من عمّان إلى بيروت، حيث تصل آلاف النساء المهاجرات اللواتي غادرن بلادهن وعوائلهن، حاملات الحقائب والأحلام والآمال.
يصلن إلى دول غريبة، وبيوت لا يعرفن أهلها، بحثًا عن فرص عمل تؤمّن لهن ولعائلاتهن حياة أفضل. لكن ما ينتظرهن في البيوت المغلقة ليس دائمًا ما وعدت به مكاتب الاستقدام أو الإعلانات الورقية. بل منظومة عمل تضعهن في موقع هش، وتضاعف من هشاشة مواقعهن، فتبقيهنّ محرومات من أبسط الحقوق.
في الأردن: آلاف النساء خارج الحماية القانونية
وفقًا لوزارة العمل الأردنية، يتجاوز عدد عاملات المنازل المسجلات رسميًا 50 ألف عاملة، ينحدرن من دول مثل الفيليبين وسريلانكا وبنغلاديش ونيبال وإثيوبيا وغانا وأوغندا وإندونيسيا وكينيا.
إلا أن الأرقام الرسمية لا تعكس الواقع الكامل؛ حيث تشير تقديرات منظمة “تمكين” إلى وجود نحو 15 ألف عاملة منزلية في الأردن يعملن بصورة غير قانونية، ما يجعلهن عرضة للابتزاز والاستغلال، مع غياب أي حماية قانونية فعلية.
ويُقدّر مركز “عدالة” لدراسات حقوق الإنسان أن العدد الحقيقي لعاملات المنازل قد يصل إلى 100 ألف عاملة، ما يعكس حجم الاعتماد على هذه الفئة، ويطرح تساؤلات حول غياب تنظيم فعّال يضمن حقوقهن الإنسانية والعملية.
نظام الكفالة: هيمنة قانونية على حساب الكرامة
في الأردن ولبنان على حد سواء، لا تزال العاملات المهاجرات خاضعات لنظام الكفالة، الذي يربط قانونيًا إقامتهن بصاحب العمل، ويمنعهن من تغيير جهة العمل دون إذنه، ما يعزز علاقة غير متوازنة من التبعية والسيطرة.
وفي لبنان، تُقدّر أعداد العمال والعاملات المهاجرين بنحو 176,500 شخص، 70% منهم من النساء، وغالبيتهن يعملن في الخدمة المنزلية. يعملن في عزلة شبه تامة، داخل بيوت مغلقة، حيث لا عقود عمل عادلة، ولا رقابة فاعلة، ولا حماية قانونية تردع الانتهاكات المتكررة.
تصف منظمات حقوق الإنسان نظام الكفالة بأنه يصل إلى مستوى “العبودية الحديثة”، إذ يُجرد العاملات من القدرة على اتخاذ القرارات، ويتيح لصاحب العمل احتجاز جواز السفر، والتحكم في ساعات العمل والأجور، بل وحتى في التواصل مع العالم الخارجي.
بين التعتيم والتمييز: إنسانية معلَّقة
تواجه العاملات المهاجرات تحديات متعددة الأبعاد:
- تمييز على أساس النوع الاجتماعي والعرق.
- وصم اجتماعي يمنع اندماجهن في المجتمعات المضيفة.
- انعدام أنظمة دعم نفسي أو قانوني في حال التعرض للإيذاء أو التحرش.
- صعوبات في الوصول إلى العدالة، بسبب حاجز اللغة أو الخوف من الترحيل أو فقدان الإقامة.
ورغم الجهود التي تبذلها بعض المنظمات الحقوقية، يبقى التغيير بطيئًا، والإرادة السياسية لم تصل بعد إلى ترجمة المطالب الإنسانية إلى سياسات ملموسة.
في بلدين يواجهان أزمات اقتصادية واجتماعية مستمرة، لا تزال الفئات الأكثر هشاشة -كالعمالة المهاجرة، خصوصًا النساء- تتحمل الأعباء الأكبر.
لذا فإنّ تفكيك نظام الكفالة، وضمان عدالة الوصول إلى الحقوق، ليس ترفًا حقوقيًا، بل ضرورة قانونية وإنسانية وأخلاقية لا يمكن تأجيلها أكثر.
“شريكة ولكن” تقابل عاملات مهاجرات في لبنان والأردن
يعرض الوثائقي أعلاه تجارب عاملات مهاجرات في الأردن ولبنان، مع مراعاة اختلاف السياقات القانونية والاجتماعية بين البلدين، سواء لناحية التشريعات الناظمة للعمل، أو آليات الحماية والدعم، أو أدوار المجتمع المدني والمؤسسات الرسمية.
وبينما يتضمّن الجزء الخاص بلبنان إحالات إلى الإطار القانوني المعمول به، واجه فريق العمل تحديات حالت دون تقديم مستوى مماثل من التفاصيل حول الوضع القانوني في الأردن، ما أثّر على توازن السرد في هذا الإطار.
لكن يبقى الهدف الأساس: إضاءة التجارب الإنسانية للعاملات المهاجرات، وإبراز التحديات المشتركة والفوارق السياقية، بما فيها محدودية الإجراءات القانونية المتاحة في الأردن، وتباين الدعم والخدمات التي يقدّمها المجتمع المدني والجهات الرسمية في البلدين.