
مدونة القانون الجعفري.. مشروع يهدد حقوق النساء في العراق
في شباط 2025 تقدّم مشروع مدونة القانون الجعفري، لهدف استبدال قانون الأحوال الشخصية العراقي.
وكان ذلك بعد شهور من المشاحنات القانونية والسياسية، لتمرير قانون ينتهك حقوق النساء والفتيات في المساواة أمام القانون، ويعرضهن لخطر انتهاكات أخرى.
وقد تم طرح هذا القانون عام 2014 إلا أنه لم يطبّق حينها. ورغم عدم الإفصاح عن كامل بنود المدوّنة -حتى اللحظة- إلا أن مشروع قانون 2014 قد يشي بها.
مدونة القانون الجعفري قديمة متجددة
بموجب القانون الجديد، يستطيع الزوجان عند إبرام عقد الزواج اختيار ما إذا كان قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 رقم 188 أو “مدونة الاحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية” (المدونة الجعفرية) التي سيُعِدّها المذهب الشيعي الجعفري، سيحكم زواجهما وطلاقهما وأطفالهما وميراثهما.
لا يحق للزوجين تغيير اختيارهما لاحقًا. يؤدي هذا الترتيب فعليًا إلى إنشاء أنظمة قانونية منفصلة مع منح حقوق مختلفة للطوائف المختلفة، مما يقوض الحق في المساواة أمام القانون لجميع العراقيين/ات المنصوص عليه في المادة 14 من الدستور العراقي والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وينص النص النهائي للتعديل على أن الحد الأدنى لسن الزواج في المدونة لا يمكن أن يتعارض مع قانون الأحوال الشخصية. يحدد القانون السن القانوني للزواج بـ 18 عامًا، أو 15 عامًا بإذن من القاضي واعتمادا على “أهليته [أي الطفل/ة] وقابليته/ا البدنية”. يخفف البند الموجود في النص النهائي من المخاوف من أن التعديل كان سيسمح بزواج الفتيات في سن التاسعة، لكنه لا يزال يتعارض مع المعيار القانوني الدولي الذي ينص على أن الحد الأدنى لسن الزواج يجب أن يكون 18 عامًا.
وفقا لـ “صندوق الأمم المتحدة للطفولة” اليونيسف، تتزوج 28% من الفتيات في العراق قبل سن 18 عامًا. يُعرّض زواج الأطفال الفتيات لخطر متزايد من العنف الجنسي والجسدي، وعواقب ضارة على الصحة الجسدية والعقلية، والحرمان التعليم والتوظيف.
يحتفظ النص النهائي أيضًا بالأحكام الموجودة في قانون الأحوال الشخصية بشأن تعدد الزوجات. تنص المادة 3 من قانون الأحوال الشخصية على أن تعدد الزوجات مسموح به فقط بموافقة القاضي، الذي يجب أن يضمن أن الزوج يمكنه إعالة أكثر من زوجة واحدة وأن هناك “مصلحة مشروعة”.
ينص التعديل بشأن حضانة الأطفال على أن المدونة لا يجوز أن تتضمن “ما لا ينسجم مع مصلحة [الطفل/ة المحضون”، ويضمن حق الوالد الذي ليس له حق الحضانة في “اللقاء والتواصل [مع أطفاله] بالمقدار المناسب واللائق مدة ومكانا”.
في حالة نشوء نزاع بين الزوج والزوجة حول النظام القانوني الذي ينبغي تطبيقه، يحدد القاضي المصلحة الفضلى لكلا الطرفين. في النسخة السابقة، كان قرار الزوج له الأسبقية، في انتهاك لالتزامات العراق بموجب القانون الدولي بدعم الحقوق المتساوية للمرأة.
تضمن المادة 14 من الدستور العراقي، وكذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان، للجميع الحق في المساواة أمام القانون. يقوّض القانون المُعدّل مبدأ المساواة أمام القانون من خلال إنشاء أنظمة قانونية مختلفة لمختلف الطوائف.
كما يشرِّع التعديل الزواج غير المسجّل، وهو ما وثّقت هيومن رايتس ووتش أضراره على نطاق واسع. وجدت هيومن رايتس ووتش أن الزواج غير المُسجَّل يُشكل ثغرة تسمح بزواج الأطفال في العراق. وفقا لـ”بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق”، 22% من الزيجات غير المسجلة شملت فتيات دون سن الرابعة عشرة. من غير الواضح ما هو التأثير الذي قد يخلفه تشريع الزواج غير المُسجّل في الممارسة العملية.
مخاوف من مآلات اعتماد المدونة قانونًا رسميًا
تخشى منظمات حقوق النساء أيضًا أن يؤدي منح رجال الدين سلطة عقد الزيجات إلى إضفاء الشرعية على ما يسمى “زواج المتعة”. في مثل هذه الزيجات، يرتب رجل الدين عقدًا بمهر لمدة محدودة، تتراوح من ساعة إلى بضعة أشهر. بموجب العقد، لا يحصل أي من الزوجين على ميراث، ولا يُطلب من الزوج دفع أي نفقة زوجية عند انتهاء العقد. أدانت منظمات حقوق النساء هذه الزيجات باعتبارها وسيلة للاستغلال الجنسي.
يمنح التعديل المذهب الجعفري أربعة أشهر لوضع وتقديم المدونة إلى البرلمان، الذي يتعين عليه الموافقة عليها ووضعها قيد التنفيذ خلال 30 يوم. قالت هيومن رايتس ووتش إن هذا يعني أنه لن تتاح الفرصة للمُشرّعين وعامة الناس لمراجعة المدونة أو التصويت عليها قبل أن تصبح قانونًا، ما يزيل الرقابة الديمقراطية، ويمنح السلطات الدينية سلطة غير متناسبة في وضع القانون.
لن يتضح المدى الكامل للتغييرات حتى تُقدَّم المدونة. مع ذلك، بموجب المذهب الجعفري، لا يحق للمرأة المطلقة الحصول على منزل الزوجية، أو النفقة الزوجية، أو مهرها، ويستمر الأطفال/ الطفلات في العيش معها لمدة عامين فقط، بغضّ النظر عن أعمارهم، بشرط عدم زواجها مرة أخرى. وهو ما تخشاه المنظمات النسوية والناشطات العراقيات.
ويخالف التعديل “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” (سيداو)، التي صادق عليها العراق عام 1986، بحرمان النساء والفتيات من حقوقهن على أساس جندرهن. كما ينتهك التعديل “اتفاقية حقوق الطفل/ة”، التي صادق عليها العراق عام 1994، من خلال تشريع زواج الأطفال/ الطفلات، وتعريض الفتيات لخطر الزواج القسري والمبكر، وجعلهن عرضة للانتهاك الجنسي، وعدم اشتراط اتخاذ القرارات بشأن الأطفال/ الطفلات في قضايا الطلاق بما يخدم المصلحة الفضلى للطفل/ة.