
استقلالية سكن الكويتيات
تمييز قانوني، مؤسسات أبوية، وظلم مجتمعي؛ ثالوث يحاصر النساء الكويتيات ويعرقل حياتهن، حتى بعد التعديلات الأخيرة التي شهدتها القوانين.
فما زالت تُعامَل الكويتيات كمواطنات من الدرجة الثانية. وأحد أهم المشاكل التي يعانين منها، سواء كنّ مطلّقات، أرامل، متزوجات من غير كويتيين أو عزباوات، هو استقلالية السكن وحق امتلاكه مقارنةً بنظرائهن الرجال.
فالنساء في الكويت ليس لهن مساكن مستقلة بحسب قوانين الدولة؛ فإمّا أن يتزوجن ليكنّ للواحدة منهن نصف بيت الزوج، في حال كان كويتيًّا (وهو أمر قد يخضع لتلاعبات كثيرة)، وإمّا أن تشتري بيتًا على نفقتها الخاصة إن لم يكن الزوج كويتيًّا. ومع ذلك، لا يمتلكن الحق في توريث هذه المنازل لأبنائهن/ بناتهن!
وإمّا أن يرضين بمساكن للمطلقات أو الأرامل، والتي لا تصلح للزيارة حتى تكون صالحة للسكن. وعلى كل حال، فليس للمواطنات ــ مطلّقات كنّ أو أرامل أو لم يسبق لهن الزواج، وبأي عمر كنّ، أمّهات أو حتى جدّات ــ أي حق في إصدار البطاقة المدنية أو تغيير العنوان أو حتى استئجار سكن يليق بهن، فما بالكن/م باستقلالية السكن!
الرعاية السكنية و”انصافها“ للمواطنة الكويتية
قبل أربع سنوات، أُجريت تعديلات “رمزية” على لائحة الرعاية السكنية، يُعتقد أنها تنصف النساء، في حين أنها ما زالت تمثل عقبة أمام المواطنات الكويتيات. فبحسب قانون الرعاية السكنية، لا تمتلك الكويتيات العزباوات الحق في الاستقلالية السكنية الكاملة بأنفسهن، إذ يُشترط أن يسكنّ مع أسرهن أو ذويهن، وقد يواجهن صعوبة في الحصول على سكن مستقل أو بطاقة مدنية وعنوان خاص بهن.
تتيح الرعاية السكنية للنساء الكويتيات الاستقلال في اختيار السكن في حالات محددة، مثل الأرامل أو المطلقات اللواتي لديهن أبناء، أو في حالة وجود عائلة مكوّنة من أرملة وأبنائها. ففي هذه الحالات، تمنح المؤسسة العامة للرعاية السكنية حق الحصول على سكن مناسب ومستقل، خصوصًا عندما تكون النساء مسؤولات عن أُسر. وتشمل حالات الاستقلالية كذلك المطلقات الحاضنات، إذ يحق لهن البقاء في مساكن الزوجية أو الحصول على مساكن بديلة لهة ولأطفالهن المحضونين/ات حمايةً لمصلحتهم/ن. كما يُسمح للأرامل بالحصول على وثيقة تملّك بأسمائهن مع أبنائهن/بناتهن غير المتزوجين/ات، وهو ما يمنحهن استقلالية في مساكنهن.
غير أنّ حقوق المرأة المطلقة أو الأرملة في السكن تسقط وفق شروط معينة، منها الزواج مجدداً، أو الحصول على تعويض مالي، أو امتلاك منزل آخر، أو انتهاء فترة الحضانة. وقد نصّت اللائحة على منح المطلقة الحاضنة حق “البديل السكني” بحسب كل حالة بشرط عدم الزواج مرة أخرى.
أما بالنسبة للعزباوات، فما زلن يواجهن عوائق تحول دون حصولهن على سكنٍ مستقلٍّ حتى لو استوفين بعض الشروط، مثل أن تك،ن الامرأة كويتية، مطلقة أو أرملة لم يسبق لها الحصول على رعاية سكنية من الدولة، وألا تمتلك عقارًا كبيرًا أو يتجاوز قيمته مبلغًا محددًا.
كما يُشترط أن يكون لديها دخل أو أن يكون والدها معيلها، وغالبًا ما يكون هو المتقدم لطلب السكن نيابة عنها. أما العزباء التي لم يسبق لها الزواج فلا يحق لها امتلاك سكن مستقل.
يجدر بالذكر أن بنك الائتمان يوفر قرضًا إسكانيًّا للمطلقات والأرامل فقط، إضافة إلى إمكانية الحصول على مساكن منخفضة الإيجار وفق الشروط السابقة، فضلًا عن الاستفادة من شقق مخصصة ضمن بعض البرامج الحكومية. كما يمكن للنساء الاستعانة بمكاتب العقار لتأمين شقق للإيجار في القطاع الخاص، وهو ما يُعد بيئة خصبة للاستغلال المادي.
سكن المطلقات وشققه المتهالكة
تعاني المطلقات في الكويت من تجاهل كبير لمشاكلهن وعدم توفير أبسط مقومات الحياة الكريمة لأسباب مجهولة. فهن يطالبن ويناشدن، لكن دون أن يجدن آذانًا صاغية تستمع إليهن أو ترأف بأوضاعهن.
