
حكاياتٌ خرجت من تحت الرماد: حين تنفض الدراما الغبار عن “المحرمات”
"لام شمسية": حول البيدوفيليا، الصدمات، وكسر للصمت
لم تكن الدراما يومًا مجرد وسيلة للترفيه أو الهروب من الواقع، فهي مرآة تعكس أدق تفاصيل المجتمع، بما فيها تلك القضايا التي يحاول البعض دفنها تحت ركام الصمت والخوف. في كل مشهد، وفي كل حوار، تسكن حقيقة مرميّةً في غياهب التجاهل، تنتظر من يجرؤ على إعادتها إلى الواجهة.
في السنوات الأخيرة، برزت الدراما ذات البعد النسوي كأحد أكثر الأصوات جرأةً في فضح المخبَّأ، وتفكيك الأسس التي يقوم عليها القمع الممنهج ضد النساء لإسكاتهنّ عن حقوقهنّ المسلوبة عنوةً. فالمسلسلات لم تعد مجرد حكايات تُروى، بل باتت أدوات مقاومة تحمل على عاتقها مسؤولية إحداث التغيير، ليس فقط في الوعي الفردي، بل في بنية المجتمع ذاته. وقد أدركت الدراما التي تتناول القضايا النسوية أن معركتها لا تقتصر على إيصال الصوت، بل على انتزاع الحق من خلال السرد، وإعادة كتابة الحكاية وطرحها من وجهة نظر الضحايا/الناجيات-ين، لا الجناة.
جاء الموسم الرمضاني لهذا العام مثقلًا بقصص النساء وتجاربهن، لكن ليس بوصفهنّ مجرد شخصيات ثانوية تدور في فلك الأبطال الذكور، بل كصاحبات قضايا، يحملن مآسيهن وأسئلتهن الوجودية إلى قلب المشهد. لم تكن هذه الأعمال مجرد صدى لمآسٍ متكررة، بل جاءت كمحاولة واعية لإعادة تشكيل السرد، بحيث لا يُنظر إلى النساء كضحايا صامتات، بل كأفراد يخضن صراعًا يوميًا ضد بنى اجتماعية أبويّة متجذرة في الظلم.
وفي هذا المقال، أستعرض أبرز الأعمال التي تصدّت لهذه القضايا، ليس فقط من حيث الجرأة في الطرح، ولكن أيضًا من حيث التأثير الفعلي على الوعي المجتمعي، ومدى قدرتها على تحريك المياه الراكدة في النقاش العام حول قضايا النساء في العالم العربي.
“لام شمسية”: عندما ينطق السيناريو واقعًا
يعدّ مسلسل “لام شمسية” واحدًا من أبرز الأعمال لهذا العام، ليس فقط بجرأته في الطرح، وإنما بدقته في معالجة القضايا التي تناولها. يتحدث العمل عن الطفل “يوسف” الذي تعرّض للتحرش المستمر من قبلِ صديق والده ومدرّسه الخصوصي، ومحاولة زوجة أبيه “نيللي” على مساعدته للخروج من هذه الأزمة النفسيّة، وفضح الأستاذ “وسام” المتحرّش. استغرق العمل خمس سنوات من البحث والدراسة قبل أن يرى النور، فالتطرق لقضية حساسة –كالبيدوفيليا– يحتاج لمسؤولية ونضج فني ومعالجة مدروسة. وهو ما أكدته كاتبته “مريم نعّوم”، مشيرةً إلى أن هذا الوقت كان ضروريًا لضمان تقديم القضايا المطروحة بعمق علميّ ونفسيّ، دون تسرع أو تنازلات تخلّ بالمصداقية.
ما يميّز هذا العمل أنه لم يساوم على الدقة العلمية والاجتماعية في الطرح، وهو ما نفتقده في كثير من الأعمال التي تتناول قضايا نسويّة ونفسيّة مركّبة. حيث نجد أن معظم الأعمال الدرامية العربية التي تتطرّق لهذه القضايا، إما محصورة بقالبٍ أبويّ ذكوري، أو موقعّة باسم كاتب اعتمدَ على رؤيته الخاصة لطرح مثل هذه القضايا وتنميطها بالسائد في المجتمع. على عكس ما قدّمته الكاتبة هنا، التي لم تعتمد على تجربتها كامرأة فقط لنقل واقع التجربة، بل استعانت باستشاراتٍ مكثفة مع أطباء/طبيبات نفسيين/ات، ومستشارين/ات قانونيين/ات، ومتخصصين/ات في الصحة النفسية للأطفال/الطفلات، لضمان تقديم كل قضية بأمانة علمية دون تهويل أو تسطيح.
