الاعتقال القسري والتعتيم على النساء في الكويت

شهادات من داخل السجون

آمنة أخميس محمد المري، شابة جامعية في مقتبل العمر تبلغ 21 عامًا، تحوّلت قصتها منذ شباط/ فبراير 2025 إلى عنوان جديد في سجل الاعتقالات التعسفية للنساء بالكويت.

قبيل شهر رمضان الفائت، تداول الأهالي خبر اعتقالها وسط مكانٍ عام وأمام عائلتها، في واقعةٍ صادمة اتّسمت بالغموض والتكتم. مرّت الشهور واسمها مخفيٍّ، ولا يُعرف عن مصيرها سوى روايات شفهية بين نساء منطقتها تؤكد أنها أخذت قسرًا دون سند قانوني.

‏حتى تاريخ 4 أيلول/ سبتمبر 2025 فقط، كُشف اسمها الكامل على العلن. هذه الخطوة جاءت متأخرة، لكنها تمثل كسرًا لجدار الصمت الذي أحاط بقضيتها، بعدما تجاهلت المؤسسات الحقوقية والنسوية والمعارضة ذكرها أو الدفاع عنها.

إن التستر لم يحمِ أحدًا من قبل، ولن يحمي آمنة اليوم.

‏المجتمع الأبوي والقمع المزدوج

‏تظل معاناة النساء المعتقلات في الكويت ملفًا مغيبًا عن الرأي العام. لا تعرف أسماء الكثيرات منهن، ولا أعمارهن، ولا خلفيات قضاياهن. يزجّ بالنساء، صغيرات وكبيرات، في السجون على خلفية حرية الرأي، بينما يلتزم المجتمع الصمت، وأحيانًا يشارك الأهل أنفسهم/ن في التستّر على الجريمة.

‏تلعب البيئة الذكورية الأبوية دورًا محوريًا في تعزيز هذا القمع. في المجتمعات الأبويّة، يُنظر للنساء على أنهن “عار”، فيتعرضن لللوم والوصم إذا عبّرن عن آرائهن أو شاركن في نشاطٍ مجتمعي. الأهل أحيانًا يساهمون في تضليل العدالة عبر حماية سمعتهم/ن على حساب حقوق بناتهم/ن، عبر التستر على انتهاكات الدولة أو تشجيعها على الصمت، بدل الدفاع عن حقهن في التعبير. بينما يحتفى بالأبناء الذكور إذا اعتُقلوا أو تحدوا السلطة، معتبرينهم شجعان.

يظهر هذا الانحياز الطبقي-الجندري كيف يكرّس المجتمع الأبوي القمع ويحول النساء إلى ضحايا مزدوجات: ضحايا الدولة وضحايا الوصمة الاجتماعية.

‏بل وأكثر من ذلك، فإن الفتيات بعد خروجهن من السجن الرسمي غالبًا ما يواجنه سجنًا آخر داخل منزل أهلهن، خصوصًا إذا كنّ بدويات. يُعاملن هناك باللؤم والاحتقار، ويُحمّلن مسؤولية ما حصل لهن، وفي بعض الحالات يصل الأمر إلى تهديد حيواتهن أو القتل بذريعة “غسل العار”.

هذا السلوك يضاعف معاناتهن، ويحوّل حقهن في الحرية والأمان الشخصي إلى وهم، ويؤكد أن القمع لا يقتصر على الدولة، بل يشمل المجتمع والأسرة أيضًا.

‏الاعتقالات الأخيرة والتعتيم

‏في الأيام الماضية، تعرضت المغردة آمنة الرفاعي للاعتقال. لم تفعل سوى المطالبة بحقها، ثم انقطعت أخبارها بعد تهديدها، تاركةً تساؤلات مفتوحة حول مصيرها.

قضية آمنة ليست معزولة، فقبلها بوقتٍ قصير جرى تداول خبر اعتقال الشابة الجامعية آمنة أخميس محمد المري، بعد أن اختطفت قسرًا أمام عائلتها في مكان عام في شباط/ فبراير 2025. ومنذ ذلك الوقت، ظل اسمها ومصيرها مخفيين حتى كشف عنه مؤخرًا.

