
نريد حق بان: من قتل الطبيبة العراقية بان زياد؟
جريمة لم تكتمل أوراقها، لكن دم الضحية كتب الحقيقة
في صباح 4 آب/ أغسطس 2025، استيقظ العراقيون والعراقيات على خبر صادم: وفاة الطبيبة الشابة بان زياد طارق، أخصائية الطب النفسي في محافظة البصرة، داخل منزلها، في ظروف وصفت أولًا بـ”الغامضة”.
لكن سرعان ما بدأت الأدلة تكشف عن وجه آخر: جريمة قتلٍ واضحة المعالم، حاولت العائلة التستر عليها، وسعت جهات رسمية إلى طمسها بتصنيفها كـ”حادثة انتحار”.
ملابسات وفاة الطبيبة بان زياد تثير جدلاً واسعًا في العراق
منذ الساعات الأولى لإعلان وفاة الطبيبة بان زياد، شهدت الساحة العراقية، لاسيما على منصات التواصل الاجتماعي، جدلًا واسعًا ومطالب بكشف الحقيقة.
وفي حين شكك الرأي العام بالرواية الرسمية والعائلية التي تفيد بأن بان أقدمت على إنهاء حياتها نتيجة ضغوط نفسية، رُجّحت منذ البداية فرضية القتل بالاستناد إلى شهادات عدد من زملاء الطبيبة الراحلة.
شهادات أكدت أن زميلات/ زملاء رأوا/ين على جسدها آثار كدمات وتعذيب واضحة، وهو ما اعتبروه دليلًا قويًا ينفي فرضية الانتحار، ويدعم نظرية تعرضها للعنف الجسدي الذي أودى بحياتها. هذه الشهادات أثارت الريبة حول موقف العائلة، ودفعت الكثيرين للمطالبة بتحقيق شفاف يكشف الملابسات الكاملة للوفاة، ويضع حدًا للتكهنات التي تتزايد يومًا بعد يوم.
View this post on Instagram
كيف كان موقف العائلة؟
تحدثت والدة الطبيبة بان، جنان غازي، عن ما وصفته بـ”الظروف النفسية الصعبة” التي كانت تمر بها ابنتها، معتبرةٍ أنها “كانت تعاني من ضغوط ناتجة عن بيئة العمل”، في إشارةٍ إلى ما تحاول تصنيفه على أنه “سببٍا للانتحار”. وقالت في تصريح لها:”بان كانت تعاني من ظروف وضغوطات نفسية بسبب أجواء وبيئة العمل. كلنا نعرف جو المؤسسات والدوائر، ونحن عائلة متعلمة، فأنا امرأة تربوية وأعرف كيف أتعامل مع أولادي. ما حصل بسبب ظروف العمل والضغوطات التي ترافقه”.
أما والد الطبيبة، فحاول هو الآخر التنكّر لـ “ما يتم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي من أخبار تتحدث عن تعذيبها ومقتلها”، متذرّعًا أن “الحقيقة أن بان أقدمت على الانتحار بسبب الضغوط النفسية التي كانت تعاني منها”. وتابع الوالد قائلًا:
“عند وصولي لم يُسمح لي برؤيتها، لكنها كانت قد كتبت عبارة على باب الحمام بدمها تقول: (أريد الله)، وهي الآن بين يدي رب العالمين”.
رواية العائلة لم تُغلق باب التساؤلات، بل على العكس، زادت من الغموض، خصوصٍا بعد تسريبات أوردها محامٍ رفض الكشف عن اسمه، تحدث فيها لعدد من وسائل الإعلام عن معلومات تشير إلى وجود شبهة جنائية في القضية.
ووفقًا لما صرّح به المحامي، فإن الأدلة الجنائية أثبتت تورط أحد أفراد عائلة بان زياد في الجريمة، وتم على إثر ذلك اعتقال جميع أفراد العائلة في إطار التحقيق، تمهيدًا لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق المتورطين.
ونقل المحامي، وفقًا لمصادر صحفية، أن “الأخ هو المتهم الرئيسي في القضية”، مرجعًا سبب الجريمة إلى “كونه مدمنًا على تعاطي المخدرات”. وأضاف أن بان “كانت قد حاولت التدخل لمنعه من التعاطي، حيث قامت بأخذ الحبوب المخدرة التي كان يستخدمها، ما أدى إلى نشوب خلاف بينهما، انتهى بقيامه بقتلها والتمثيل بجثتها بطريقة وحشية”.
وما يزيد من خطورة القضية، ما أشار إليه المحامي حول “بذل والد الضحية جهودًا كبيرة لدفع أموالًا لمحاولة إخراج ابنه من السجن في إطار محاولته التستر على الجريمة”.