التطرق لقضية حساسة -كالبيدوفيليا- يحتاج لمسؤولية ونضج فني ومعالجة مدروسة، لضمان تقديم القضايا المطروحة بعمق علميّ ونفسيّ، دون تسرع أو تنازلات تخلّ بالمصداقية.
وقد أكّد صنّاع/صانعات العمل أنّ تجسيد الواقع في الدراما لا ينحصر فقط في أداء الممثلين/ات، بل يمتد إلى رعاية الفريق العامل، وخاصةً الأطفال/الطفلات المشاركين/ات في أدوار معقدة. على سبيل المثال، الطفل “علي البيلي” الذي جسّد شخصية “يوسف” الضحية لقضية تحرّش، كان يحتاج إلى رعاية نفسية حتى خارج التصوير. ولذلك، استعان فريق العمل بـ”سارة عزيز”، مديرة مؤسسة Safe Egypt، لضمان سلامته النفسية، وهو ما يعكس التزام العمل بواقعيّته حتى خلف الكواليس.
ونرى هذه العناية بالتفاصيل تمتدّ إلى عملية الإخراج أيضًا. فقد اعتمد المخرج “كريم الشناوي” على الإضاءة الطبيعية إلى حدًّ كبير، ما أضفى طابعًا وثائقيًا على المشاهد، خصوصًا في الأماكن الداخلية ذات الإضاءة الخافتة التي عكست التوتر والضغط النفسي الذي تعيشه الشخصيات. كما تكررت مشاهد اللقطات القريبة (Close_ups)، و التي ركّز فيها على تعابير الوجه لنقل المشاعر العميقة، مثل مشاهد “نيللي” وهي تحاول استيعاب ماضيها الصادم.
ولأن الواقع لا يتضمّن موسيقى تصويرية في الخلفية مرافقة لحياتنا اليوميّة، وظّف المخرج بناءً على ذلك الصمت بشكلٍ كبير، حيث كان أكثر تعبيرًا من الكلمات في بعض المشاهد، مثل لحظات الصدمة والإنكار المجتمعي، وجاءت الموسيقى التصويرية هادئة ومؤثرة بدون مبالغة درامية، ما جعل التفاعل مع المشاهد قائمًا على الإحساس الطبيعي بدلًا من التوجيه العاطفي المباشر.
هذه الأدوات جعلت من المسلسل عملًا بصريًا متكاملًا، حيث لم يعتمد على القصة القوية، بل عزّزها بأسلوبٍ إخراجيٍّ ينقل المشاعر والمواقف بصدقٍ وعمق، ما جعله أحد أبرز الأعمال الدرامية الحالية.
“لام شمسية” كاستعارة للواقع المسكوت عنه
تحرّش المقرّبين، بيدوفيليا، مواجهة، وإنكار
يحمل عنوان المسلسل رمزية عميقة؛ فـ”اللام الشمسية” تُكتب لكنها لا تُنطق، تمامًا كقضايا التحرش التي تُرتكب في العلن لكنها تُطمس بالصمت والخوف.
تعكس المعالجة بوضوح كيف يُنكر المجتمع جرائم التحرش، خصوصًا عندما يكون الجاني من المقرّبين، أو ذي مكانة اجتماعية، وكيف يمعن بإسكات الضحية وتجريدها من حقّ البوح والمواجهة، تحت طائلة الوصم.
المسلسل يفضح هذا الصمت عبر قصة “يوسف”، الطفل الذي تعرّض للتحرش، وزوجة أبيه “نيللي”، التي رفضت التواطؤ مع الصمت المجتمعي.
