
“أوقفوا خطف النساء السوريات”: أجساد النساء ليست ساحة حرب
الحملة تطالب بالكشف عن مصير المختطفات
وسط تصاعد حالات اختطاف النساء في سوريا، أطلقت مجموعة من الناشطات/ين والصحافيات/ين والروائيات/يين والكتّاب السوريات/ين حملة حقوقية تحت شعار “أوقفوا خطف النساء السوريات”، للمطالبة بتحقيقات جدّية ومساءلة حقيقية، مؤكدين أن أجساد النساء ليست أداة للتصفية السياسية أو الطائفية.
الحملة التي انطلقت منذ عشرة أيام جمعت أصواتًا من داخل البلاد وخارجها، وبدأت ببثّ فيديوهات عبر وسائل التواصل الاجتماعي توثّق الحالات وتطالب بالكشف عن مصير المختطفات، معتبرة أن هذه الجرائم تنسف أي أفق لمصالحة وطنية وتكرّس ثقافة الإفلات من العقاب.
اعتراف رسمي متأخر واستجابة هشّة
في 29 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، أعلن وزير الداخلية السوري أنس خطاب عبر منصة “إكس” تشكيل فريق متخصص لمتابعة “كل قضايا الاختفاء دون استثناء”، مع وعد بعقد مؤتمر صحافي قريب للكشف عن التفاصيل.
لكن ناشطات/ي الحملة يرون في هذا الإعلان استجابة شكلية ومحاولة “لذرّ الرماد في العيون”، خصوصًا بعد إنكار طويل لحالات الخطف ذات الطابع الطائفي، ما يعزز شعور الأهالي بالخذلان والعزلة.
View this post on Instagram
العنف الجندري والطائفي وجهان لعملة واحدة
تقول الكاتبة والروائية السورية سمر يزبك إن الحملة انطلقت بعد “تصاعد مرعب في عمليات الخطف منذ شهرين، وصلت في بعض الأحيان إلى حالات يومية، وشملت جرائم اغتصاب موثقة”.
وتوضح أن معظم الحالات طالت نساءً علويات في الدرجة الأولى، ثم درزيات، بالإضافة إلى نساء من طوائف أخرى، خصوصًا بعد المجازر في الساحل السوري ومحافظة السويداء.
وتشير إلى أن “الخطف يجري على أساس طائفي، فيتحول جسد المرأة إلى أداة انتقام جماعي ورسالة إذلال موجّهة إلى طائفة بأكملها”، مؤكدة أن الحملة تستند إلى وثائق عديدة وشهادات ميدانية، وتعمل بالتعاون مع منظمات دولية “لكسر الصمت الرسمي والتوجه نحو المحاكم الدولية إذا لزم الأمر”.
الناجيات: صمت قسري وخوف مضاعف
يروي ناشط سوري أن الحملة وثّقت 112 حالة خطف منذ سقوط النظام السوري، بينها 44 شابة ما زلن مختطفات حتى اليوم، فيما أُفرج عن نحو 30 أُخريات بعد وساطات أو دفع فدية.
لكن الصدمة لا تنتهي بالإفراج، إذ ترفض العديد من الناجيات أو عائلاتهن الحديث عن ما تعرضن له، خوفًا من الوصمة الاجتماعية والانتقام الأمني.
تقول إحدى الشابات المفرج عنهن إنهن اقتيدن إلى الحدود السورية-اللبنانية بعد إجبارهن على ارتداء الحجاب، وإن بعض المختطفات “زُوّجن قسرًا لعناصر من فصائل مسلحة في ريف إدلب”.
الاغتصاب كسلاح حرب
تؤكد شهادات موثقة أن بعض المختطفات تعرّضن للعنف الجنسي الممنهج.
فشابة تبلغ 21 عامًا روت أنها خُطفت مع شقيقتها القاصر (17 عامًا) وتعرضتا معًا للاغتصاب في اليوم الأول من الخطف.
وتشير التقارير إلى أن بعض الناجيات أُجبرن على الصمت بعد إطلاق سراحهن، حيث منعتهن عائلاتهن من استخدام الهواتف أو الذهاب إلى الجامعة، خوفًا من الفضيحة أو “العار”، فيما واجهت أخريات الطلاق والعزلة الاجتماعية.
وتبرز حالة إحدى المختطفات التي أُفرج عنها وهي مقيّدة وفي حالة انهيار نفسي، قبل أن تُقتاد مجددًا من المستشفى إلى مركز تحقيق بحجة “تقديم إفادتها”، في ممارسة تعكس تواطؤ الأجهزة الأمنية في إسكات الضحايا بدل حمايتهن.
أما الفتيات القاصرات، مثل فتاة اللاذقية (15 عامًا)، فتعرضن للإكراه على تصوير فيديوهات تُظهرهن كـ”هاربات مع عشاقهن”، لتبرير الجريمة والتغطية على التعذيب وطلب الفدية.
الاختطاف الممنهج: عنف سياسي واقتصادي وطائفي
توثّق الحملة أنماطًا متعددة من الخطف، طائفي وانتقامي، سياسي وأمني، اقتصادي وتجاري. كما تشير الشهادات إلى وجود شبكات اتجار بالبشر، حيث تحدثت إحدى الناجيات عن نية الخاطفين بيعها، بينما أبلغت أخرى أهلها أنها “خارج البلاد” دون معرفة وجهتها.
من الإفلات إلى التواطؤ
تؤكد الشهادات أن معظم عمليات الخطف وقعت في وضح النهار، بين الثامنة صباحًا والسادسة مساءً، وغالبًا في شوارع عامة ومناطق مكتظة، باستخدام فانات بيضاء أو سيارات مدنية، ما يعكس ثقة الخاطفين بعدم الملاحقة.
هذه الوقائع تكشف عن تفكك منظومة الحماية، وتحوّل النساء إلى أهداف سهلة في مجتمع تسوده ثقافة الإفلات من العقاب وضعف المساءلة القانونية.
صرخة ضد العنف البنيوي والإفلات من العقاب
تطالب الحملة بفتح تحقيقات شفافة ومستقلة، ومحاسبة مرتكبي الجرائم، وضمان حماية الناجيات وإعادة تأهيلهن نفسيًا واجتماعيًا.
وتذكّر بأنّ العدالة للنساء ليست قضية ثانوية، بل أساس لأي مصالحة وطنية حقيقية.
فمن دون مساءلة الجناة، سيبقى جسد المرأة السوريّة ساحة لتصفية الحسابات الطائفية والسياسية، بينما يواصل المجتمع والدولة إنكار جذور العنف البنيوي الذي يستهدف النساء منذ عقود.
(المصدر: العربي الجديد)