‏حالات أخرى تؤكد أن التعتيم على قضايا النساء المعتقلات في الكويت ممنهج. صفحة “المجلس” نشرت سابقًا خبر اعتقال طالبة جامعية، لكنها حذفت بعد ساعات، في مؤشر واضح على سيطرة الحكومة على الإعلام المحلي وقمع الحرية الصحفية، خصوصًا وأن سبب اعتقالها كان نشر مقالات سياسية، دون أن يكشف عن مضمونها.

‏ولم تكن قضية آمنة المري الأولى، ولن تكون الأخيرة.

هناك معتقلات رأي أخريات تم التستر على اعتقالهن، ولم يكشف عن أسمائهن أبدًا. فقد ذكر النائب السابق لمجلس الأمة، المعلّق حاليًا، خلال زيارته للسجن المركزي في 25 تموز/ يوليو 2023، أن هناك “مغردات” لم يشملهن العفو، معبرًا عن دهشته: “تفاجأنا خلال زيارتنا للسجن المركزي أن هناك مغردات لا يزلن في السجن.”

‏في عام 2021، ألقي القبض على فتاتين رفعا لافتات في الشوارع تحمل أسماء ضحايا الغدر الذكوري، للتذكير بجرائم قتل النساء.

في 20 أيار/ مايو 2021، نشر المحامي عبد العزيز اليحيى عبر منصة “إكس” أن المواطنتين احتجزتا وعرضتا على النيابة العامة بتهمة “نشر بيانات تُضعف هيبة الدولة”، مع احتمال عقوبة تصل إلى خمس سنوات. ولم يرد أي خبر عن مصيرهن منذ ذلك الحين، مما يعكس استمرار سياسة التعتيم والإخفاء القسري، ويؤكد نمطًا ممنهجًا من التضييق على النشاط الحقوقي النسوي ومنع أي مساءلة.

‏الانتهاكات داخل السجون

‏تزامنًا مع تداول خبر اعتقال آمنة المري، وردت مزاعم عن تعرضها للتحرش الجنسي في السجن. وبحسب روايات متداولة، فقد كانت تستنجد بوالدها هاتفيًا وتصف ما تتعرض له.

هناك تمييز بين السجينات في المعاملة، حتى في الأكل والاتصال بأهلهن.

هذه الشهادات تتقاطع مع تجارب سجينات أخريات أكدن عبر منصات التواصل تعرضهن للتمييز وسوء المعاملة، وصولًا إلى الحرمان من العلاج والاتصال بالمحامين أو ذويهن.

‏إحدى المعتقلات السابقات كتبت عبر منصة إكس:

‏”هناك تمييز بين السجينات في المعاملة، حتى في الأكل والاتصال بأهلهن. أنا منعت من الاتصال بمحامي ومن الحصول على علاجي لمرضي المناعي مما تسبب في انتكاس حالتي الصحية.”

الضابط رفض طلبي بأخذ الدواء ورفض اتصالي بأهلي وطلبي بإدخال طعام من الخارج.

‏”الله يستر عليها من السجينة التي تحرشت بي بأوامر من فهد اليوسف.” هنا المغردة تقصد آمنة الرفاعي.

‏”هناك ضابط ملازم أول اسمه مختار يتعامل مع السجينات بشكل غير إنساني. هو من رفض طلبي بأخذ الدواء ورفض اتصالي بأهلي وطلبي بإدخال طعام من الخارج.”

‏”هناك سجينة مصرية مع ابنها البالغ 4 سنوات في عنبر الإبعاد منذ سنة، وقد رأيته بنفسي.”

‏كما ورد في خبر نشرته شبكة الكويت بتاريخ 4 أيلول/ سبتمبر 2025: “إحالة 11 ضابطًا وعسكريًا إلى النيابة بتهمة تعذيب سجين”.

تمت معاقبة الضباط المتهمين بحبسٍ إداريٍّ لا يتجاوز 25 يومًا، وتسجيل قضية شكلية بحقهم، ثم اختفت التفاصيل. لم تكشف ملابسات الحادثة، ولم يعلن عن مصير السجين، كما لم يظهر أي حكم قضائي واضح بحقهم. هذه سياسة الإفلات من العقاب بأوضح صورها.

