
المغرب: نساء فكيك يقدن مسيرات لإحياء الذكرى الثانية ل “حراك الماء”
خرجن مرتديات الحايك الأبيض التقليدي يهتفن ضد تسليع الماء
خرجت نساء واحة “فكيك”، التي تقع أقصى صحراء المغرب الشرقي، خلال الأيام الماضية إلى شوارع المدينة بالتزامن مع حلول الذكرى الثانية لما يسمى” حراك الماء” الذي اندلع عام 2023، احتجاجًا على قرار تفويت تدبير قطاع الماء الصالح للشرب إلى الشركة الجهوية متعددة الخدمات.
تقدّم نساء فكيك اليوم نموذجًا لاحتجاجٍ بيئيٍّ نسويٍّ متجذّر في التاريخ، إذ يرتبط دور المرأة في الواحة بالماء منذ نشأة التجمعات الأولى؛ من جلبه فجرًا من العيون، إلى تنظيم السقايات العمومية وتوزيع المياه على الأحياء، وجعل هذا الارتباط اليومي بالمورد ن النساء أول من شعرن بتهديد “تسليع الماء” وأول من خرج للدفاع عنه.
انطلقت النساء من مختلف الأعمار في مسيرات مرتديات ” الحايك الأبيض” الزي التقليدي المغربي، واكتسبت المسيرات طابعًا رمزيًا، إذ تحوّل “الحايك” إلى راية صامتة تعبّر عن التمسك بالأصل، والاحتجاج على ما يعتبره سكان /ات فكيك بالحق التاريخي في الماء، الذي شكل على مدى قرون أساس الحياة والنظام الاجتماعي في الواحة.
ورفعت المشاركات شعارات من قبيل “الماء حق وليس امتيازا ولا لتسليع الماء”، مؤكدات تصميمهن على الاستمرار في الدفاع عن هذا الحق إلى أن تتراجع السلطات عن قرار الخصخصة، في وقت يعتبر فيه السكان/ات أن الماء في فكيك ليس مجرد مورد طبيعي، بل مكوّن من مكونات الهوية الجماعية والذاكرة التاريخية للمدينة.
View this post on Instagram
وفي سياق متصل مع هذه الاحتجاجات، سبق أن أصدرت منظمة النساء الاتحاديات في المغرب، بيانًا، أعلنت فيه دعمها المطلق لما وصفته بـ”الحق المشروع لساكنة فكيك في الاحتجاج السلمي”، معتبرة أن خروج النساء إلى الشارع بهذا الشكل الحضاري هو تعبير عن وعي جماعي راقٍ وإصرار على الدفاع عن الحقوق الأساسية.
ورأت المنظمة النسوية أن قرار تفويت تدبير الماء الصالح للشرب يمثل خرقًا سافرًا للقانون وتهديدًا واضحًا للأمن المائي، مبرزة أن المجلس الجماعي لم يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المدينة الاجتماعية والثقافية، ولا طبيعتها الحدودية الحساسة.
وأكدت المنظمة: “أن هذا الحراك النسائي يعكس قوة حضور المرأة الفكيكية في الفضاء العام، سواء من خلال مشاركتها في الاحتجاج أو عبر أدوارها داخل النسيج المدني والاقتصاد الاجتماعي.”
وثمنَت منظمة النساء الاتحاديات المشاركة الواسعة للنساء ومعتبرةً إياها درسًا في الوعي الجماعي والمسؤولية المدنية.
كما دعت المنظمة النساء الحكومة إلى التدخل العاجل لدعم اقتصاديات المناطق الحدودية والواحات الشرقية، بهدف الحد من التهميش والهجرة، وتثبيت سكان/ات الواحة في أرضهم/ن عبر مشاريع تنموية تحفظ التوازن البيئي والاجتماعي.
View this post on Instagram
لماذا يتصدر النساء احتجاجات فكيك؟
أوضحت عضوة التنسيقية المحلية للترافع عن قضايا فكيك فتيحة قادي، أن ارتباط النساء بالماء في الواحة ارتباط وثيق ومتجذر منذ القدم، مشيرة إلى أن النساء كن من يجلبن الماء من العيون مع الفجر، قبل أن يتم ربط المنازل بشبكة الماء الصالح للشرب.
وأضافت فتحية في تصريحات لوسائل إعلام محلية، أن تاريخ فكيك يشهد على الدور المركزي للنساء في تطوير وتنظيم استغلال العيون، من خلال روح التعاون والمشاركة التي اشتهرت بها الواحات، حيث كن يشرفن على تنظيم الصهاريج وتنظيم السقايات العمومية داخل الأحياء.
وأشارت إلى أنه منذ ستينيات القرن الماضي، وبالتحديد منذ سنة 1963، بدأ المجلس القروي آنذاك في تنظيم العلاقة بين ملاكي الماء والمجلس المحلي من أجل تعميم التغطية على السقايات العمومية، لتتوسع الشبكة العمومية لتشمل نسبة التزويد بالماء الصالح للشرب 100 في المائة داخل المدينة.
ولفتت المتحدثة إلى أن الفضاءات العمومية مثل المغاسل والحمامات كانت تقوم على استعمال مياه العيون، إذ كانت تعتبر ملكًا جماعيًا لسكان الواحة، وكانت النساء هن المستفيدات الأساسيات منها بحكم مسؤولياتهن اليومية داخل البيت والحي.
واحتتمت عضوة التنسيقية المحلية للترافع عن قضايا فكيك حديثها مؤكدة، أن الارتباط بين المرأة والماء في فكيك لم يكن اعتباطيًا، بل هو علاقة وجودية متجذرة في النسيج الاجتماعي والاقتصادي للواحة، مضيفة أن أي مساس بالنسيج المائي الموحد في فكيك، التي يستعمل في آن واحد للشرب والسقي، ينعكس مباشرة على حياة النساء وعلى النشاط الفلاحي الذي تعتمد عليه الأسر المحلية.