“أعشق الساطور واسمه”.. شقيق بان في دائرة الاتهام
في قلب الشبهات، يقف شقيق بان، المتهم الرئيسي، والذي تداول ناشطون منشورات سابقة له على وسائل التواصل، تحمل دلالات عنف صريح، من بينها:
“أعشق الساطور واسمه”،
“الله.. شعور يجنن من تذبح أحد”،
“الأخوة الأعداء”.
صورٌ ومحتوى بصري مقلق، تم حذفه بعد وفاة بان، ما زاد من الريبة.
View this post on Instagram
ورغم هذه المؤشرات، أفرجت السلطات عنه في بداية التحقيق، قبل أن تعود وتعتقله تحت ضغط حملة شعبية واسعة حملت وسم “نريد حق بان”.
الأدلة الجنائية: الجسد لا يكذب
رغم محاولة الأسرة فرض رواية الانتحار، كشف تقرير لجنة الطب العدلي، الذي قدّمه النائب عدي العواد إلى محكمة البصرة الثالثة، عن تفاصيل تنسف هذه الرواية بالكامل:
تعطيل متعمّد لكاميرات المراقبة في المنزل قبل وأثناء وبعد الوفاة.
آثار خنق وكدمات واضحة على الوجه والرقبة.
جروح قطعية متماثلة وعميقة في اليدين، غير ممكن تنفيذها ذاتيًا.
اختفاء الأداة المستخدمة في إحداث الجروح.
عبارة مكتوبة بالدم على جدار الحمام: “أريد الله”، بسماكة حروف تتطلب كميات كبيرة من الدم.
تنظيف مسرح الجريمة وتأخير إبلاغ الشرطة.
رفض تشريح الجثة من قبل العائلة، والضغط لتسليمها ودفنها بسرعة.
شكاوى سابقة من بان ضد شقيقها بسبب تعاطيه المخدرات، تجاهلتها الجهات المعنية، ولم يُخضع لفحص مخبري.
كل هذه الأدلة المادية تُظهر بوضوح أن بان لم تنتحر، بل قُتلت بطريقة وحشية، ثم جرى التستر على الجريمة.
View this post on Instagram
نحن نصدق بان.. العدالة لا تكتمل دون محاسبة كل المتواطئين
في قضايا العنف ضد النساء، القاتل ليس وحده المسؤول. بل كل من حاول التغطية على الجريمة، وكل من روّج لرواية مضللة، وكل من أخفى أدلة، وكل مسؤول تواطأ أو سكت.
هذه الشراكة في الجريمة لا تقل خطرًا عن الجريمة نفسها.
نحن نصدق بان،
نصدق جسدها الذي تحدّث بالكدمات والجروح العميقة، بعمق ظلم المنظومة الأبوية. نصدق المؤشرات التي تقول إن ما جرى جريمة واضحة، وضوح الغطرسة الذكورية. ونحمّل كل من حاول تحويل الجريمة إلى “انتحار” مسؤولية تضليل العدالة، أمام القانون وأمام التاريخ، ومسؤولية قتل الضحية مرتين.
نصدق كل امرأة قُتلت ثم تم تغطية الجريمة مرة وراء ستار “الشرف”، وأخرى خلف ستار الانتحار.
بان لم تنهِ حياتها. بان نُحرت، ثم حاولوا نحر الحقيقة معها.
ما الذي نطالب به؟
– تحقيق شفاف ومستقل، بإشراف جهات غير خاضعة للسلطة المحلية أو العائلة.
– محاسبة القاتل والمتواطئين/ات، سواء من العائلة أو من داخل المنظومة الرسمية.
– تجريم التستر على جرائم العنف الأسري، وتشديد العقوبات ضد من يُعطل العدالة.
– وضع قانون شامل لحماية النساء من العنف، يستجيب لحالات التهديد والملاحقة والتعنيف داخل البيوت.
– التوقف عن استخدام مصطلحات مرضية أو نفسية لتبرير القتل، وإعادة النظر في كل حالات الانتحار النسائي المشبوهة.
نريد حق بان، وحق كل النساء اللواتي قتلتهن، وستّرت على قتلهن المنظومة الأبوية.
قضية بان زياد ليست استثناء.
إنها صرخة في وجه الصمت، وصرخة ضد نظام يقتل النساء ثم يبرر موتهن.
العدالة تبدأ من كشف القاتل/ القتلة، لكنها لا تكتمل إلا بتفكيك المنظومة التي سمحت له بأن يقتل، ثم يخفي الجريمة.