
“لم أستطع دفن قصتي” .. امرأة كورية تكسر الصمت وتستعيد عدالتها بعد 60 عامًا
من مراهقة مقيّدة إلى أيقونة نسوية.. رحلة تشوي مال-جا ضد أحكام مجتمع أبوي
ألغت محكمة في كوريا الجنوبية الحكم الصادر منذ 60 عامًا ضد امرأة مسنة سُجنت في سن المراهقة لعضها لسان رجل متهم بالاعتداء الجنسي، منهيةً بذلك صراعًا طويلًا من أجل العدالة حظي بتأييد النساء في جميع أنحاء البلاد.
قالت تشوي مال-جا، البالغة الآن 79 عامًا، أنها تعرضت لاعتداء جنسي عندما كانت تبلغ من العمر 18 عامًا في عام 1964، من قبل رجل كان يسألها عن الاتجاهات في مدينة بوسان الساحلية.
لم تنجُ إلا بعد أن قضمت 1.5 سم (0.6 بوصة) من لسان الرجل، ما دفعه إلى مقاضاتها بتهمة الإيذاء الجسدي الجسيم. فيما رفعت هي دعوى مضادة ضده بتهمة محاولة الاغتصاب والتعدي على ممتلكات الغير والترهيب.
كانت كوريا الجنوبية في الستينيات، مجتمع أبوي تقليدي يركز بشكلٍ خاص على إعادة الإعمار بعد الدمار الذي خلفته الحرب الكورية والاحتلال الياباني قبل ذلك. وكان من المتوقع أن تدعم النساء الرجال بشكلٍ كامل، كما كان العنف المنزلي شائعًا لدرجة أنه لم يكن هناك حتى مصطلح يصفه في ذلك الوقت.
تشوي مال-جا .. من ناجيةٍ تدافع عن نفسها إلى متهمة محكوم عليها بالسجن
في هذا السياق السياسي والمجتمعي، حُكم على تشوي بالسجن لمدة 10 أشهر ووضعها تحت المراقبة لمدة عامين، وهي عقوبة أشد من تلك التي حُكم بها على المعتدي، الذي حُكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر ووضعه تحت المراقبة لمدة عام واحد بتهمة التعدي على ممتلكات الغير والتهديد. بينما أسقطت النيابة العامة تهمة محاولة الاغتصاب الموجهة إليه.
ولكن مع مرور العقود، أشعلت حملات حقوق النساء والفتيات، بما في ذلك حركة #MeToo، عزم تشوي على إلغاء إدانتها، حتى لو لم تحصل على العدالة إلا بعد أن أصبحت امرأة مسنة.
وبدأت تشوي رحلة نضالها منذ عام 2020، حيث أمرت المحكمة العليا في النهاية بإعادة المحاكمة في محكمة بوسان المحلية، التي برأتها يوم الأربعاء 9 أيلول/ سبتمبر الجاري.
وقضت المحكمة بعدم كفاية الأدلة التي قدمتها النيابة العامة على أن الرجل عانى من إعاقة دائمة بسبب إصابة لسانه.
قُيدت بالأصفاد وأُجبرت لاحقًا على الخضوع لاختبار لإثبات عذريتها، ونُشرت نتائج الاختبار على الملأ.
وأشارت إلى السجلات الطبية التي أظهرت أنه خضع لعملية جراحية في لسانه، واجتاز فحوصات اللياقة البدنية العسكرية وخدم في الجيش. وشهد أحد الشهود أن كلامه عاد إلى مستواه الطبيعي في غضون عام.
ووجدت المحكمة أيضًا أن فعل تشوي كان دفاعًا عن النفس، “لحماية نفسها من اعتداء غير قانوني.”
“تشوي مال-جا فعلتها”
قوبل الحكم بالاحتفال والفرح من قبل تشوي والعديد من مؤيديها الذين تجمعوا خارج المحكمة، يحملن/وا لافتات ويهتفن/وا :”تشوي مالجا فعلتها.”
وقالت تشوي لقناة JTBC التابعة لشبكة CNN :”حذرني الناس قائلين إن الأمر سيكون مثل ضرب بيضة على صخرة، لكنني لم أتمكّن من ترك هذه القضية تدفن.”
ووفقًا لتصريحات محامية تشوي لقناة JTBC، فهي تخطط الآن لرفع دعوى تعويض ضد الحكومة الكورية الجنوبية.
اختبار عذرية وأصفاد.. انتهاكات عانت منها في محاكمتها عام 1964
وعكست المحاكمة الأصلية لتشوي مدى الصعوبات التي واجهتها النساء في الحصول على العدالة في ذلك الوقت.
وقالت تشوي أن حقوقها انتهكت خلال التحقيق والمحاكمة، حيث قُيدت بالأصفاد وأُجبرت لاحقًا على الخضوع لاختبار لإثبات عذريتها، ونُشرت نتائج الاختبار على الملأ.
وفقًا لشهادات تشوي، سألها المدعون العامون والقضاة أثناء التحقيق والمحاكمة عما إذا كانت ترغب في الزواج من المعتدي لإنهاء القضية.
وكان الرأي السائد أن زواجها منه قد يعوّضه عن إصاباته، حيث لن ترغب أي امرأة أخرى في الزواج من رجل بنصف لسان.
“حياتي كانت مليئة بالمرارة. يجب على الدولة أن تعوضني عن حقوقي الإنسانية.
وقالت وانغ مي يانغ، رئيسة رابطة المحاميات الكوريات، إن الحكم الأصلي الصادر في عام 1965 يعكس “التحيز الاجتماعي والآراء المشوهة عن ضحايا العنف الجنسي التي ظلت متجذرة بعمق في مجتمعنا.”
وقالت وانغ في مقابلة مع CNN في وقت سابق من هذا العام: “ربما دفعت الأجواء الاجتماعية في ذلك الوقت المدعين العامين إلى الانحياز إلى الرجل، وأعتقد أن مفهوم العنف الجنسي لم يكن موجودًا على الأرجح”.
حركة “أنا أيضًا” كمحفز لمال-جا لاستعادة حقوقها
انتشرت حركة #MeToo العالمية بشكلٍ كبيرٍ في كوريا الجنوبية في عام 2018، حيث طالبت بمحاسبة الرجال الأقوياء ودفعت الحكومة إلى فرض عقوبات أشد على جرائم العنف الجنسي.
وكانت الحركة من بين الأسباب التي دفعت تشوي مال-جا إلى طلب إعادة المحاكمة.
وكتبت تشوي في رسالة إلى المحكمة العليا العام الماضي، كجزء من طلبها لإعادة المحاكمة:
“حياة الفتاة، التي لم تستطع حتى أن تزدهر، كانت غير عادلة ومليئة بالمرارة… يجب على الدولة أن تعوضني عن حقوقي الإنسانية.”