبت بفدية مالية تبلغ 100 مليون جنيه سوداني لكل طبيب مقابل إطلاق سراحه”.
وحملت الشبكة “الدعم السريع المسؤولية الكاملة عن حياة وسلامة الكوادر المختطفة”، مؤكدة أن “ما يجري هو عمل إجرامي منظم يستهدف ضرب ما تبقى من منظومة الرعاية الصحية في دارفور، وترهيب العاملين في المجال الإنساني”.
ووجهت الشبكة نداءً عاجلاً لمنظمة الصحة العالمية وكافة المنظمات الطبية والحقوقية الدولية “للتدخل الفوري وممارسة أقصى الضغوط على الدعم السريع لإطلاق سراح الأطباء فوراً، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة التي تُعد انتهاكاً سافراً للقانون الدولي الإنساني”.
وأكدت أن “استهداف الأطباء جريمة لا يمكن السكوت عليها، ومافعله أفراد الدعم السريع من اختطاف وتغييب قسري ضد الكوادر الطبية والمطالبة بفدية لإطلاق سراحهم جريمة تخالف كل القوانين الدولية والإنسانية التي تنظم عمل الكوادر الطبية في مناطق النزاع وتحفظ لهم حقوقهم وتجرم المساس بهم”.
الأهمية الاستراتيجية للفاشر
تعد “الفاشر” أخر محطة في إقليم دارفور كانت خارج سيطرة الميليشيا، والسيطرة عليها تعني أن الإقليم الغربي سيكون خاضعا لنفوذ الدعم السريع ويعزز من مخاوف تكريس الانقسام ومناطق السيطرة تكرارا للسيناريو الليبي.
ويقطن إقليم دارفور نحو 9.5 مليون نسمة، وتبلغ مساحته حوالى 493 ألف كيلو متر أى ما يقرب من نصف مساحة مصر، ويتمتع الأقليم بثروات طبيعية ضخمة كـ”البترول” وأيضا اليورانيوم تلك المادة الاستراتيجية، و حوالي ٢٠ ٪ من ثروات السودان الحيوانيّة.
وسعت ميليشيا الدعم السريع للسيطرة على تلك الولاية، لأنها آخر القلاع الحصينة في دارفور وبسقوطها يكون الإقليم الغربي بصورة كاملة تحت سيطرتها، بعد “الجنينة، نيالا، زالنجي، والضعين”.