ناكيهان آكارسال… ذاكرة المقاومة النسوية في كردستان

اجتمع هذا العام العشرات من الناشطات والأصدقاء والمثقفين لإحياء ذكراها

في الذكرى الثالثة لاغتيال الباحثة والصحفية والمناضلة ناكيهان آكارسال، تحوّل المكان الذي سقطت فيه في شارع بختيار بمدينة السليمانية (كردستان) إلى مساحةٍ رمزية تُجسّد الوفاء لمسيرتها وتجديد العهد على مواصلة طريقها.
لم تكن آكارسال مجرّد صحفية أو كاتبة، بل امرأة واجهت أنظمة العنف والأبوية بالفكر والمعرفة والعمل التنظيمي، قبل أن تُستهدف في الرابع من تشرين الأول/أكتوبر 2022 في عملية اغتيالٍ مسلحة. ومنذ ذلك اليوم، تحوّلت ذكراها إلى بوصلةٍ نسويةٍ للمقاومة والبحث والمعرفة.

 

الذاكرة كفعل مقاومة

في موقع اغتيالها نفسه، اجتمع هذا العام العشرات من الناشطات والأصدقاء والمثقفين لإحياء ذكراها.
بدأت المراسم بدقيقة صمتٍ إجلالًا لأرواح الشهداء، تلتها وضع أكاليل الزهور على المكان الذي سقطت فيه ناكيهان، وإشعال الشموع، وعزف مقطعٍ موسيقي تكريمي حمل رمزية الحياة والاستمرار.
وألقت رونك مجيد كلمةً استذكرت فيها ناكيهان بوصفها «امرأة آمنت بأن الفكر أداة تحرر، وأن القلم يمكن أن يكون سلاحًا بوجه القمع»، مؤكدةً أن إرثها لا يقتصر على الماضي، بل يمتد في الوعي الجمعي لكلّ امرأة تقاوم الصمت.

 

كان أبسط سلاحٍ في يدها هو القلم، دافعت به عن ذاتها ووطنها ومجتمعها وأفكارها.

الكلمة كسلاحٍ نسويّ

في كلمتها خلال المراسم، قالت الناشطة السياسية سارا رضا: “وقع قبل ثلاث سنوات جرحٌ في روحنا كنساء ومجتمع. رفيقتنا ناكيهان، التي كان أبسط سلاحٍ في يدها هو القلم، دافعت به عن ذاتها ووطنها ومجتمعها وأفكارها.”

بهذه العبارة لخّصت رضا جوهر الاغتيال السياسي الذي استهدف ناكيهان، إذ لم يكن الهدف إسكات صوتٍ فرديّ، بل كبح سرديةٍ نسويةٍ حرّة أعادت كتابة التاريخ من منظور المرأة الكردية.
غير أنّ هذا الجرح تحوّل إلى وعيٍ جماعيٍّ مضاد، أعاد تعريف المقاومة بوصفها استمرارًا في الكتابة والإنتاج لا خضوعًا للحزن.

تابعت سارا رضا حديثها قائلة: “لن نتوقف عند الحزن، بل سنحوّل فاجعتنا إلى طاقةٍ لتحقيق أحلامنا المشتركة. دماء المرأة الكردية أصبحت اليوم مصدرًا للتاريخ والحياة.”

هذه الكلمات تختصر تحوّل الألم إلى فعلٍ سياسيٍّ نسويّ. فالنساء اللواتي فقدن ناكيهان لم يكتفين بتأبينها، بل حملن مشروعها الفكريّ إلى الأمام، مؤكدات أنّ كلّ محاولة لإسكات النساء تولّد عشرات الأصوات الجديدة في مجالات الأدب والبحث والتنظيم الاجتماعي.
لقد أصبح الحداد ذاته أداة مقاومة، والذاكرة شكلًا من أشكال النضال المستمرّ ضد القتل والنسيان.

 

الهوية الحرة للمرأة الكردية أصبحت اليوم مصدر فخرٍ وإلهامٍ عالمي

إرثٌ عابرٌ للحدود

لم يتوقّف تأثير ناكيهان آكارسال عند حدود كردستان. فقد أشارت المتحدثات إلى أنّ كتبها وأبحاثها تُترجم اليوم في بلدان الشرق الأوسط وأوروبا، وأنّ مشروعها في تأسيس “مركز الأرشيف والبحوث ومكتبة المرأة الكردية” أصبح مصدر إلهامٍ لحركاتٍ نسوية تسعى إلى توثيق التاريخ الشفوي والمعرفي للنساء.
قالت رضا في كلمتها: “الهوية الحرة للمرأة الكردية أصبحت اليوم مصدر فخرٍ وإلهامٍ عالمي، والعالم يستمد منّا الأمل والقوة.”

إن إرث ناكيهان اليوم يتجاوز الفرد ليصبح ذاكرةً جماعيةً عابرةً للحدود، تشارك فيها نساء من الشرق والغرب في مشروعٍ واحد: استعادة الكلمة كحقٍّ في الوجود والكرامة.

 

تظل ناكيهان آكارسال رمزًا للمرأة التي جعلت من المعرفة جبهةً، ومن الحبر مقاومةً.

ناكيهان آكارسال… حين يصير الفكر خطّ مواجهة

ناكيهان، المعروفة أيضًا باسم الرفيقة زيلان، كانت كاتبةً وصحفيةً وباحثةً ومناضلة كرّست حياتها لتوثيق تجارب النساء الكرديات، وإبراز فكر الحرية والمساواة كقضيةٍ جماعية تتجاوز الانتماء الجغرافي.
استُشهدت وهي في طريقها إلى مركزٍ أسّسته النساء، وسقطت برصاصٍ استهدف الفكر النسويّ أكثر مما استهدف الجسد.
لكن في كلّ ذكرى، تُثبت الحركة النسوية في كردستان أنّ القتل لا يُنهي المسيرة، بل يعيدها إلى الحياة عبر العمل، والكتابة، والموسيقى، والذاكرة.

وهكذا، تظل ناكيهان آكارسال — بكل ما تمثّله من فكرٍ وشجاعةٍ وإصرارٍ — رمزًا للمرأة التي جعلت من المعرفة جبهةً، ومن الحبر مقاومةً.

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد