
هدى عبد المنعم: سبع سنوات من القهر في سجون مصر
مطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط
أكملت المحامية والحقوقية المصرية هدى عبد المنعم عامها السابع في السجن، قبل أيام، وسط تحذيرات متزايدة من منظمات حقوقية محلية ودولية من خطرٍ داهم على حياتها بسبب الإهمال الطبي المتعمد والتدهور الحاد في حالتها الصحية.
أُعتقلت هدى لأنها إحدى المدافعات عن حقوق الإنسان، التي اختارت مواجهة السلطة بدل الصمت، فدفعت ثمن نضالها حرمانًا من الحرية والحق بالعلاج والحياة الكريمة.
في بيتٍ كانت تديره بحبٍّ ومسؤولية، أصبحت اليوم ابنتها فدوى خالد تُرسل الرسائل نيابة عنها، تتحدث عن “الظلام الذي خيّم على العائلة” منذ إعادة تدوير والدتها في قضايا جديدة بعد انقضاء حكمها الأول. تصف فدوى اللحظة قائلة:
“زيّنا البيت استعدادًا لفرحة الإفراج… وفي ثانية، جاء اتصال بأن أمي أُعيدت إلى النيابة. منذ ذلك اليوم، انطفأت الأنوار في بيتنا.”
من الدفاع عن المقهورات إلى زنزانة العزل
هدى عبد المنعم محامية وصوتٌ نسويٌّ حرّ ناصر ضحايا الإخفاء القسري والاعتقال التعسفي في مصر.
اعتُقلت في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 بعد مداهمة منزلها من دون إذن قضائي، وأُخفيت قسريًا لمدة 21 يومًا قبل أن تظهر أمام نيابة أمن الدولة العليا بتهمٍ فضفاضة، أبرزها “الانضمام إلى جماعة إرهابية” و”نشر أخبار كاذبة”. تُهمٌ تُستخدم غالبًا لتجريم النشاط الحقوقي والسياسي للنساء اللواتي يطالبن بالعدالة والمساءلة.
ورغم انتهاء مدة عقوبتها في أكتوبر/تشرين الأول 2023، لم يُفرج عنها، بل أُعيد تدويرها في قضيتين جديدتين بالتهم ذاتها، في انتهاكٍ صريح لمبدأ عدم محاكمة الشخص عن الجرم نفسه مرتين.
عنف مؤسسي مسكوت عنه
الحرمان من الرعاية الصحية، العزل المستمر، وتدوير القضايا، كلها أشكال من العنف البنيوي ضد النساء المدافعات عن حقوق الإنسان. فالمؤسسات القضائية والأمنية لا تتعامل مع المعتقلات كـ”مواطنات”، بل كتهديد للنظام الأبوي والسياسي في آنٍ واحد.
تعاني هدى اليوم من جلطات مزمنة، فشلٍ كلويًّ جزئي، أزمات قلبية متكررة، وتآكل في المفاصل، من دون حصولها على علاجٍ متخصص، رغم التحذيرات المتكررة من المنظمات الحقوقية.
هذا الإهمال لا يُقرأ فقط كإجراء عقابي، بل كجزء من استراتيجية لإخضاع النساء اللواتي يرفعن الصوت ضد الانتهاكات، في ما يشبه “قتلًا بطيئًا” صامتًا، لا يترك أثرًا مرئيًا لكنه يترك أجسادًا منهكة وأرواحًا منكسرة.
بيان المنظمات الحقوقية: نداء عاجل لإنقاذ هدى عبد المنعم
أعربت حملة الحرية لهدى عبد المنعم والمنظمات الحقوقية الموقعة أدناه عن قلقها البالغ واستنكارها لاستمرار احتجاز المحامية والمدافعة عن حقوق الإنسان هدى عبد المنعم، رغم مرور سبع سنوات على اعتقالها وتدهور حالتها الصحية الخطيرة.
وأكدت المنظمات أن “بقاءها رهن الاعتقال التعسفي، بعد انتهاء مدة حكمها الرسمية في أكتوبر/تشرين الأول 2023، يُشكّل انتهاكًا صارخًا لحقوقها الأساسية، ويعبّر عن نمط ممنهج من استهداف النساء المدافعات عن حقوق الإنسان في مصر”.