عند اكتشافها الأمر، قررت “نيللي” كسر حاجز الخوف وكشف الحقيقة رغم تعرضها للإنكار والتشكيك حتى من أقرب الناس إليها. فزوجها لم يصدقها في البداية، بل اتهمها بالمبالغة عند وصفها العناق الغريب الذي رأته بين ابنه “يوسف” وصديقه -الذي يعتبره بمثابة أخيه- “وسام” قائلًا أنّها هي الغريبة، رافضًا تصديق أن مثل هذا الفعل قد يصدر عن ذلك “الأستاذ الجامعيّ”. وكأن المعرفة والصداقة تُعفي الجاني من المساءلة. والدة “يوسف” هي نفسها، لامت “نيللي” على البوح وكسر الصمت، معتبرةً أنها “فضحت” ابنها. هذه المعالجة تعكس بوضوح كيف يُنكر المجتمع جرائم التحرش، خصوصًا عندما يكون الجاني من المقرّبين، أو ذي مكانة اجتماعية، وكيف يمعن بإسكات الضحية وتجريدها من حقّ البوح والمواجهة، تحت طائلة الوصم.
لكن المسلسل لم يكتفِ برفض هذا التواطؤ المجتمعي، بل قدّم بديلًا حقيقيًا من خلال سلوك “نيللي”، التي اختارت دعم “يوسف” نفسيًا بدلاً من طمس معاناته تحت ذريعة “المصلحة”. فقد استعانت بطبيبٍ نفسيٍّ ساعدها هي وزوجها على تفهّم مشاعر “يوسف” موضّحًا آليات التعامل الصحيح معه، مؤكدًا أن الصدمات قد تكسر الإنسان، لكن التعافي منها هو ما يصنع قوته.
التروما: عندما تتحدث الأجساد بدلًا من الكلمات
أحد أكثر الجوانب تأثيرًا في المسلسل كان تجسيد اضطرابات ما بعد الصدمة (التروما) من خلال شخصية “نيللي”، التي تعاني من تشنجات مهبلية مؤلمة عند ممارسة الجنس مع زوجها، دون أن تفهم السبب. لاحقًا، ومن خلال جلسات العلاج النفسي، تدرك أن جسدها كان يحمل ذكرى مؤلمة من طفولتها، عندما تعرّضت للتحرش.
يخرج العمل من دوّامة التبرير لخيانات الزوج تحت ذرائع أبوية، ويلوّح بورقة الحوار لفهم المشاكل الجنسية بدل اللجوء إلى الخيانات وتهميش حاجات ومشاعر الطرف الآخر، الذي غالبًا ما يكون النساء.
هنا، يتجاوز المسلسل مجرّد التوعية، ليقدّم معالجة نفسية دقيقة لأثر الصدمة النفسية الناتجة عن التحرش الجنسي، كاشفًا كيف يمكن للماضي أن يظل حاضرًا في الجسد حتى بعد سنوات من وقوع الحدث.
في هذا السياق، نجد أن البيئة المحيطة بـ “نيللي” لم تكن داعمة، فزوجها لم يحاول فهم معاناتها، بل لجأ للخيانة، متذرعًا بأنها “لم تؤدِّ واجبها الزوجي”. إلا أن رد “نيللي” كان صارخًا في وجه هذه الذهنية الذكورية قائلةً:
“بقلك مفاجأة؟ وأنا كمان ست وعندي حاجات. تمنيتك لو اجيت كلّمتني وتفهّمت كل شي عم مرّ فيه وساعدتني إني حلّه بدل من أنّك تخونني.”
وهنا يخرج العمل من دوّامة التبرير لخيانات الزوج تحت ذرائع أبوية، ويلوّح بورقة الحوار لفهم المشاكل الجنسية بدل اللجوء إلى الخيانات وتهميش حاجات ومشاعر الطرف الآخر، الذي غالبًا ما يكون النساء.
النساء أنفسهنّ اللواتي يتم التغاضي عن رغباتهن الجنسية والدوس على حاجاتهن، في مواقف مشابهة، وقد يصل الأمر إلى حد تحقيرهنّ ووصمهن جنسيًّا. وهنّ أنفسهنّ من تكون شهواتهنّ، ضمن إطار العلاقة الزوجية، خاضعة لسيطرة وتحكّم الرجل، فلا يظهرنها إلّا لإرضائه وبطلبٍ منه، تحت طائلة الوصم أو التعييب.