‏التشهير الرسمي بالنساء

‏في المقابل، تمارس الدولة التشهير بالنساء كعقوبةٍ إضافية.

تحوّلت وزارة الداخلية إلى سلطة بلطجية تمارس الوصم الاجتماعي. المثال الأبرز كان مع الفنانة شجون الهاجري: لم تتهم بالاتجار بالمخدرات، بل بالاستهلاك الشخصي فقط، ومع ذلك جرى عرضها مكبلة أمام الكاميرات بطريقة مهينة. في الدول التي تحترم الحقوق، ينظر إلى التعاطي كمشكلة صحية تعالج، لا كوسيلة للتشهير والإذلال.

‏ولم تتوقف الداخلية عند ذلك. في 3 أيلول/ سبتمبر 2025، نشرت الوزارة صور وأسماء نساء قبل إحالتهن إلى النيابة العامة، في خرقٍ صارخ لقرينة البراءة. من بينهن:

‏- فاطمة غالي سنيد الحصيلي

‏- عهود غالي سنيد الحصيلي

‏- كريمة عبدالرزاق حسن

‏التهم الموجهة كانت فضفاضة: “التهجم” و”معاداة الدولة”. لكن الداخلية داهمت المنزل وأحدثت فزعًا، ثم سارعت إلى تشويه سمعة النساء أمام المجتمع قبل أي محاكمة. هذا النمط من التشهير الرسمي يعكس انحدار المؤسسة الأمنية إلى مستوى تصفية الحسابات العلنية، ويحوّل النساء إلى ضحايا مزدوجات: ضحايا السلطة، وضحايا الوصمة الاجتماعية.

‏تقاعس المؤسسات الحقوقية والنسوية

‏على الرغم من وجود عدة مؤسسات حقوقية ونسوية في الكويت، فإن معظمها لم يُبدِ أي موقف تجاه قضايا معتقلي ومعتقلات الرأي.

غالبًا ما تحاول هذه المؤسسات الظهور بمظهر المدافعات عن الحقوق والحريات، وكأنها تقود حملات حماية النساء والمجتمع، لكنها في الواقع تكتفي بالظهور الإعلامي دون أي فعلٍ ملموس، ولا يكلّفن أنفسهن حتى التواصل مع أهالي المعتقلات والمعتقلين أو تقديم أدنى أشكال الدعم والمساعدة لهن.

هذه الصورة الكاذبة تعطي انطباعًا زائفًا للمجتمع بأن هناك مؤسسات تدافع عن الحقوق، بينما تتجاهل الانتهاكات الجسيمة التي تتعرض لها النساء المعتقلات وتتركهن بلا مناصرات حقيقيات أو متابعة حقيقية لقضاياهن. غياب موقف علني مستمر أو توثيق لهذه القضايا يعكس فجوة كبيرة في الحماية الحقوقية، ويجعل المعتقلات ضحايا بلا مرصد مستقل يدافع عن حقوقهن.

‏النساء المعتقلات في الكويت: قمع وصمت

‏قضية آمنة أخميس محمد المري وكافة معتقلات الرأي في الكويت ليست مجرد حوادث فردية، بل جزء من نمط ممنهج من القمع والتعتيم. الدولة تتحمل المسؤولية المباشرة من خلال الاعتقالات التعسفية، التشهير الرسمي، والتضييق داخل السجون، بينما المجتمع الأبوي والأهل يزيدون من معاناة النساء بعد الإفراج عنهن.

‏إن تسليط الضوء على هذه القضايا ومطالبة المجتمع المحلي والدولي بالضغط على السلطات لوقف الانتهاكات، ومحاسبة المسؤولين، هو الحد الأدنى من العدالة الذي تستحقه كل معتقلة رأي في الكويت. غياب الشفافية والمساءلة لا يضر النساء فحسب، بل يضر المجتمع بأسره ويكرس ثقافة الإفلات من العقاب.

كتابة: ضبية اليامي

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد