
الأردن.. منافع مشاركة النساء اقتصاديًا في سوق العمل
“في الأردن، رغم أن النساء يمثّلن طاقة اقتصادية مهمة، إلا أنها لم تُستثمر بالكامل بعد”، هكذا تلخّص الوزيرة والعضوة السابقة في مجلس النواب، وفاء بني مصطفى، أهمية وضرورة “تمكين النساء اقتصاديًّا، لما يعود بالفائدة على الأسر والمجتمع والدولة”.
فجوة بين التعليم والمشاركة الاقتصادية
رغم ارتفاع نسب التحصيل العلمي للنساء الأردنيات، إذ يشكّلن حوالي 56 ٪ من خريجي الجامعات، لا تزال المشاركة الاقتصادية والسياسية للنساء متدنية، بحيث تقل عن 15%، بحسب المنتدى الاقتصادي العالمي.
تقول عضوة مجلس الأعيان، الأكاديمية والباحثة عبلة عماوي: “نفتخر بأن نسب التعليم وصلت مرحلة مرتفعة جدًّا، ولكن التحدي يكمن في تحويل هذه النسب إلى فرص عمل فعلية”.
تلقي دراسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة العمل الدولية الضوء على أن سد فجوة مشاركة النساء في القوى العاملة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من شأنه رفع إجمالي الدخل بقيمة تعادل 38%، وتحسين مستوى الرفاه الاقتصادي بنسبة 20%.
أما على الصعيد الوطني، فوفقًا لمنظمة العمل الدولية، يمكن للأردن أن يزيد ناتجه المحلي الإجمالي بمقدار 10% في حال رفع مشاركة النساء اقتصادياً بنسبة 25% فقط، بحسب داسة أصدرها البنك الدولي 2019.
بيئة العمل: مفتاح الأداء والتنوع
في الشركات الأردنية، لاحظت التقارير أن فرض بيئة عمل داعمة للنساء لا يزيد من التنوع فحسب، بل يعزز الأداء والإنتاجية كذلك.
إذ تظهر دراسات عالمية تحقيق مكاسب اقتصادية بنسبة 1.12 % لكل ساعة عمل إضافية تقدمها النساء أسبوعيًا، في ظروف ملائمة.
وأظهرت دراسة شملت 366 شركة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا أن الشركات المصنفة ضمن أعلى 25% في تنوع الجنسين تحقق عوائد مالية تزيد بنسبة 15% عن المتوسط في قطاعاتها، بحسب دراسة أصدرها البنك الدولي عام 2018.
كما أن ضم امرأة واحدة إلى مجلس الإدارة أو الإدارة العليا يؤدي إلى زيادة العائد على الأصول ما بين 8 و13 نقطة مئوية، بحسب صندوق النقد الدولي.
تمكين النساء.. سلاح فعّال ضد الفقر
يُعدُّ تمكين النساء في سوق العمل وسيلة فعّالة لمكافحة الفقر.
تشكّل الأسر الأردنية التي تعيلها نساء وتعاني فقرًا مدقعًا نسبة 60% من المستفيدين/ات من صندوق المعونة الوطنية، ما يبرز أهمية انخراط النساء اقتصاديًّا في حماية أسرهن من مخاطر الفقر، بحسب اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة ومركز الدراسات الاستراتيجية (2020).
وإذا كان/ت 48% من الأردنيات/ين يشعرن/ون بالقلق دائمًا أو في غالب الأحيان حيال قدرتهن/م على شراء الطعام، فإن اشتراك النساء في الدخل الأسري يخفف العبء عن عاتق المعيل التقليدي، ويقلل من الضغوط النفسية عليه، بحسب مركز الدراسات الاستراتيجية 2020.
سلوك إنفاق أكثر حرصًا داخل الأسر
أما على صعيد الأسر، فتساهم النساء المتزوجات – بحسب الاستطلاعات الأخيرة – بنسبة تتراوح بين 74% و 76% في نفقات الأسرة، بحسب مركز الدراسات الاستراتيجية 2020.