أذى المتحرّش لا ينحصر بضحاياه المباشرة فقط
إحدى الأفكار الذكية في المسلسل كانت تسليط الضوء على تأثير المتحرش ليس فقط على الضحايا -الناجيات/ين- المباشرين/ات، بل على محيطه أيضًا. “وسام”، الجاني في المسلسل، لم يكن مجرد متحرّش، بل كان أيضًا زوجًا مستبدًا ونموذجًا سامًّا للأبوة.
لم يقتصر إجرامه على قضية “يوسف”، بل امتدّ إلى زوجته، التي عانت من تلاعبه العاطفي ومن أساليبه النفسية القذرة والتي أوصلتها للهاوية. كما وصل أذاه إلى ابنته، التي حرّضها على أمها وأجّج الشرخ الحاصل بينهما بدلًا من مساعدتهما على فهم بعضهما. هذه المعالجة توضح أن المتحرّش ليس فقط شخصًا يرتكب جريمة، بل هو أيضًا فرد يعكس مجموعة أوسع من السلوكيات السامة التي تؤثر على كل من حوله.
في مشهدٍ مؤثر نرى زوجة “وسام” قد أقدمت على الانتحار، وعند رؤيته لها مغميّة على الأرض، قفلَ الباب بكلّ هدوء وجلسَ يشاهد التلفاز ويأكل المكسرات دون أن يهمّ بمساعدتها وطلب الإسعاف. هذا المشهد لم يكن إلا تعبير حاد ومؤذٍ على سادية هذا الرجل، وأن تحرشه بالأطفال لا يأتي كسلوكٍ وحيد، بل مصحوب بأمراض نفسية أخرى أكثر خطرًا على المجتمع.
كذلك، يكسر المسلسل الصورة النمطية عن المتحرش، حيث قدم وسام كشخصية ذات مكانة مرموقة -أستاذ جامعي- ومثقف يشارك في حملات توعية ضد التحرش! هذه المفارقة تسلط الضوء على حقيقة أن المظهر الاجتماعي لا يعكس دائمًا الأخلاق، وأن بعض المعتدين يختبئون خلف أقنعة الاحترام والمكانة المرموقة. واقعٌ يجسّد “عدّة النصب” الجديدة، التي استحدثها الذكوريون، حين قرروا استباحة المساحات النسوية والتعدي على نشاطاتها والاختباء خلف خطابتها. وصفةٌ سحريةٌ ساذجة، ولكنها خبيثة، كانت إجازة عبور ليس فقط نحو التبرير المجتمعي، بل نحو التضليل والتلاعب والاستيلاء الذي لطالما بُنيت فوقها دعائم الأبوية.
تصاعد الخطاب النسوي في الدراما العربية
لم يكن مسلسل “لام شمسية” العمل الوحيد الذي قدّم طرحًا جريئًا للقضايا النسوية هذا العام.
إذ برز إلى جانبه “بالدم”، وهو مسلسل يسلّط الضوء على حقوق النساء في قضايا الأمومة، عبر معالجةٍ درامية لرحلة بحث امرأة عن أهلها البيولوجيين. يعالج العمل معاناة النساء اللواتي خُدعن أو أُجبرن على التخلّي عن أطفالهن/طفلاتهن بسبب الفقر أو الضغوط الاجتماعية القاسية، ما يفتح النقاش حول حق أي أم في استعادة أطفالها/طفلاتها، ومدى تغلغل البُنى الأبوية في المؤسسات القانونية التي تتحكم في مسائل التبني والوصاية. كما يطرح المسلسل قضية النساء اللواتي يُجبرن على تأجير أرحامهن بسبب الحاجة الاقتصادية، ما يعكس استغلال أجساد النساء وتحويلهن إلى “سلع” في ظل نظام لا يوفر لهن بدائل اقتصادية عادلة.

والعام الفائت، تطرّق مسلسل “صلة رحم” إلى ذات قضية “تأجير الأرحام” في إطارٍ دراميٍّ مشحون بالعواطف والجرأة في طرح الأفكار. كما صدح اسم مسلسل “ولاد الشمس” الذي تدور أحداثه في دار أيتام، حيث يتعرض الأطفال/الطفلات لشتّى أنواع الأذى النفسي والاستغلال الجسدي. وفي هذا الطرح إضاءةٌ واقعية للانتهاكات بحق الطفولة التي تحدث بفعل غياب الرقابة على مثل هذه المؤسسات، وتحديدًا الكوارث الإنسانية التي يواجهها الأيتام اللذين/ اللواتي يفتقدن/ون لأدوات الحماية.
