
ليبيا: 85 ألف حالة عنف رقمي تكشف فراغ الحماية القانونية للنساء
تتزايد مؤشرات العنف الرقمي ضدّ النساء في ليبيا، فيما ما تزال الحماية القانونية غائبة أو مجتزأة، رغم كثافة المبادرات والبيانات الرسمية. وبين خطاب مؤسّسي يؤكد “الاهتمام” وواقع تشريعي معطّل منذ سنوات، تجد النساء أنفسهنّ في مواجهة مباشرة مع فضاء رقمي غير آمن، بلا أدوات ردع فعّالة أو ضمانات حماية واضحة.
85 ألف حالة عنف رقمي: رقم صادم يكشف عمق الأزمة
أعلنت وزارة الدولة لشؤون المرأة في حكومة الوحدة الوطنية أنّها تسلّمت تقريرًا من المفوضية الوطنية العليا للانتخابات يوثّق نحو 85 ألف حالة عنف إلكتروني استهدفت المرشحات للانتخابات البلدية خلال عام 2025. ورغم إقرار الوزارة بصعوبة التحقق الدقيق من الرقم، إلا أنّها اعتبرته مؤشرًا واضحًا على حجم الاستهداف الذي تتعرّض له النساء عند محاولتهنّ الانخراط في العمل العام.
هذا الرقم لا يعبّر عن إساءات فردية عابرة، بل عن نمط منظّم من الترهيب والتشهير والابتزاز، يُستخدم كأداة لإقصاء النساء من المجال السياسي، وكسر حضورهنّ العام، وإجبار كثيرات على الانسحاب أو الصمت خوفًا من العواقب الاجتماعية والأمنية.
View this post on Instagram
غياب البيانات… وظهورها المتأخّر
يشير بيان وزارة الدولة لشؤون المرأة إلى أنّ غياب الإحصاءات الدقيقة لسنوات طويلة حال دون فهم حقيقي لطبيعة الانتهاكات الرقمية التي تطاول النساء. ويُعدّ تقرير المفوضية، وفق الوزارة، أوّل وثيقة رسمية تُدخل العنف الرقمي ضدّ النساء إلى حيّز “الحقائق الموثّقة”، بعد أن ظلّ لسنوات في خانة الشهادات الفردية غير المعترف بها مؤسّسيًا.
غير أنّ هذا التوثيق، على أهميّته، يبقى محدودًا بنطاقه، إذ يركّز حصرًا على المرشحات للانتخابات، متجاهلًا آلاف الحالات التي تطاول ناشطات وصحافيات ومحاميات ومدوّنات وربّات منازل، ممن يتعرّضن يوميًا لأشكال مختلفة من التشهير والابتزاز والتهديد في الفضاء الرقمي.
تشريعات مؤجّلة… وحماية ناقصة
على الرغم من تعدّد الفعاليات والمؤتمرات، لا يزال قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية هو الإطار التشريعي الوحيد المعتمد رسميًا لملاحقة جرائم الابتزاز والتشهير والاختراق. في المقابل، ما زال مشروع قانون “مناهضة العنف ضدّ المرأة” محتجزًا في أدراج مجلس النواب منذ عام 2018، من دون أي تفسير رسمي لتأخير إقراره.
هذا الغياب التشريعي يترك النساء بلا مظلّة قانونية شاملة تعترف بالعنف الرقمي كجزء من منظومة العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتُلزم الدولة بآليات حماية واستجابة واضحة، تتجاوز المقاربات الجزائية المحدودة.
خطاب رسمي بلا التزام تشريعي
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، أعلنت وزارة الدولة لشؤون المرأة عزمها تنظيم مؤتمر دولي في يونيو/ حزيران 2026 لمناقشة “الاستهداف الرقمي الإجرامي للنساء”، بالتوازي مع فعاليات أخرى نظّمها ديوان مجلس النواب والمجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان، ركّزت على الابتزاز الإلكتروني و”الأمن الرقمي”.
لكنّ هذه المبادرات، بحسب ناشطات حقوقيات، لا تُترجم إلى سياسات ملزمة. فالسلطة التشريعية التي ترعى المؤتمرات والحوارات، هي نفسها التي لم تُقرّ حتى الآن قانونًا أساسيًا لحماية النساء من العنف، ما يفرغ الخطاب الرسمي من مضمونه ويحوّله إلى مجرّد إدارة للأزمة بدل معالجتها.
View this post on Instagram
من ردّ الفعل إلى السياسات الغائبة
تؤكد الناشطة الحقوقية خيرية بركات أنّ اعتماد الوزارة على تقرير واحد يكشف غياب قاعدة بيانات وطنية شاملة، ويفضح ضعف المقاربة المؤسسية لقضية العنف الرقمي. وترى أنّ تعامل السلطات مع الملف يتمّ بمنطق ردّ الفعل، لا بمنطق بناء سياسات مستدامة تستند إلى الوقاية والحماية والمساءلة.
وتحذّر بركات من أنّ العنف الرقمي، بما يحمله من آثار نفسية واجتماعية واقتصادية، لا يمكن احتواؤه عبر بيانات وتصريحات، بل يحتاج إلى قانون صارم، وآليات تنفيذ واضحة، ومؤسسات قادرة على حماية الضحايا ومحاسبة الجناة. وفي ظل استمرار تعطيل قانون مناهضة العنف ضدّ المرأة، يبقى ما يُقدَّم للنساء أقلّ من الحدّ الأدنى من الأمان، وأكثر قرباً من المواقف الشكلية التي تمتص الغضب العام دون أن تغيّر الواقع.
(المصدر العربي الجديد)