
تونس: إطلاق استبيان حول العنف المروري ضد النساء
أطلقت السلطات التونسية أول استبيان من نوعه حول العنف ضدّ النساء في الفضاء المروري، تزامنًا مع حملة ستة عشر يومًا من النشاط لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي التي تبدأ سنويًا في 25 نوفمبر. ويهدف الاستبيان الذي تنفّذه وزارة الداخلية إلى تحديد أشكال العنف التي تتعرض لها النساء في الطرقات ووسائل النقل، وإلى قياس مدى قدرة الناجيات على اللجوء إلى القانون وتتبع المعتدين، ومدى رضاهنّ عن آليات التعهّد القانوني.
منذ إصدار تونس للقانون الأساسي لمناهضة العنف ضدّ النساء عام 2017، تبذل الدولة جهودًا لتحسين التشريعات وآليات التطبيق، غير أنّ الجمعيات النسوية تشير إلى استمرار ضعف الحماية الميدانية. ويبرز الفضاء المروري كأحد أكثر الأماكن التي تواجه فيها النساء التونسيات عنفًا ماديًا ومعنويًا، بما يشمل الاعتداءات اللفظية والجسدية والتحرّش.
View this post on Instagram
تنشئة اجتماعية تُعيد إنتاج العنف
ترى الباحثة في علم الاجتماع والناشطة النسوية نجاة العرعاري أنّ العنف ضد النساء في الطرقات ليس حادثًا معزولًا، بل هو امتداد لمنظومة اجتماعية تُعيد إنتاج الهيمنة الذكورية في كل الفضاءات الأسرية والعامة. وتشير إلى أنّ جزءًا من الذكور يعتبر النساء “غير جديرات” بالقيادة، رغم أنّ الدراسات الميدانية تؤكد انخفاض نسب ارتكاب النساء للحوادث مقارنة بالرجال. وتضيف أنّ النساء يتعرضن كذلك للعنف والتحرّش داخل وسائل النقل العمومي، ما يقيّد حركتهنّ وفرص وصولهنّ إلى العمل والدراسة، ويجبر بعضهنّ على تفادي النقل المشترك حمايةً لأنفسهن.
من الخوف إلى غياب الحماية
توضح نجاة أنّ أغلب المعنّفات لا يتقدمن بشكاوى رسمية لأسباب عديدة، بينها الخوف من الوصم الاجتماعي، وانعدام الثقة بفعالية التتبع الأمني والقضائي، وطول الإجراءات وغياب آليات حماية سريعة. وتشير إلى أنّ بعض النساء يعتبرن التبليغ أخطر من الحادثة نفسها، ما يدفعهنّ إلى الصمت كخيار اضطراري.
الفضاء العام كمرآة للعنف المجتمعي
ترى الباحثة أنّ العنف الذي تواجهه النساء في الطرقات ليس منفصلًا عن ثقافة مجتمعية أوسع تُشرعن السيطرة الذكورية في الفضاء العام. وتدعو إلى تعزيز الرقابة داخل وسائل النقل العمومي، وإطلاق حملات وطنية ترفع الوعي باحترام النساء في الشوارع والفضاءات المشتركة، إضافة إلى تعميم المعرفة بالقانون الأساسي لمناهضة العنف بوصفه أداة حماية وردع.
ثغرات تطبيق القانون وتفاقم العنف
ورغم وجود القانون عدد 58 لسنة 2017 المتعلّق بالقضاء على العنف ضد النساء، يبقى تطبيقه داخل الفضاء المروري محدودًا، ما يؤدي إلى تعاظم الانتهاكات. وتزامن ذلك مع تسجيل مقتل 24 امرأة منذ بداية العام، في مؤشر خطير على هشاشة آليات الحماية.
كيف تُستهدف النساء في الطرقات؟
تكشف دراسة سوسيولوجية أُنجزت عام 2023 حول العنف في الفضاء المروري أنّ النساء يتعرضن لاستهداف متزايد مقارنة بالرجال، وأن هذا الاستهداف مرتبط أساسًا بالتنشئة الاجتماعية التي تُرسّخ الصور النمطية حول النساء. وتُظهر الدراسة أنّ 42% من السائقين يحمّلون النساء مسؤولية الحوادث، وأن 59.1% من المستجوبين يوجّهون الشتائم للسائقة فور اكتشاف أنّ من تقود المركبة امرأة. كما تشير النتائج إلى أنّ الكلام البذيء يحتل المرتبة الأولى بين أشكال العنف اللفظي بنسبة 33.9%.
هذه المؤشرات كلها تؤكد أنّ العنف في الفضاء المروري ليس سلوكًا فرديًا، بل جزءًا من بنيات اجتماعية تُعيد إنتاج اللامساواة وتحدّ من حق النساء في تنقّل آمن ومشاركة كاملة في الحياة العامة.
(المصدر: العربي الجديد)