وشدد البيان على أن هدى عبد المنعم، “التي تعاني من أمراض مزمنة تشمل جلطات في الأوردة والرئتين، وفشلًا جزئيًا في الكلى، وأزمات قلبية متكررة، تواجه خطرًا حقيقيًا على حياتها بسبب الحرمان المتعمد من الرعاية الطبية المتخصصة”.
كما ذكّر بأن “الأجهزة الأمنية المصرية داهمت منزلها في فجر الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2018 دون إذن قضائي، واحتجزتها قسرًا لأسابيع قبل أن تُحال إلى نيابة أمن الدولة العليا باتهامات مرتبطة بعملها الحقوقي المشروع، ثم أُعيد تدويرها في قضايا جديدة بالتهم ذاتها بعد انتهاء محكوميتها، في خرق واضح لمبدأ عدم محاكمة الشخص على التهمة نفسها مرتين”.
وأشار البيان إلى أن “الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة، بما في ذلك المقرر الخاص المعني بالمدافعين/ات عن حقوق الإنسان، وفرقة العمل المعنية بالاحتجاز التعسفي، والمقرّر الخاص المعني بالصحة، والمقرّر الخاص باستقلال القضاة والمحامين/ات، وغيرهم/ن، كانوا/كن قد عبّروا/ن في مراسلة رسمية بتاريخ 17 فبراير/شباط 2022 عن القلق البالغ من استمرار احتجازها التعسفي واستخدام قوانين مكافحة الإرهاب لتجريم عملها الحقوقي”. كما جدّدت المفوضية السامية لحقوق الإنسان في يناير/كانون الثاني 2025 قلقها من إساءة استخدام هذه القوانين ضد الأصوات المستقلة.
وفي السياق ذاته، تناول البرلمان الفيدرالي البلجيكي قضيتها باعتبارها نموذجًا رمزيًا في قراره الصادر عام 2023 بشأن حقوق الإنسان في مصر، فيما دعا البرلمان الأوروبي في ديسمبر/كانون الأول 2024 إلى الإفراج الفوري عنها وضمان سلامتها الجسدية والنفسية.
وأكدت المنظمات أن قضية هدى عبد المنعم تمثل جزءًا من نمط أوسع من القمع الموجّه ضد المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، وطالبت السلطات المصرية بـ:
- الإفراج الفوري وغير المشروط عنها احترامًا لحقها في الحرية والحياة.
- ضمان حصولها على الرعاية الطبية المتخصصة دون تأخير.
- تمكين المجلس القومي لحقوق الإنسان والآليات الأممية من متابعة حالتها وظروف احتجازها.
واختتم البيان بالتشديد على أن “هدى عبد المنعم أصبحت رمزًا نسويًا للنضال من أجل العدالة والحرية في مصر، وأن استمرار احتجازها هو اعتداء على مجمل الحركة الحقوقية النسوية في المنطقة”.
الحرية كحقّ لا كمنّة
هدى عبد المنعم، العضو السابق في المجلس القومي لحقوق الإنسان، والحائزة على جائزة الدفاع عن حقوق الإنسان من مجلس نقابات المحامين الأوروبيين (2020)، تمثل اليوم رمزًا نسويًا للمقاومة المدنية في وجه القمع.
تفتح قضيتها الباب أمام أسئلة جوهرية: كيف تتحول العدالة إلى أداة لإسكات النساء؟ ولماذا تُعتبر المطالبة بالكرامة جريمة؟
وتعتبر المنظمات الحقوقية والنسوية أن الإفراج عنها ليس مطلبًا إنسانيًا فحسب، بل ضرورة لكسر دائرة الإفلات من العقاب ضد النساء المدافعات عن حقوق الإنسان.
من الألم إلى الذاكرة
سبع سنوات من الوجع لم تُسكت فدوى ولا النساء اللواتي يرين في هدى مرآةً لمعركتهن اليومية ضد القمع والتهميش. قصتها ليست حدثًا حقوقيًا فحسب، بل وثيقة نسوية عنفٍ ممنهج يُمارس ضد النساء اللواتي يرفضن الانكسار.
إن الإفراج عن هدى عبد المنعم يشكل استجابة لمطلب إنساني، بل استعادة لحق النساء في الوجود والمقاومة والقول.