ولا يخفى على الجميع أن الكويت من الدول السباقة في توفير الرعاية السكنية لمواطنيها/مواطناتها، وإن لم تكن حقًّا مطلقًا، إذ أُقرت حزمة من الشروط والضوابط والقوانين. ومع ذلك، قامت الدولة بتخصيص بعض المناطق السكنية للمطلقات، مثل مجمع الصوابر الذي تم هدمه عام 2019، وجرى توزيع شقق سكنية على بعض قاطنيه في شمال غرب الصليبيخات والصليبية. وكذلك مجمع المطلقات في صباح السالم، الذي لولا عزوف المواطنين/ات عنه لما تم إسكان المطلقات فيه.
لكن ذلك المجمع يعاني من إهمالٍ شديد من قبل مؤسسة الرعاية السكنية، التي تتجاهل طلبات ساكنيه/ساكناته المتعلقة بالترميم وصيانة المرافق المتهالكة وغير الصالحة للسكن. إضافة إلى ذلك، يُواجه سكان المجمع تضييقًا من وزارة الداخلية، حيث تقوم الشرطة بنصب نقطة تفتيش شبه ثابتة يوميًّا لكل من يدخل ويخرج من المبنى، مع التدقيق في هوياتهم عبر الحاسوب. وغالبًا ما يتم إيقاف العائلات في الشارع لفترات طويلة أمام مرأى ومسمع المارة، مما يضاعف معاناتهن/م.
وتروي إحدى ساكنات المجمع: «نظرة الناس لي ولأبنائي نظرة دونية لمجرد أننا نسكن في هذا المكان، وكأننا لا نستحق العيش في مكان لائق. أشعر وكأنني أعاقب على الطلاق وإنجابي للأطفال من قبل دولتي ومجتمعي».
للأسف، من لا تملك مالًا أو عقارًا أو لم ترث منزلًا من أبيها، أو من لا تمتلك نصف بيت الزوجية، تجد نفسها مضطرة للسكن في مناطق معزولة وذات سمعة سيئة، مع أبنائها، داخل شقق متهالكة تفتقر لأبسط مقومات العيش الكريم.
العزباوات وظلم تجار العقار
الكويتيات العزباوات مظلومات، بل منسيات، فقد سُلبت منها حقوقن الطبيعية بذريعة عادات وتقاليد ومفاهيم خاطئة تنتقص من كفاءة النساء وتمحو أهليتهن. فالمواطنات الكويتيات غير المتزوجات يُعاملن كأنصاف مواطنات، وهذه قضية يعاني منها الكويتيين العزّاب أيضًا، ولكن ليس بنفس الحدة.
العزباوات مقيدات بالأغلال قانونيًا ومجتمعيًا، فلا يمكنهن التمتع بالمزايا التي تمنحها الدولة للمتزوجين، وتواجه عقبات كثيرة بسبب حالتها الاجتماعية. وأول هذه العقبات ما يخص قطاع العقار؛ إذ لا تستطيع أي كويتية عزباء ليس لها أبناء استئجار العقارات التجارية أو الحصول على مسكن لائق، بسبب ذهنية ذكورية تسود بين كثير من تجار العقار، فبعضهم يرفض تأجير أيّة مطلقة لها أبناء، فما بالك بالعزباوات اللاتي لم يسبق لهن الزواج؟
يُضاف إلى ذلك أنه يستحيل على أية العزباء أن تسكن خارج منزل “ولي أمرها”، مهما كان عمرها أو وضعها الاجتماعي، فهي مجبرة على العيش في منزل ذويها تحت أي ظرف. كما أنها لا تستطيع تغيير عنوان سكنها ما لم تمتلك عقارًا خاصًا بها. ويُذكر أن امتلاك منزل في الكويت يكاد يكون مستحيلًا بسبب الغلاء الفاحش في أسعار العقارات.
أما الفنادق والشقق الفندقية، فهي لا تمنح حق الحجز والسكن لأي مواطنة بمفردها، سواء كانت متزوجة، أو مطلقة، أو أرملة، أو حتى عزباء، وذلك وفق قوانين تنتقص من أحقية الكويتية وتتعامل معها كمواطنات مع “وقف التنفيذ”.
المجتمع واستقلالية سكن الكويتية
كالعادة، يحكم المجتمع العربي النساء بقبضةٍ أشد من قبضة القوانين، وبطبيعة الحال فإن المجتمع الكويتي ليس استثناءً من ذلك، إذ ما زال ينظر إلى استقلالية سكن النساء كمدعاة للخزي والعار، باعتبارها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بأبوية المجتمع ومؤسساته التي تمنّ عليها بفتات حقوقها.
فحتى لو سُنَّت بعض القوانين التي تضمن حق استقلالية السكن للمواطنات الكويتيات، سيتكالب المجتمع على حرمانها من هذا الحق، ابتداءً من أفراد أسرتها وانتهاءً بتجار العقار. لذا فإن الحلول القانونية لهذه القضية يجب أن تكون جذرية وشاملة لجميع القضايا المتعلقة بحقوقها، بدءًا من حق الحماية وصولًا إلى حق استخراج جنسيتها وتجنيس أبنائها.
فمن دون حلول واضحة لتلك القوانين التمييزية، سيبقى حق استقلالية السكن مجرد رفاهية لا تنالها إلا من تمتلك أسرة متفهمة وداعمة.
كتابة: شهد الجميلي