وتقارن البيانات بين الإنفاق على الفئات ذات الدخل المنخفض، إذ تخصص النساء ما بين 45.8% و48.2% من دخلهن للاحتياجات الأساسية، بينما يخصص الرجال ما بين 41.7% و42.2% فقط.
في حين تتراوح مصروفات الرفاهية لدى النساء بين 16.2% و19.4%، مقابل 22.5% و24.1% لدى الرجال، بحسب هيئة الأمم المتحدة للمرأة في الأردن.
وهذا الحرص النسائي على تأمين الأساسيات قبل الكماليات يؤكد دوهن المحوري في تحسين نوعية الحياة داخل الأسرة.
تظهر الدراسات أيضًا أن ارتفاع مشاركة النساء في سوق العمل يرتبط بتحسّن مؤشرات التنمية البشرية. إذ تعجز معدلات الرضا عن الحياة بين النساء غير العاملات عن مجاراة النساء العاملات. كما أن 81.8% من النساء غير المتزوجات يعتبرن موافقة أزواجهن المستقبليين على عملهن بعد الزواج أمرًا مهمًّا، بينما يفضّل 64.4% من الأردنيين الزواج من نساء عاملات، بحسب مركز الدراسات الاستراتيجية 2020.
تأثير تمكين النساء على الطفولة والتعليم
ولا تتوقف الفوائد عند حدود المنزل، بل تتعداها إلى التعليم ورعاية الأطفال. فعلى المدى القريب، يُسهم دخل النساء في إلحاق الأطفال بمراكز التعليم المبكر، ما يعزز جاهزيتهم/ن الدراسية.
وعلى المدى البعيد، تترجم هذه الاستثمارات إلى تحسين فرص العمل والمستوى المعيشي.
كما يساهم دخل النساء في رفع معدلات التحاق الأطفال بالمدارس وتحصينهم/ن غذائيًا وصحيًا، ما يقلل من المخاطر التنموية ويعزز قدرة الدولة على تأمين مستقبل مستقر لجيل الغد.
في المحصلة، لا يمكن تجاهل الأثر السياسي لتمكين النساء اقتصاديًا. فوجود قيادات نسائية في مناصب عليا يخلق نماذج ملهمة للشابات، ويشجع النقاش العام لتبني سياسات أكثر شمولاً.
تبقى أمام الأردن فرصة ذهبية لتعزيز تنميةٍ شاملة ومستدامة عبر توظيف الطاقات النسائية في الاقتصاد. فالنساء لسن شريكات ثانويات في المسيرة التنموية، بل هنّ ركيزة أساسية لنهضةٍ وطنية تُحسن جودة الحياة، وتقوي أسس الرفاه، وتوسّع آفاق الديمقراطية ومكافحة الفقر.
الخُلاصة…
يُظهر الخطاب الرسمي في الأردن انخراطًا متزايدًا في قضايا النساء من حيث الشكل، لكنه غالبًا ما يبقى ضمن أطر التمكين الرمزي أو الاستجابة الانتقائية للضغوط الدولية، من دون أن يمس البُنى العميقة التي تُعيد إنتاج التمييز.
وفي حين يتم تقديم النساء كمكوّن مهم في خطابات التنمية، يبقى ذلك بشكلٍ مشروطٍ ومضبوطٍ بلغة الدولة المحافظة التي تبدو كمن يسعى إلى تحقيق “التوازن” بدلًا من العدالة الجذرية. وهو ما أشارت إليه بشكلٍ واضحٍ الاستراتيجية الوطنية للمرأة في الأردن (2020-2025)، بأنه رغم ما شهدته العقود الماضية من جهود واسعة للنهوض بالنساء وتحقيق المساواة بين الجنسين، فإن “هذه الجهود قد واجهت الكثير من التحديات على المستوى المؤسسي والثقافي والمجتمعي والفردي؛ فلم يحقق ما تم بذله من الجهد والوقت والموارد في هذا المجال الطموح المأمول على جميع المستويات”.
كتابة: أروى العمري
هذا التقرير من إنتاج ويش بوكس ميديا، بالتعاون مع برنامج قريب الذي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية AFD، وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الإعلامية CFI.