هذه الطروحات ليست بجديدة على الدراما العربية. فقد شهدنا في السنوات الماضية أعمالًا مثل “ع أمل”، الذي كشف أوجه العنف الأسري والتمييز الذي تواجهه النساء منذ الطفولة وحتى الشيخوخة، مسلطًا الضوء على التشابك والتقاطع بين هذه الانتهاكات والعادات المجتمعية الذكورية. كما تناول المسلسل ما يُعرف بـ”جرائم الشرف”، مفكّكًا الخطاب الزائف الذي يبرّر اضطهاد النساء باسم “العفّة والشرف”، ومبرزًا الظلم الذي تتعرّض له الضحايا/الناجيات. ولم يغب عن العمل تمثيل مسارات التمكين، حيث نجد شخصية “يسار”، المذيعة النسوية التي قاومت التهميش والاضطهاد في مجتمعها الريفي، والتي كانت تستهل برنامجها دائمًا بعبارة: “وراء كلّ امرأة ناجحة، نفسها”.
وفي خوضنا الحديث عن هذا المجتمع الريفي الذي ما زلنا نرى عاداته وتقاليده حاضرة حتى يومنا هذا، برز مسلسل “ظلم المصطبة” ليصحبنا في رحلة إلى هذا المجتمع وتفكيك بنيانه البالي.
كما عبّر مسلسل “تحت الوصاية” عن العراقيل التي تواجه النساء في سعيهن نحو الاستقلالية، من خلال إيضاح معاناة أم تكافح جاهدةً في منظومة ذكورية للمحافظة على حضانة أطفالها/طفلاتها من بعد وفاة زوجها، عن طريق امتلاكها مركب صيد تعمل عليه لإعالة طفليها.
وفي ذات السياق عبّر مسلسل “عملة نادرة” عن صراع النساء الصعيديّات للحصول على ميراثها، في هذه البيئة المجحفة بحق النساء من بعد وفاة زوجها.
كان لمسلسل “لعبة نيوتن” دورًا كبيرًا في إظهار مدى قدرة المرأة على تحمّل الضغوط ومواجهتها مشاكل الحياة لوحدها دون مساعدة من زوجها الذي أبقاها في ظلّهِ سنين بحجة أنّها لا تستطيع أن تتصرّف بمسؤولية من دونه، وقام بتطليقها شفهيًا عبر رسالة صوتية على واتساب، وهذا ما ألقى الضوء على قضية مهمّة جدًا وهي “الطلاق الشفهي”. نجد أن عكس السائد هو ما حدث مع الزوج الذي انهار بابتعاده عن زوجته التي حققت إنجازات، في بيئة غريبة عنها. وما هذا إلا تعبير عن رحلة تحرر النساء وسعيهنّ لكسر القيود المفروضة عليهن وتحقيق استقلاليتهن.
الدراما كأداة لتغيير الواقع
لم تأتِ هذه الأعمال لتقدّم حبكة درامية فحسب، بل حملت خطابًا نسويًا جادًا ومسؤولًا، ناقش قضايا عديدة حسّاسة بتناول مدروس بعيد عن المعالجة السطحية.
هذه الأعمال الدرامية ليست مجرّد مرآة للواقع، بل تمتلك القدرة على التأثير في التشريعات وتحدّي القوانين المجحفة بحق النساء، حيث لا تزال العديد من الدول الناطقة بالعربية تحتكم إلى قوانين تنطلق من بنى أبوية تنكر للنساء حقوقهن الأساسية. تسليط الضوء على هذه الحقوق المسلوبة، بلغةٍ درامية مسؤولة، يدعم الناشطات النسويات في رحلة نضالهن للمطالبة بإصلاحات حقيقية. فالدراما ليست مجرد أداة ترفيه، بل يمكنها أن تكون قوّة تغيير، تُعيد تشكيل الوعي المجتمعي وتساهم في تفكيك الهياكل الظالمة التي تكرّس التمييز الجندري. بعض الأعمال لا تكتفي برواية الحكايات، بل تكتب فصلًا جديدًا في النضال النسوي من أجل العدالة.