مراسلة تحت القصف: نور أبو ركبة وشهادة حيّة من قلب غزّة

على أرضٍ تحمل في ترابها وجع السنين وأصوات من رحلوا/ن دون وداع، أرضٌ تتنفس الحزن وتقاوم بأرواح من ما زالوا/زلن متمسكين/ات بالحياة، تقف مراسلة قناة الجزيرة الصحافية نور أبو ركبة شاهدةً على وجع غزة، لا كناقلة خبرٍ فحسب، بل كابنة لهذه الأرض التي نزفت كثيرًا.

تحمل نور في قلبها حزنًا عميقًا على أشقائها الثلاثة الذين قتلتهم إسرائيل، وبيدها “الميكروفونلتنقل للعالم حقيقة ما يحدث لشعبها وللإنسان في غزة.

في كل تقرير ميداني لها، لا تنقل فقط ما جرى، بل ما شعر به الناس لحظة الألم. ترصد ارتجافة طفل فقد أمّه، وتلاحق دمعة مسنّ ينادي على حفيده وسط الدمار، وتلتقط بنبضها الإنساني تفاصيل الشارع الجريح، بلغةٍ تنحاز للحياة والكرامة.

في هذه المقابلة الخاصة لـ موقع “شريكة ولكن” نتعرف على نور ليست كمراسلة لقناة الجزيرة فحسب، بل كإنسان وكامرأة تعيش معاناة الحرب بكل تفاصيلها.

 

نور أبو ركبة: فقدت أشقائي الثلاثة ولم أفقد إيماني بواجب نقل الحقيقة.

 

من هي نور خالد أبو ركبة؟

أنا نور خالد أبو ركبة، أو كما يعرفني البعض بـ ‘نور أبو ركبة’، وهو اسم عائلتي، وخالد هو اسم والدي. أبلغ من العمر 26 عامًا، تخرجت من قسم الصحافة والإعلام بجامعة الأقصى في غزة.

بدأت مشواري في مجال الكتابة، مركزة على القصص الإنسانية والمقالات والتقارير، قبل أن أنخرط في الصحافة المرئية والعمل الميداني، خاصة خلال الحرب الأخيرة على غزة. شاركت في التصوير والإنتاج، حتى أصبحت مراسلة لقناة الجزيرة من غزة.

كيف بدأت رحلتك في العمل الميداني، ومتى أصبحتِ مراسلة للجزيرة؟

رحلتي الشخصية شكّلت أساس عملي كمراسلة. بعد نحو سنة وثمانية أشهر من اندلاع الحرب، أصبحت مراسلة للجزيرة.

خلال هذه الفترة، عايشتُ المأساة بكل تفاصيلها، وتشرّبت كل معاني الألم، مما مكنني من التعبير عن المعاناة بصدق أكبر.

فقدتِ ثلاثة من أشقائكِ خلال الحرب. كيف أثّر ذلك على عملكِ ونظرتكِ للصحافة؟

فقدتُ أشقائي الثلاثة، وتهدم منزلنا، وتعرضنا للنزوح أكثر من عشر مرات.

كل قصة ميدانية أرويها اليوم، عشتُها بشكلٍ أو بآخر. لم أعد فقط أنقل معاناة الآخرين، بل أروي ما يشبه معاناتي. هذه التجربة ولّدت داخلي إصرارًا أقوى لأن أكون صوت الذين/اللواتي رحلوا/ن، أن أحكي قصصهم/ن وأُذكر أسماءهم/ن وأُوثّق أثرهم/ن.

ما هو أصعب موقف مررتِ به خلال التغطيات الميدانية؟

لن أنسى مشهدًا في مستشفى الشفاء. كانت هناك طفلتان من نفس العائلة، تعرّضتا للقصف، وكلتاهما بُترت قدماهما. كانتا في صدمة تامة، تصرخان بلا وعي، ولا أحد من عائلتهما يعلم عنهما شيئًا. تلك اللحظة جعلتني أشعر بالعجز، فكل ما أملكه هو الميكروفون لنقل صوتهما.

 

كيف تتعاملين مع الضغط النفسي الناتج عن الحرب اليومية؟

في غزة، لا نعيش ضغطًا لحظيًا، بل ضغطًا مستمرًا. لا توجد لحظات هدوء حقيقية. تفريغنا النفسي يكون عبر الغضب أو الصمت، أو الاكتئاب. حياتنا اليومية مليئة بالتحديات النفسية التي لا تنفصل عن الحرب.

 

كامرأة في الميدان، هل واجهتِ تحديات إضافية؟

بالفعل، هناك خصوصية لتجربة النساء في الحرب.

في بعض الأيام لا أعلم أين سأنام، ولا توجد مساحات آمنة. الرجل قد يتدبر أمره بسهولة، أما نحن فالأمر أعقد. ومع ذلك، أحاول أن أخلق حلولًا. في ظل غياب الأمان، يصبح الأمل والمثابرة ضرورة.

 

ما الرسالة التي تسعين لإيصالها من خلال تقاريركِ؟

رسالتي أن أكون صوت الناس، أن أحكي معاناتهم/ن وأوجاعهم/ن بلسان من عاشها. حتى الآن أشعر أن هناك الكثير من القصص التي لم تُروَ، والكثير من الأسماء التي يجب أن تُذكر. أ

حاول أن أكون قريبة من الناس، لأنني واحدة منهم/ن، عشت ما عاشوه/عشنه، وما زلت أعيشه.

في كل لحظة تُطل فيها نور أبو ركبة على الشاشة، هناك قصة خلف العدسة لا تقل وجعًا عما يظهر أمامها، هي ليست فقط مراسلة، بل شاهدة عيان على جرح وطن، ومرآة شعبٍ لا يزال يقاتل من أجل الحياة في وجه آلة القتل الإسرائيلية.

إعداد: رويدا الصفدي
تصوير: همام الزيتوني
مونتاج: علي فواز
قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد